الاثنا عشرية نعت يطلق على الشيعة الإمامية القائلة باثني عشر إماماً تعيّنهم بأسمائهم.
تمهيد
واجه الإسلام ما واجهته سائر الأديان من التقسيم إلى فرق، ثم تقسيم كل فرقة، على مرّ الّزمن، إلى فرق... وفي التاريخ العديد من الشواهد على ذلك ﴿وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾ (هود - 118) ولا يقف هذا الاختلاف على الطوائف وأهل الأديان بعضها مع بعض. بل يتعداها إلى اتباع الدين الواحد. ولا نعرف أهل دين أجمعوا على عقيدة واحدة من جميع جهاتها، دون أن يتفرّقوا شيَعاً وأحزاباً. ورغم هذا الشتات والنزاع - وربما الحرب والصراع - فإن بين الفرق من كل طائفة قاسماً مشتركاً يجمع شملها.
ويربطها بالدّين الأصيل، وإلا لم تكن فرقاً لدين واحد، فلا بد لكل فرقة أن تأخذ بنصيب من دينها، أمّا مقدار هذا النصيب، وأيّ الفرق أكثر ملاءمة للأصل والمصدر فلا يعرف من كثرة الأتباع وقوّتهم، وسلطانهم.
الفرق الإسلامية
والذي نراه ونرجّحه أن أسباب الاختلاف والتعدّد في الفرق الإسلامية، على ما بينها من رابط قويّ أو ضعيف، هي واحدة تتّحد مفهوماً، وتختلف مصداقاً. ومن هذه الأسباب أن الذين انتموا إلى الدّين، عند بدايته، منهم من انتمى إليه حقاً وصدقاً، ومنهم من انتمى إليه شكلاً وظاهراً ابتغاء ما يجنيه من وراء هذا الانتماء، تماماً كما ينتمي كثيرون إلى حزب من الأحزاب لمنافع شخصية.
ومنها أن التعاليم التي أتى بها النبيّ لم تطبق بكاملها في عهده وحياته. ولمّا جاء دور تطبيقها والعمل بها، نظر إليها كلّ من زاويته الخاصّة، وواقع بيئته، ومنطق عقله. هذا وإنّ كثيراً من التعاليم المنسوبة إلى النبيّ لم ينطق بها صراحة، وإنّما استنبطها الأتباع من إيماءة أو تصرّف، أو من شيء لا يمتّ إليه بسبب. بل اختلفوا في الأحكام التي طبقها النبي، وعمل بها. فلقد توضأ مئات المرات أمام ألوف من المسلمين، ومع هذا اختلف السنّة والشيعة في صورة الوضوء، وادعت كل فرقة أنها هي التي تتوضأ بوضوئه دون غيرها. ومنها أن فئة من الأتباع قد تثق برجل ثقة عمياء، وتواليه ولاء دين وعقيدة وأخرى تتّهمه وتهاجمه.
الخلافة
لهذه الأسباب ولغيرها افترق المسلمون إلى فرق وشيع. وقامت بينهم حدود وحواجز، وأهمّها مسألة الخلافة وما يتّصل بها، بخاصة الطريق الذي يعين الخليفة بعد الرسول، وهل هو النصّ من الرسول، أو اختيار الوجهاء والأعيان؟ قال الشيعة بالأول، وقال السنّة بالثاني. وآمن كل بما رأى، وأصبح إيمانه هذا جزءاً من عقيدته ونظامها. وهذا - كما ترى - اختلاف في المنهج والطريق المثبت للخلافة، لا في أصل الخلافة: فالقول بأنها من عقيدة الشيعة خطأ. ما دام الكلّ متفقين على أصل الفكرة، وأنها تستند إلى الدين باعتبارها رئاسة عامة في الدين والدنيا نيابة عن الرسول باتفاق الجميع، إذن ليست الخلافة، من حيث الفكرة، شيعيّة فقط، أو سنّية فقط وإنما هي عقيدة لجميع المسلمين.
أجل، إن فكرة النص من النبي على الخليفة شيعية لأن السنّة لا يقولون بها، كما أن فكرة الانتخاب سنّية لأن الشيعة لا يقولون بها.
وبعد أن أناط السنّة تعيين الخليفة بانتخاب الوجهاء خاصة، وهم الذين عبّروا عنهم "بأهل الحلّ والعقد" قالوا مبرّرين رأيهم هذا إن الجماعة - أي الوجهاء - منزّهون ومعصومون عن الخطأ، وإن اللّه يهديهم إلى الحقّ والصواب، لحديث "لا تجتمع أمتي على ضلالة" ولما رواه البخاري في "صحيحه" (9: كتاب الأحكام) من أن النبيّ قال: "من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر، فإنّه ما أحد يفارق الجماعة شبراً فيموت إلا مات ميتة جاهلية".
وردّ الشيعة هذا الحديث، وكلّ حديث يتضمّن عصمة الجماعة، لأنَّها قد تخطئ بل جاء في الآية 187 من "الأعراف" "ولكن أكثر الناس لا يعلمون" فبالأولى القلّة وإن كانوا "أهل الحلّ والعقد".
هذا، إلى أن السنّة والشيعة متفقون قولاً واحداً على أن أيّ حديث يأتي من الرّسول يجب أن يعرض أولاً على "كتاب اللّه" فإن تناقض معنى أحدهما مع معنى الآخر، وجب طرح الحديث وإهماله. وليس من شك أنّ بين قوله: ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ وبين حديث عصمة الجماعة تناقضاً ظاهراً، فيجب طرحه وإهماله.
وأيضاً: بعد أن أناط الشِّيعة تعيين الخليفة بنصّ النبيّ عليه اسماً وعيناً قالوا مستدلين على ذلك: "إن محمداً نصّ على علي بن أبي طالب عليه السلام باسمه وعينه ونسبه، وعقد له الخلافة على المسلمين من بعده، وأمرهم بالسمع والطاعة له، وأعلمهم أن طاعته طاعة اللّه ورسوله" ونقل الشيعة عن ج 1 من "مسند" الإمام أحمد بن حنبل وج 2 من "تاريخ" الطبري، وجلد 2 من "تاريخ" ابن الأثير، وج 3 من "مستدرك" "الصحيحين" للنيسابوري ومن "السيرة الحلبية" نقلوا عن هذه الكتب وغيرها.
أن محمداً صلى الله عليه وآله حين نزلت عليه هذه الآية: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ (الشعراء 214)، جمع عشيرته في بيته. وبعد أن أكلوا من مائدته، قال لهم مشيراً إلى علي عليه السلام: هذا أخي ووصيّي وخليفّتي فيكم، فاسمعوا له، وأطيعوا. وعلّق الأستاذ محمد عبد اللّه عنان المصري، في كتابه على ذلك "تاريخ الجمعيّات السريّة": فقال: من الخطأ أن يقال إن الشيعة إنما ظهروا لأول مرّة عند انشقاق الخوارج، بل كان بدء الشيعة وظهورهم في عصر الرّسول، حين أمر بإنذار عشيرته بهذه الآية: "وأنذر عشيرتك الأقربين" ثم ساق الحديث إلى نهايته.
ووضع علماء الشيعة الاثني عشرية العديد من الكتب في النصّ على علي عليه السَّلام، وجمعوا فيها الآيات والأحاديث من طرق السنة والشيعة.
من هذه الكتب "الشافي" للمرتضى، "ونهج الحق" للعلامة الحلّي، والجزء الثاني "من دلائل الصدق" للمظفّر، "ونقض الوشيعة" والجزء الأول من "أعيان الشيعة" للسيّد الأمين، و"المراجعات" لشرف الدّين، "والغدير" للأميني.
وممّا قدّمناه نستخلص
أولاً - إن فكرة العصمة لم يقل بها الشيعة وحدهم، فإن السنّة يقولون بها أيضاً، والاختلاف بينهم في التطبيق فقط. فالسنّة يجعلونها للجماعة، والشيعة للإمام المنصوص عليه، فنسبة الفكرة من حيث هي إلى الشيعة دون السنّة خطأ واشتباه، تماماً كما هي الحال في فكرة الخلافة من حيث هي، ونسبتها إلى الشيعة دون غيرهم.
ثانياً - إنّ فكرة النصّ على علي عليه السَّلام بالذات هي فكرة دينية إسلامية تستند إلى الكتاب والسنة، وليست فكرة سياسية - كما قيل - ترتكز على حق الوراثة في الحكم، ولا فكرة عاطفية صرف، لا مصدر لها إلا قرابة النسب والسبب بين محمد صلى اللّه عليه وآله.
ثالثاً - إن مبدأ النص على علي عليه السلام بالخلافة فارق أساسي، وحاجز منيع بين السنة والشيعة. وقد كان له المقام الأول في الإيمان والعقيدة، وتعدد الفرق الإسلامية، والتأثير البالغ في السياسة، والفلسفة، وعلم الكلام، وفي الفقه، وفي التفسير والحديث، والتصوف، والأدب الإسلامي في جميع مراحله، بل والأساطير التي يبرأ منها الكتاب والرسول صلى الله عليه وآله، وعلي وأبناؤه عليهم السلام، والمحقون من شيعتهم. قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام: "ما شيعتنا إلا من يقول علينا حقّاً".
بدء التشيع
قال الشيعة: إن رسول اللّه هو الذي غرس بذرة التشيع لعلي عليه السلام بالنص عليه، وبالمدح والثناء بما لم يثن به على غيره من الأصحاب. كقوله: "يا علي، لا يحبّك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق". وقوله: "علي مع الحق، والحق مع علي". بل هو الذي أطلق على أتباع علي عليه السلام لفظ الشيعة، وأسماهم بهذا الاسم، حيث قال له: "يا أبا الحسن أنت وشيعتك في الجنة". وقال: "تأتي أنت وشيعتك راضين مرضيين" نقل الشيعة هذا الحديث عن كتاب "الصواعق المحرقة" لابن حجر الشافعي.
وظهرت هذه البذرة أوّل ما ظهرت حين توفي النبي صلى اللّه عليه وآله، وبويع أبو بكر بالخلافة، حيث امتنع علي عليه السلام، ومعه شيعته وأنصاره، واستمرّوا ممتنعين عن البيعة ستة أشهر كاملة. ذكر هذا المؤرخون والكتّاب القدامى والجدد. وآخرهم الكاتب المصري أحمد عباس صالح، فقد نشر مقالاً متسلسلاً بعنوان "اليمين والثورة" في مجلة الكاتب القاهرية. وممّا قاله في عدد يناير "كانون الثاني" 1965: إنّ غالبية المسلمين حين توفي النبي صلى اللّه عليه وآله، كانوا مع الاتجاه الذي يمثله علي بن أبي طالب عليه السلام وأصحابه. لأنّ النبي صلى اللّه عليه وآله كان زعيم هذا الاتجاه، وواضع مبادئه الأساسية وقال في عدد فبراير "شباط" 1965: "كان حزب كبير من أحزاب المسلمين يعتقدون أن علياً عليه السلام كان أولى بالخلافة من أبي بكر وعمر".
وأخذت بذرة التشيع تنمو وتعلو، وتواصل نموها وعلوها مع الزمن، والحركات الاجتماعية الإصلاحية في الإسلام، حتى أصبحت عقيدة الأصحاب والرواد الأول، والصالحين والمخلصين. ذلك أن علياً كان يسير على الطريق التي رسمها الرسول. قال المسعودي في مروج الذهب: كان مع علي في صفين تسعون ألفاً، فيهم ألفان وثمانمائة من أصحاب الرسول صلى اللّه عليه وآله.
عدنان الحاجي
الشيخ محمد جواد مغنية
السيد جعفر مرتضى
الشيخ محمد صنقور
محمود حيدر
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ جعفر السبحاني
حيدر حب الله
السيد محمد حسين الطهراني
حبيب المعاتيق
حسين حسن آل جامع
شفيق معتوق العبادي
جاسم بن محمد بن عساكر
عبدالله طاهر المعيبد
رائد أنيس الجشي
ناجي حرابة
الشيخ علي الجشي
السيد رضا الهندي
عبد الوهّاب أبو زيد
كيف تؤثّر أذواقنا الشّخصيّة في إبداعنا؟
الاثنا عشريّة وأهل البيت عليهم السلام (1)
العوامل المساعدة على انتصار الإسلام وانتشاره (1)
دور صلاة الجماعة في البناء الاجتماعي
بالإيحاء.. كان الوجود كلّه (3)
سرّ القنوت والتّشهّد والتّسليم في الصّلاة (3)
بحث عن عالم البرزخ والنّفخ في الصّور والكوثر (3)
الإمام الهادي (ع) الشّخصيّة المؤثّرة، جديد الشّيخ عبدالله اليوسف
المعاهدات في الإسلام (3)
بحث عن عالم البرزخ والنّفخ في الصّور والكوثر (2)