ما موقف المسلم من الفتنة حين تبدأ؟ ما موقف المسلم من الفتنة حين يذر قرنها؟
في الفتنة - كما رأينا - يختلط الحق بالباطل، ويلتبس الصواب بالخطأ، فلا يتميز أحدهما من الآخر. وفي هذه الحالة يكون الموقف الأسلم والأوفق بالشرع هو الابتعاد عن الفتنة والامتناع عن المشاركة مع هذا الطرف أو ذاك، إذ لا يأمن المشارك من أن يقع في الباطل وهو يرى أنه ينصر الحق، أو يحارب الحق وهو يرى أنه يحارب الباطل.
وهذا هو الموقف الذي نصح الإمام بالتزامه حين تقع الفتنة، ويلتبس فيها الحق بالباطل، فقد قال: كن في الفتنة كابن اللبون. لا ظهر فيركب، ولا ضرع فيحلب (1).
ولكن هذا الموقف يكون صوابًا حين لا يكون الإمام العادل موجودًا، ولا يتاح للمسلم أن يتبين الحق من الباطل في الأحداث والمواقف التي تجري أمامه، أما حين يكون الإمام العادل موجودًا، ويتخذ من الفتنة موقفًا، فإن على المسلم أن ينسجم في مواقفه مع مواقف الإمام العادل، وليس له أن يبقى على السلبية متذرعًا بأنه يخشى الوقوع في الباطل، وإنما يكون موقفه هذا، في هذه الحالة، جبنًا وخذلانًا للحق، بل إنه يكون، من بعض الوجوه، خيانة ومساهمة في الفتنة، لأنه بسلبيته غير المبررة قد يضلل آخرين يجدون في سلبيته تبريرًا لمواقفهم.
وقد واجه الإمام أثناء فترة حكمه العاصفة مثل هذه المواقف الجبانة السلبية الخائنة من قبل بعض القيادات في مجتمعه تجاه الفتنة التي أثارتها قوى الثورة المضادة، فقال مرة يخاطب الناس: أيها الناس، ألقوا هذه الأزمة (2) التي تحمل ظهورها الأثقال من أيديكم، ولا تصدعوا (3) على سلطانكم، فتذموا غب فعالكم (4) ولا تقتحموا ما استقبلتم من فور نار الفتنة (5)، وأميطوا عن سننها (6) وخلوا قصد السبيل لها (7)، فقد لعمري يهلك في لهبها المؤمن، ويسلم فيها غير المسلم. إنما مثلي بينكم كمثل السراج في الظلمة، يستضيء به من ولجها... (8).
فالإمام هنا ينهى جمهوره عن المشاركة في الفتنة ولكنه لا يقرهم على الموقف السلبي منها، وإنما يأمرهم بالتصدي لها. إن المشاركة فيها تعني التآمر معها، والسلبية أمامها تعني عدم التصدي لها، وكلاهما خطأ. الموقف السليم هو مواجهتها مع الإمام الحاكم العادل، لأن الحق - بوجوده - بيّن ظاهر، فهو الهادي، وهو الدليل الذي لا يضلل، وهو السراج في الظلمة، ظلمة الفتنة، وكل ظلمة.
وقد حدث أن بعض المسلمين في بدايات خلافة أمير المؤمنين علي التبس عليهم الأمر في الفتنة التي أثارها خروج طلحة والزبير، وعصيان معاوية نتيجة لموقف أبي موسى الأشعري الذي قال للناس في الكوفة حين دعوا إلى قمع عصيان طلحة والزبير: إن الموقف موقف فتنة، وإن الموقف السليم منها هو الامتناع عن المشاركة فيها.
وقد أوضح الإمام إذ ذاك أن الموقف من الفتنة التي يلتبس فيها الحق بالباطل هو هذا، ولكن الأمر يختلف حين يتضح جانب الحق بوجود الإمام العادل أو بأية وسيلة أخرى، فإن السلبية في هذه الحالة تكون خيانة. ومن هنا فقد سمى الإمام خروج طلحة والزبير فتنة، ودعا الناس إلى مواجهتها وقمعها، لأن وجه الحق فيها بيّن، فقد كتب إلى أهل الكوفة عند مسيره إلى البصرة:
...واعلموا أن دار الهجرة (9) قد قلعت بأهلها وقلعوا بها (10)، وجاشت جيش المرجل (11)، وقامت الفتنة على القطب (12)، فأسرعوا إلى أميركم، وبادروا جهاد عدوكم (13).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) نهج البلاغة - باب الحكم - رقم 1. وابن اللبون هو ابن الناقة إذا كمل له سنتان. وهو في هذه الحالة لا ينفع للركوب لأنه لا يقوى على حمل الأثقال، وليس له ضرع ليحلب، كنى الإمام بذلك عن أن الإنسان الواعي في الفتنة يقف على الحياد فلا يكون ذا نفع لأي طرف من أطرافها.
(2) الأزمة، جمع زمام، كنى عن قضايا الفتنة بالنياق التي يمسك أصحابها بأزمتها، وهي تحمل على ظهورها الأثقال. يقول لهم: اتركوا قفا الفتنة ولا تخوضوا فيها لتخلصوا من آثارها.
(3) لا تصدعوا: لا تتفرقوا عن الحاكم الشرعي.
(4) غب فعالكم: عواقبها.
(5) فور النار: تعاظمها وارتفاع لهبها.
(6) أماط: نحى وأزال. والسنن: الطريق. يعني تنحوا عن طريق الفتنة وابتعدوا.
(7) قصد السبيل: الطريق. أي اتركوا الفتنة تسير في طريقها ولا تشتركوا فيها.
(8) نهج البلاغة، الخطبة رقم: 187.
(9) دار الهجرة: هي المدينة المنورة.
(10) قلع المكان بأهله: نبذهم وطردهم. وقلع فلان بمكانه: نبذه وابتعد عنه.
(11) جاشت: اضطربت، والمرجل: القدر: يعني أن دار الهجرة قد اضطربت بأهلها بسبب الفتنة التي نشبت فيها وانطلقت منها.
(12) قامت الفتنة على القطب: وجدت من يوجهها ويرعاها ويغذيها بالأفكار والقوى، فاشتدت وعظم خطرها.
(13) نهج البلاغة - باب الكتب - الكتاب رقم 1.
الشيخ محمد باقر الأيرواني
السيد محمد باقر الصدر
السيد عباس نور الدين
الشيخ محمد مصباح يزدي
الشيخ محمد مهدي شمس الدين
محمود حيدر
عدنان الحاجي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
محمد رضا اللواتي
حسين حسن آل جامع
الشيخ عبد الحميد المرهون
الشيخ علي الجشي
ناجي حرابة
عبدالله طاهر المعيبد
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
ياسر آل غريب
الإمام المهدي (ع) بين التواتر وحساب الاحتمال (1)
فكرة المهدي وجذورها في التاريخ
ما الذي يمكن أن نتعلمه من العظماء؟
شروط نصرة المؤمنين في الحرب بوسائل غيبية كما ورد في القرآن (2)
الفتنة الغالبة (3)
العرفان السياسي كمنشئ لحضارة التوحيد (2)
القمر ليس خاملًا جيولوجيًّا كما كان يُعتقد سابقًا
زكي السالم: كونُك شاعرًا .. هل أنت وغيرك سواء!؟
الفتنة الغالبة (2)
طول عمر الإمام المهدي (عج)