مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد مهدي الآصفي
عن الكاتب :
عالم ومفكر اسلامي كبير، واستاذ في الحوزة العلمية، توفي(٤/٦/٢٠١٥)

الانتظار الموجّه (1)

(ولقد كَتَبْنا في الزَّبورِ من بعدِ الذِّكر أَنَّ الأرضَ يرِثُها عبادِىَ الصالحون) (1).

 

للانتظار (انتظار المنقذ والتغيير والفرج) علاقة عضوية وشيجة بالحركة. فإنَّ (الحركة ) من نتائج (الانتظار) و(الانتظار) من عواصم (الحركة) فلابد أن نبحث أولاً عن علاقة (الانتظار) بـ (الحركة) ثم عن علاقة (الحركة) بـ (الانتظار).

 

يتصور بعضهم أنَّ مسألة الانتظار مسألة نفسية نابعة من حرمان الطبقات المستضعفة في المجتمع والتاريخ، والهروب من الواقع المثقل بالمتاعب إلى تخيل مثالي للمستقبل، يتمكن فيه المحرومون من استعادة كل حقوقهم واستلام السيادة والحقوق المغتصبة، وهو نوع من (أحلام اليقظة) أو الهروب من الواقع إلى التخيل.

 

وهذا التفسير لمسألة الانتظار غير علمي بالتأكيد، إذا قدر لنا أن ننظر في تاريخ المسألة والمساحة الواسعة التي احتلتها مسألة الانتظار في العقائد الدينية المعروفة في تاريخ الإنسان.

 

الانتظار في المدارس الفكرية (غير الدينية):

 

تتجاوز مسألة الانتظار الدائرة الدينية، وتعم المذاهب والاتجاهات غير الدينية كالماركسية مثلاً، كما يقول برتراند رسل. يقول رسل: الانتظار لا يخص الأديان، بل المدارس والمذاهب العلمية البحتة أيضاً، فهذه تنتظر ظهور منقذ ينشر العدل ويحقق العدالة.

 

والانتظار ـ كما يقول رسل ـ عند الماركسيين هو الانتظار نفسه الذي عند المسيحيين، والانتظار عند تولستوي هو المعنى نفسه الذي عند المسيحيين، إلا أنَّ تولستوي يختلف عن المسيحيين في الزاوية التي تُطرح هذه المسألة من خلالها.

 

الانتظار في الأديان السابقة على الإسلام

 

نقرأ في العهد القديم من الكتاب المقدس (2): «لا تقلق لوجود الأشرار والظالمين فسوف نقطع سلالة الظالمين. والمنتظرون لعدل الله يرثون الأرض. والذين لُعِنُوا يتفرقون. والصالحون من الناس هم الذين يرثون الأرض ويعيشون فيها إلى نهاية العالم».

 

وهذه الحقيقة يؤكدها القرآن الكريم: (ولقد كَتَبْنا في الزَّبورِ من بعدِ الذِّكر أَنَّ الأرضَ يرِثُها عبادِىَ الصالحون).

 

الانتظار عند المدارس الإسلامية

 

ولا يختص انتظار المنقذ (المهدي «ع») بأتباع أهل البيت، فقد تواترت روايات المهدي (ع) عن طريق المدارس الإسلامية السنية بأسانيد صحيحة ومستفيضة لا يمكن التشكيك فيها، كما وردت عن طرق مدرسة الشيعة الإمامية.

 

يقول عبد الرحمن بن خلدون (من علماء القرن الثامن الهجري): «اعلم أنّ المشهور من العامة من أهل الإسلام على مرِّ الأعصار أنّه لابد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت، يؤيد الدين، ويظهر العدل، ويتبعه المسلمون، ويستولي على الممالك الإسلامية، ويسمى بـ (المهدي)، ويكون خروج الدجال وما بعده من أشراط الساعة الثابتة في الصحيح على أثره، وإنّ عيسى (ع) ينزل من بعده فيقتل الدجال، أو ينزل معه فيساعده على قتله، ويأتم بالمهدي في صلاته» (3).

 

ويقول الشيخ عبد المحسن العبّاد ـ أحد أساتذة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة ـ: «أنّ القول بخروج المهدي آخر الزمان تدل عليه الروايات الصحيحة، وهو ما عليه العلماء من أهل السنّة في القديم والحديث إلاّ ما شذ» (4).

 

ويقول ابن حجر الهيثمي في الصواعق المحرقة: «قال مقاتل ومن تبعه من المفسرين إنّ هذه الآية نزلت في المهدي، وستأتي الأحاديث المصرحة بأنّه من أهل البيت النبوي، وحينئذ ففي الآية دلالة على البركة في نسل فاطمة وعلي رضي الله عنهما، وإنّ الأرض ليخرج منها كثيراً طيباً، وان يجعل نسلهما مفاتح الحكمة ومعادن الرحمة، وسرّ ذلك انّ النبي (ع) أعاذها وذريتها من الشيطان الرجيم. ودعا لعلي (ع) بمثل ذلك» (5).

 

ويقول الشيخ ناصر الدين الألباني ـ وهو من شيوخ الحديث المعاصرين في دمشق ـ في مجلة التمدن الإسلامي: «أمّا مسألة المهدي فليعلم أنّ في خروجه أحاديث كثيرة صحيحة، قسم كبير منها له أسانيد صحيحة» ثم أورد أمثلة منها.

 

الانتظار مفهوم إسلامي وقيمته حضارية

 

الانتظار مفهوم يترتب عليه سلوك حضاري معين. فقد يفهم الناس الانتظار بطريقة سلبية يتحول فيها هذا المفهوم إلى عامل للتخدير والاعاقة عن الحركة. وقد يفهم بطريقة إيجابية تجعل من هذا المفوم عاملاً من عوامل التحريك والبعث والإثارة فى حياة الناس.

 

إذن لابد لنا أن نقدم تصوراً دقيقاً لمفهوم الانتظار، لأنّه يدخل فى تكوين عقلنا وأسلوب تفكيرنا ومنهج حياتنا ورؤيتنا إلى المستقبل، وبشكل فاعل ومؤثر، وله تأثير في رسم الخط السياسي الذي نرسمه لحاضرنا ومستقبلنا.

 

وللانتظار عمق حضارى في حياتنا امتد نحو ألف وتسعين سنة، أي منذ الغيبة الصغرى للإمام المهدي (ع) والتي انتهت سنة 329 هـ وقد مرّ على هذا التاريخ ألف وتسعون سنة تقريباً.

 

وخلال هذا التاريخ دخلت هذه المسألة في صياغة عقلنا السياسي والحركي، وهذا ما تؤكده بعض الأدعية المعروفة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سورة الأنبياء، الآية 105.

(2) التوراة في سفر (مزامير داود) مزمور 37.

(3) ابن خلدون، المقدمة ص 311.

(4) مجلة الجامعة الإسلامية، العدد 45.

(5) ابن حجر، الصواعق المحرقة، ج1 ص 240.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد