أنواع الانتظار
إنّ انتظار الإنقاذ على نحوين:
النحو الأوّل:
وهو الانتظار الذي ليس بوسع الإنسان أن يقدِّمه أو يؤخّره، كانتظار الغريق وصول فريق الإنقاذ المقبل إليه من الساحل. فمن المؤكد أنّه لا يستطيع أن يؤخر وصولهم، كما من المؤكد أيضاً أنّ هذا الانتظار يبعث في نفس الغريق أملاً قوياً في النجاة. ويدخل نور الأمل على ظلمات اليأس التي تحيطه من كل جانب فالأمل يمنح الإنسان (المقاومة) بالضرورة فيواصل مقاومته حتى يصل فريق الإنقاذ إليه.
ولا شك أنّ هذه المقاومة من الله تعالى، وأنّ (الأمل) من أسبابها. فهاتان معادلتان، لا سبيل للتشكيك فيهما:
المعادلة الأولى: إنّ (الانتظار) يبعث على (الأمل) ويخترق ظلمات اليأس التى تكتنف حياة الإنسان.
والمعادلة الثانية: إنّ (الأمل) يمنح الإنسان (المقاومة).
النحو الثاني:
وهذا النحو كالشفاء من المرض، وإنجاز مشروع عمراني أو علمي أو تجاري، والانتصار على العدو والتخلص من الفقر. إنّ كل ذلك من الانتظار، إلاّ أنّ للإنسان مدخلية في تحقيقه، فمن الممكن أن يعجل الإنسان بالشفاء، أو من الممكن أن يؤخره، أو ينفيه ومن الممكن أن يعجل بالمشروع التجاري أو العمراني أو العملي أو يؤخره، أو يلغيه رأساً. ومن الممكن أن يعجل بالنصر والغنى أو يؤخرهما، أو ينفيهما رأساً.
وبهذا التقرير يختلف أمر هذا الانتظار عن النحو الأوّل، ويزيد عليه، أنّ بإمكان الإنسان أن يتدخل في تحقيق ما ينتظره أو الإسراع به أو تأجيله أو إلغائه. ولذلك فإنّ الانتظار من الفرع الأخير يمنح الإنسان، بالإضافة إلى (الأملِ) و (المقاومةِ) … (الحركيةَ). وهذا الأخير أعني (الحركة) يخص هذا النحو من الانتظار.
فالإنسان إذا عرف أنّ نجاته وخلاصه تتوقفان على حركته وعمله وجهده فسوف يبتدئ لخلاصه ونجاته في عمله من الجهد والحركة ما لا قِبَلَ له من قبلُ. ففي النحو الأوّل لم يكن انتظار الإنسان ليقرب النجاة أو يعجل بها، لذلك لم يكن للانتظار في وضع الإنسان من أثر غير (الأمل) و (المقاومة). أمّا الانتظار الأخير فهو يمنح الإنسان، بالإضافة إلى (الأملِ) و(المقاومةِ) (الحركةَ) أيضاً.
1 ـ أملٌ في النفس يمكِّن الإنسان من اختراق الحاضر ورؤية المستقبل، وشتان بين من يرى (الله) و (الكون) و (الإنسان) من خلال معاناة الحاضر فقط وبين من يرى ذلك كله من خلال الماضي والحاضر والمستقبل. ولا شك أنّ هذه الرؤية تختلف عن تلك، ولا شك أنّ العتمة والظلمة والسلبية التي تكتنف الرؤية الأولى تسلم منها الرؤية الثانية.
2 ـ ومقاومةٌ تمكِّن الإنسان من مواصلة الصمود ومقاومة الانهيار والسقوط حتى وصول المدد، وما لم يكن للإنسان أمل في وصول المدد لا يقاوم.
3 ـ وحركةٌ تمكِّن الإنسان من تحقيق الخلاص والنجاة، وتحقيق القوة والغنى والكفاءة. وهذا الانتظار هو (الانتظار الحركي) وهو أفضل أنواع الانتظار.
آلية التغير:
يتوقع الناس من الله سبحانه أن يغير أمورهم من السيِّئ إلى الحَسَنِ، ومن الضعف إلى القوة، ومن الفقر إلى الغنى، ومن العجز إلى القدرة، ومن الهزيمة إلى النصر. ولا شك أنّ هذا توقع صحيح وعقلاني، فالإنسان ركام من الضعف والعجز والفقر والجهل والسوء، والله تعالى هو المؤمل ليغير ذلك كله ويحوله إلى القوة والكفاءة والغنى والعلم والحسن. وليس من بأس على الإنسان وهو على هذا الوضع والانتظار من الله تعالى، ولكن بشرط أن يسلك الإنسان لتحقيق هذا الانتظار الآلية المعقولة التي دعا إليها الله تعالى لهذا التغيير، فإنّ هذا التغيير هو من جانب الله تعالى، لا شك في ذلك، ولكن ضمن آليّة معيّنة، وما لم يستخدم الإنسان هذه الآلية، لا يصح له أن يتوقع أو ينظر هذا التغيير من جانب الله، وهذه الآلية هو أن يبدأ الإنسان بتغيير ما بنفسه حتى يغير الله تعالى ما به.
إنّ ما بنا من التخلف الاقتصادي والهزيمة العسكرية والتخلف العلمي، وسوء الإدارة، ناشئ عما (بأنفسنا) من الإشكالية، والضعف والكسل واليأس، وفقدان الجرأة والشجاعة، والجهل فإذا غيرنا ما (بأنفسنا) غيّر الله تعالى (ما بنا) من دون شك.
وانتظار التغيير من الله تعالى حق، ليس فيه شك، ولكن على أن يقترن هذا الانتظار، بالحركة والعقل من ناحية الإنسان، وهذا هو (الانتظار الحركي) في توضيح ثان.
مفهوم الانتظار بين الحركة والرصد:
من الخطإِ أنْ نفهم الانتظار على أنّه رصد سلبي للأحداث المتوقعة، دون أن يكون لنا دور فيه سلباً أو إيجاباً، كما نرصد أية ظاهرة كونية أُخرى. والتفسير الصحيح للانتظار أنّه (حركة) و (فعل) و (جهد) و (عمل). ولكلا التفسيرين تأثيراته وانعكاساته بالنسبة لظهور الإمام (ع) وانتظاره.
فإذا كان السبب في تأخير الفرج بظهور الإمام المهدي وثورته العالمية الشاملة هو أن تمتلئ الأرض ظلماً وجوراً، فلابد أن يكون الانتظار بمعنى (الرصد) فلا يجوز لنا أن نوسع رقعة الظلم والجور في الأرض، ولا يجوز لنا أن نعمقها في المجتمع، وإنّما نرصد تطوّر الظلم والجور في حياتنا السياسية والاقتصادية والعسكرية والقضائية، حتى إذا امتلأت الأرض ظلماً وجوراً ظهر الإمام (ع) وأعلن الثورة ضد الظالمين وفرج عن المظلومين.
وإذا كان السبب في تأخير الفرج هو عدم وجود الأنصار الذين يعدون المجتمع لظهور الإمام، والذين يوطِّئون الأرض ويمهدون لثورته الشاملة، ويدعمون ويسندون ثورة الإمام … فإنّ الأمر يختلف. ولابد من العمل والإعداد والتوطئة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وإقامة سلطان للحق على وجه الأرض، ليأتي الفرج بظهور الإمام، وبناء عليه لا يكون الانتظار بمعنى (الرصد) بل بمعنى (الحركة) والعمل والجهاد لإقامة سلطان الخير. وبهذا يختلف معنى الانتظار سلباً وإيجاباً عن (الرصد) و (الحركة) بناءً على هذا الفهم.
ولابد من مناقشة هذين الرأيين:
الرأي الأوّل:
يلاحظ على الرأي الأوّل ما يلي:
1 ـ ليس المراد من (ملئت الأرض ظلماً وجوراً) هو أن يجف نبع التوحيد والعدل على وجه الأرض، فلا يبقى شخص على وجه الأرض يذكر الله أنّ هذا أمر مستحيل وعلى خلاف سنن الله تعالى وإنما المقصود بهذه الظلمة طغيان سلطان الباطل على الحق في الصراع القائم بين الحق والباطل دائماً.
2 ـ لا يمكن أن يزيد طغيان سلطان الباطل على الحق أكثر ممّا هو عليه الآن. فقد طغى الظلم على وجه الأرض.....
3 ـ إنّ غيبة الإمام (ع) جاءت بسبب طغيان الشر والفساد والظلم، ولولا ذلك لم يغب الإمام، فكيف يكون طغيان الفساد والظلم سبباً لظهور الإمام (ع) وخروجه؟
4 ـ وبعكس ما يتوقعه بعض الناس يتجه العالم اليوم باتجاه سقوط الكيانات والمؤسسات السياسية والعسكرية والاقتصادية الظالمة، فقد شاهدنا بأعيننا كيف سقط (الاتحاد السوفيتي) خلال بضعة أشهر، وكان مَثَلُهُ مَثَلَ بناء خاو، منخور من الداخل، لم يتمكن أحد من دعمه وإسناده عند سقوطه. ورياح التغيير اليوم تهب على أمريكا وتعرِّض أمريكا لهزات عنيفة وقوية في اقتصادها وأمنها، وأخلاقيتها ومصداقيتها باعتبارها دولة كبرى.
إنّ النظام الجاهلي اليوم آخذ بالعد العكسي، مؤذناً بالسقوط، والانهيار، فكيف نتوقع أن يزداد هذا النظام قوة وشراسة وضراوة، إنّ الظلم الذي يجري في التاريخ يقع ضمن مؤسسات منظمة تنظم الظلم وتستخدم مختلف الإِمكانات المالية والإِدارية والإِعلامية والعسكرية لتنفيذ الظلم، وسيؤول أمر هذه المؤسسات اليوم إلى الضعف، كما آل أمر بعضها إلى السقوط.
5 ـ على أنّ الذي وجد في نصوص الغيبة: (يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً) ليس معناه أنّ الإمام ينتظر أن يطغى الفساد والظلم أكثر مما ظهر اليوم ليظهر، وإنما معنى النص أنّ الإمام (ع) إذا ظهر يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، ويكافح الظلم والفساد في المجتمع حتى يطهِّر المجتمع البشري منه.
روى الأعمش عن ابن وائل أنّ أمير المؤمنين (ع) قال في المهدي: «يخرج على حين غفلة من الناس وإماتة من الحق، وإظهار من الجور، يفرح لخروجه أهل السماء وسكانها، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً». وفي رواية أخرى: «يملأ الأرض عدلاً وقسطاً، كما ملئت جوراً وظلماً» أو «بعدما ملئت ظلماً وجوراً».
فمعنى جملة (ملئت الأرض ظلماً وجوراً) أن يكثر الظلم والجور حتى يضج الناس منه، ويفقد الظلم غطاءه الإعلامي الذي يخرجه للناس إخراجاً حسناً، فيظهر الظلم للناس بصورته الحقيقية البشعة، وتفشل هذه الأنظمة في تحقيق ما تعد الناس به من خير ويبدأ الناس، بعد هذا الإحباط الواسع بالبحث عن النظام الإلهي الذي ينقذهم من هذه الإحباطات، والبحث عن القائد الرباني الذي يأخذ بأيديهم إلى الله تعالى.
الرأي الثاني: الإعداد الكمي والكيفي:
يعتمد هذا الرأي في فهم أسباب تأخير الفرج وتأخير ظهور الإمام إلى الأسباب الموضوعية القريبة التي في مقدمتها عدم وجود العدد الكافي من الأنصار من الناحية الكمية، وعدم وجود الكيفية المطلوبة في أنصار الإمام وأتباعه من الناحية الكيفية.
إنّ الثورة التي يقودها الإمام ثورة كونية شاملة، يتولّى فيها المستضعفون والمحرومون الإمامة والقيمومة على المجتمع البشري (ونُريدُ أن نَمُنَّ على الذين استضعفوا في الأرضِ ونجعلهم أئمة). ويرث المستضعفون المؤمنون في هذه المرحلة ما كان يتداوله الطغاة، فيما بينهم من السلطان والمال (ونجعلهم أئمة) (أنّ الأرض يرثها عبادي الصالحون)، ويتم لهم السلطان على وجه الأرض (ونمكِّن لهم في الأرض) ويطهِّر الإمام، في هذه المرحلة الأرض كلَّها من لوثة الشرك والظلم «يملأ الأرض عدلاً وقسطاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً»، ولا تبقى ـ كما فى طائفة من الروايات ـ في المشارق والمغارب أرض لا يُسمع فيها لا إله إلا الله. ومحور هذه الثورة الشاملة (التوحيد) و (العدل)، ومثل هذه الثورة لابد لها من إعداد واسع وتوطئة على مستوىً عال، من الناحية الكمية والكيفية، ومن دون هذا الإعداد وهذه التوطئة، لا يمكن أن تتم هذه الثورة الشاملة، في سنن الله تعالى في التاريخ.
الشيخ مرتضى الباشا
الشيخ محمد مهدي الآصفي
عدنان الحاجي
السيد عباس نور الدين
محمود حيدر
الفيض الكاشاني
السيد عادل العلوي
الشيخ محمد علي التسخيري
حيدر حب الله
الشيخ محمد صنقور
عبدالله طاهر المعيبد
حبيب المعاتيق
حسين حسن آل جامع
شفيق معتوق العبادي
جاسم بن محمد بن عساكر
رائد أنيس الجشي
ناجي حرابة
الشيخ علي الجشي
السيد رضا الهندي
عبد الوهّاب أبو زيد