قراءة في كتاب

الحركة العلميّة في البحرين: "التّاريخ لا يحب أن يطمس"


ربى حسين ..

يحاول هذا البحث "الحركة العلميّة في البحرين" للسيد عيسى الوداعي والّذي صودرت نسخته الأولى من البحرين، رسم خريطة شاملة للحركة العلميّة في البحرين، تلك الحركة الّتي امتدّت لأكثر من سبعة قرون، محاولًا تجلية تاريخ المدارس في البحرين والحالات الّتي مرّت بها في قوّتها وضعفها. وقد تابع أوجه النّشاط العلمي في تلك المدارس، كما كان من وكده متابعة إسهامات البحرانيّين في العلوم والمعارف الشّرعيّة واللّغويّة وإبراز ما يتميّز به النّتاج العلمي البحراني في المنهج والمادة العلميّة المطروحة.
وفي مقدّمة كتابه كتب السّيد عيسى "ليس أضرّ على هذا البحث من النّظر إليه عبر الثّقوب السّياسيّة الضّيقة المقيتة، ومحاولة إخراجه من الدّائرة الوطنيّة الكبرى". وعن رحلة البحث العسيرة صرّح أنّها كانت تسير مرة وتتوقّف مرّات أخرى، ذلكم بأنّ البحث يعتمد أساسًا على مادّة لا يزال أكثرها مخطوطًا ولم تكن تلك المخطوطات ميسّرة. وأنهى شاكرًا سماحة الشّيخ محمد عيسى المكباس الّذي لم يبخل عليه بما عنده من كنوز بحرانيّة ولولاه لوهنت العزيمة لإكمال البحث.


المدارس العلميّة في البحرين
تناول الكاتب في الفصل الأوّل من الكتاب المدارس العلميّة في البحرين المفعمة بالطّاقات العلميّة الشّامخة الّتي تركت آثارًا جليّة في المسيرة العلميّة والثّقافيّة أمثال الشّيخ أحمد أبن المتوّج والفيلسوف الشّيخ ميثم البحراني. كما ولفت إلى الأهمّية العظيمة الّتي تبوّأتها المدارس العلميّة في البحرين والأدوار الاجتماعيّة والسّياسيّة الخطيرة الّتي أدّتها على مدى القرون المتتالية إذ كانت سلطتها تفوق السّلطة السياسيّة في البلاد.
كما تطرّق الكاتب إلى تطوّر هذه المدارس تاريخيًّا منوّهًا بدور الشيخ ميثم البحراني الّذي غيّر وجه المدرسة العلميّة البحرانيّة. كما تحدّث عن أهم القرى والمدن العلميّة الّتي كانت تستقطب العلماء كسترة وسماهيج، وفي قرية الماحوز كان "الوقف" مخصّصًا لكتب العلماء بما يفيد الحركة الثقافية والعلميّة في القرية. وعن مسألة تمويل هذه المدارس شرح الكاتب مصادر التّمويل والأوضاع الصّعبة الّتي عانت منها بعض المدارس في حقبات مختلفة استطاع علماؤها تأمين مصادر خارجيّة لضمان استمرارها.


نظام التّعليم في المدارس البحرانيّة
يؤكّد الكاتب أنّ النظام الأساسي في المدرسة العلمية البحرانيّة ومناهج التّدريس فيها تتماهى وتلك الموجودة في النّجف والقاهرة، بحيث أنّها جميعًا تسعى إلى تخريج فقهاء قادرين على استنباط الأحكام الشّرعيّة. وقد نجد في بعض الأحيان أساتذة المدارس وشيوخها يضعون كتبًا ومقدّمات من تصنيفهم تركّز على علم أصول الدّين والتّفسير، وعلم الفقه وأصوله.
وبالنّسبة للحديث وعلومه تطرّق الكاتب إلى المراحل الّتي مرّت بها المدرسة البحرانيّة، إذ لم يكن علم الحديث رائجًا في المرحلة الأولى، فلا يكاد الباحث يعثر على انشغال به في هذه المدرسة قبل رجوع الشّيخ علي بن سليمان القدمي البحراني، الّذي (انتهت إليه رئاسة الإماميّة في البحرين وما ولّاها)، وهو الّذي تبتدأ المرحلة الثّانية به في تدريس الحديث وعلومه، فكان هو من نشر علوم الحديث في هذه الدّيار حيث اجتمع علماء البحرين لاستماع الحديث منه.


إسهامات علماء البحرين في العلوم الشّرعية واللغويّة
وضمن هذا الإطار لفت الكاتب إلى أن هذه الحركة العلمية أثريت بظهور المئات من علماء البحرين لا في البحرين وحسب بل في الحواضر العلميّة المعروفة يومذاك، كمدرسة الحلّة، وشيراز، وغيرهما. وقد حقّقت المدرسة البحرانيّة سبقًا علميًّا ومنهجيًّا حين ابتكر أعلامها طرائق في التّأليف والتصنيف لم يسبقهم إليها سابق.


أوّلًا: الفقه وعلومه
وقد تطرّق إلى مسألة ازدهار الدرس الفقهي في البحرين في هذه المدارس الّتي خرّجت فقهاء قادرين على استنباط الأحكام الشّرعيّة. كما وأشار إلى تجارب أبرز فقهاء تلك المدارس، ولعلّ إصرار الّذين ترجموا لعلماء البحرين بمنحهم لقب "الفقيه" دليل على ذلك، كما فعل الميرزا النّوري في ترجمة الشّيخ محمد بن محمد البحراني إذ وصفه بالفقيه.


ثانيًا: القرآن وعلومه
انشغل الدّارسون في هذه المدارس بالقرآن وعلومه، وقد أوضح الكاتب أنّه لم يصل إلينا شيء منها إلّا في عصور متأخّرة، ذلك بأنّ كتب التّراجم لم تنص على دراسات قرآنيّة قبل دراسات الشّيخ أحمد بن عبد اللّه المتوّج البحراني. وضمن هذا الباب كان هناك تفصيل  لمراحل التفسير القرآنيّ الثلاث، ورسالة "النّاسخ والمنسوخ".


ثالثًا: الحديث وعلومه
وبوصفه ثاني مصادر الاستنباط لدى الفقيه اهتم علماء البحرين بعلم الحديث وبذلوا جهدًا في جمعه وتنقيحه. وأشار الكاتب إلى فورة الاهتمام بعلم الحديث في القرن الحادي عشر وبعده وجال بدراسة لأبرز رجالات الحديث، ومنهم أعلام تخصّصوا في هذا العلم كان لهم دور في تأسيس بعض الحواضر العلميّة الأخرى، كما هو المعروف من سيرة السّيد ماجد بن السّيد هاشم الصادقي الجدحفصي فهو أوّل من نشر علم الحديث في دار العلم شيراز.


رابعًا: علم الكلام
وقد أتى البحث على أقدم ما اشتهرت به المدارس البحرانيّة من علوم "علم الكلام والفلسفة"، وقد عرف بعضهم بتضلّعهم في هذين العلمين كالشّيخ أحمد بن سعادة السّتراوي. وقد عرض الكاتب أبرز الإنجازات في هذا الحقل لبعض العلماء وشرح بعضًا من تجاربهم في شرح ونقد بعض المناهج المتّبعة في هذا الإطار.


خامسًا: الحركة اللّغويّة في المدرسة البحرانيّة
كما وأشار إلى الأولويّة المعطاة للّغة نحوًا، وصرفًا وبلاغة، وقد انعكس هذا الاهتمام على إنتاج المدرسة البحرانيّة فألّفوا الكتب والأراجيز اللّغويّة، ووضعو الشّروح والحواشي على أمّهات الكتب النّحويّة المعروفة. وكان الشّيخ الفقيه العالم المتكلّم ناصر الدّين راشد بن اسحاق من الأعلام الّذين أثروا النّتاج الّغوي البحراني.
وفي الختام أشار الكاتب إلى أنّ تقادم الزّمان، وتتابع الحوادث على البحرين وأهلها، ضيّع تراث بعض العلماء. فقد قال الشّيخ  علي البلادي في هذا الإطار: "وكم وكم من علماء فضلاء أتقياء نبلاء في بلادنا البحرين، لم تذكر أسماؤهم في البين لاندراس الآثار، وتشتّت أهلها في الأمصار بما أصابها من الأغيار".

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد