قراءة في كتاب

الظهور وما خفي عنا


ربى حسين ..

فلنتفكّر! ماذا تنكر هذه الأمّة أن يستر اللّه جلّ جلاله حجّته في وقت من الأوقات؟ وماذا تنكر أن يفعل اللّه بحجته كما فعل بيوسف (ع). وإذا كان اللَه لم يترك جوارح الإنسان حتّى أقام لها القلب إمامًا لتردّ عليه ما شكّت فيه، فكيف يترك الخلق في حيرتهم وشكّهم لا يقيم لهم إمامًا يردّون إليه شكّهم وحيرتهم؟
يحمل كتاب "حكايات الشّيخ بهجت" للكاتب السّيد مهدي شمس الدّين بين صفحاته مسائل الظّهور ودولة الإمام المهدي (عج) ضمن ستّ حكايات تفضل بالحديث عنها. كما توسّع سماحته ضمن فصل كامل حول هديّ اللّه لبني البشر: الصّلاة وكافّة جوانبها المعنويّة ومردودها الدّنيوي والأخروي.

الغيبة ومصاعب الطريق
استهلّت السلسلة بحديث سماحته عن الظّهور كربيع منتظر بعد شتاء عصيب على المنتظرين، الّذين هم بعين اللّه النّاظرة "صاحب الزّمان (عج)" حيث قال فيهم: فإنّا نحيط علمًا بأنبائكم ولا يعزب عنا شيء من أخباركم. تطرّق سماحته ضمن هذه الحكاية إلى مواضيع إثبات غيبة الإمام، وصبره على صعوبة طريقه، إضافة إلى ظهور السّفياني ذاك الّذي سيقتل كلّ من كان اسمه (محمد وعلي وحسن وحسين وحتّى زينب).
كما عرض سماحته لفتنة آخر الزّمان الّتي تشبه قطع اللّيل المظلم، إضافة إلى عرض أوضاع عصر الغيبة وامتحانه.
وعن العرفان في الغيبة قال "قيل أنّ العبادة في الغيبة أفضل منها في الحضور، فهي مفتوحة على مقامات أرفع وأكمل فربّما لو كنّا على عهد الرّسول (ص) ورأينا حوله أمثال سلمان الفارسي (رض) الّذين نالوا تلك المقامات لكنّا أقل اندفاعًا ممّا نحن عليه الآن. "

زاد ودواء المنتظرين
كان من وصايا الأئمّة لأشياعهم العمل باليقين والابتعاد عن سوء الظّن والتّوقّف عند الشّبهات وترك ما يدعو إلى الشّك والرّيبة. وضمن الحكاية الثانية والثّالثة كان لسماحته حديث عن الاستعداد للظهور، الاعتقاد الكامل بولايته وبحضوره الدّائم. كما وحثّ على أهمّية دعاء تعجيل الفرج الّذي هو دواء كلّ داء. جاء في الرّواية الّتي أشارت إلى آخر الزّمان: الكل هلكى" إلّا من دعا بالفرج".
وضمن هذاه الحكاية أكّد سماحته على اليقين بأنّه علاجنا الدّائم لاستقامة أفعالنا وسلوكنا وإصلاح أنفسنا. وعليه لا ينبغي التسويف والغفلة عن هذه النّفس الّتي تعد قنطرة للاتصال بالملكوت الأعلى. وما لم يترسّخ ارتباطنا بولي الأمر (ع) لن يستقيم عملنا، فرسوخ ارتباطنا بالإمام (ع) يتوقّف على إصلاح النّفس بشكل كبير.

شيعتنا أصبر منّا
الحكايه الرّابعة خصّصت للحديث عن ألطاف الإمام الإمام الخاصّة بالشّيعة، فالإمام مع من كان معه ويفكّر في من يفكّر فيه. أما قرب الظّهور وزمانه فقد انفردت فيه الحكاية الخامسة، وقد ذكر سماحته أنّ إحدى علامات ظهور الإمام المهدي كما أشارت الرّواية "عند قسوة القلوب"، وهذا سيكون سببًا لملء الأرض ظلمًا وجورًا وبالتّالي التّمهيد لظهوره (عج) الموعود.
قال الإمام الصّادق شيعتنا أصبر منّا... لأنّنا نصبر على ما نعلم، وشيعتنا ييصبرون على ما لا يعلمون. وهنا يدحض سماحته مقولة أنّ الإمام لا يعلم بوقت ظهوره. وإن حسبت بحساب "الزّبر والبيّنات" يتّضح أنّ حدود الظّهور هي (ه1460-ه1470).

 والإمام سيأتي لزيارتنا
قال الإمام المهدي "ولو أن أشياعنا وفقهم الله لطاعته على اجتماع من‏ القلوب في الوفاء بالعهد لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حق المعرفة وصدقها منهم بنا". والحكاية الأخيرة من هذا الفصل كانت عن مسألة لقاء الإمام (عج). الكثير من النّاس اليوم يدعون ويتوسّلون إلى الإمام ويطلبونه، وآخرين يلجؤون إليه في ساعات بلائهم وحوائجهم من اللّه. وإمام الزّمان "عين اللّه النّاظرة" هو يأتي لزيارة من كان حقًّا وصدقًا يرغب إليه.
ولمن أراد السّمو لفت سماحته على أنّ صلاة ركعتين بعد الاستغاثة بالأئمّة (ع) أفضل من ذلك اللّقاء. أمّا عن طريق الوصول الى الإمام فنصح سماحته بالإكثار من الصّلوات وإهدائها إلى الإمام (عج)، إضافة إلى المواظبة على زيارته والدّعاء له بتعجيل فرجه.

كلّه تبع لصلاتك
الصّلاة عامود خيمة الإسلام فالإمام الحسين عليه السّلام استشهد من أجل الحفاظ عليها. والشّيخ والعارف العابد الشّيخ بهجت ضمّن في كتابه هذا فصلًا كاملًا للحديث عن أهميّة الصّلاة، مفصّلًا العديد من جوانبها لأنّها ما إن قبلت قبل ما سواها.
روي عن الرّسول الأكرم (ص): "حبّب إليّ من دنياكم ثلاث: الطّيب والنّساء وجعل قرّة عيني في الصّلاة". وعلى الرّغم من اللّذائذ الدنيويّة الجامعة للمخلوقات، كانت الصّلاة اللّذة الرّوحيّة وطريقًا لسمو الإنسان إلى مراتب الكمال. وقد لفت سماحته إلى نقطة مفصليّة في علاقة الإنسان بربّه "نعبدك حبًا لا خوفًا"، فهذا البعد عن الفلسفة الكامنة وراء هذه العبارة تؤكّد على أنّ العبادة نعمة ومن أكبرها دنيا وآخرة، على خلاف ما يتعامل معها البعض على أنّها سوط مسلّط على رقابنا. فهذه الصّلاة أعظم ميقات للّقاء والاستحضار الّذي يؤثّر في مراتب الصّعود النّزول، هذه الصّلاة الّتي شرعت من أجل الخشوع  والخضوع.....

بين التكبير للصلاة والسّلام مع الخروج منها
وقد كان لسماحته وقفة عرفانيّة مع غذائه الرّوحي اليومي ضمن الأبواب الّتي تطرّقت إلى مسألة الصّلاة. "عند عودة العبد من ساحة القدس الرّبوبي حيث الحوار الرّوحي المفتوح مع ربّه، يأتي بالسّلام منه تعالى.... ويا له من تناسب رائع بين التّكبير والدّخول في الصّلاة والتّسليم والخروج منها". فهذه الصّلاة الّتي تخرق الحجب كما ذكر في المناجاة الشّعبانيّة "إلهي هب لي الإنقطاع إليك...، حتى تخرق أبصار القلوب حجب النّور فتصل إلى معدن العظمة".

عشق العبادة
يعتبر العارفون أنّ صلاة اللّيل هي إحدى مراتب العاشقين، وعليه خصّص سماحته عدّة أبواب للحديث عنها. وقد روي عن أحد تلامذة الميرزا محمد تقي (رحمه الله) قال: نهضت لقيام اللّيل وفتحت باب الغرفة  للوضوء، فرأيت الثلج يتساقط ولا يمكنني الخروج، فعزمت على الانصراف عن نافلة اللّيل، وعدت إلى فراشي فسمعت من يناديني: "إنّ قيام اللّيل يتطلّب مرحلة من العشق، فنهضت ووقفت للصّلاة". هذه الصّلاة الّتي يوقن أحد العلماء أنّها مفتاح سعادة الدّنيا والآخرة، فمن صلّى صلاة اللّيل وقال أنّي جائع فكذّبوه!

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد