مقالات

التوهّم الباطل بالانتصار وسحق الدّين بقتل أهله

الإمام الخامنئي "دام ظلّه"

 

بعد أن حدثت واقعة عاشوراء كانت السلطة الأمويّة في البداية ثملة مغتبطة جداً لأنّها استأصلت شأفة هؤلاء، وقد أشاعوا وقالوا في كلّ مكان إنّ أعداء الحكم وأعداء سلطة يزيد قد كُبتوا وقُمعوا وقُضي عليهم، وقد كان هذا هو تصوّرهم.

 

لقد كان واضحاً جدّاً، فخلاصة وعصارة قرّاء القرآن في الحجاز والعراق وفارس واليمن والشام وباقي الأقاليم الإسلامية كانوا قد اجتمعوا في ال 72 شخصاً، وقد قتل هؤلاء... في نصف النهار وتضرّجوا بدمائهم والتراب، وانتهى الأمر وفُضَّ النزاع...

 

لقد كان الخوف من الحسين (ع)، والآن لا يوجد الحسين، ولا يوجد أبو الفضل العبّاس، ولا يوجد باقي رجال بني هاشم، قُتل أولئك الشباب الباسلون الشجعان أصحاب الفهم، أولئك الشباب الأفضل والأشرف والأقرب إلى الله من مئات الشيوخ قتلوا في كربلاء...

 

توهموا (أي آل أمية) أنّ النزاع قد فُضَّ وانتهى وانقضى أمرُ النبوّة والإمامة والتشيّع، ولم يعد أحدٌ أمامهم.

 

وكان أمثال حجر بن عدي قد قتلوا سابقاً وتضرّج الآخرون بدمائهم والصعيد في كربلاء، فلم يبقَ أحد.

 

كان هذا هو التصوّر، ولكن شاهدوا فجأة أنّهم قد أخطأوا، وأنّ الأمر ليس على ما تصوّروا!

 

أوّلاً: كان في ذريّة النبوة شخصيّةٌ مثل زينب (ع) تقلب الكوفة في موقف، والبلاط الفاسد القذر الوحشي ليزيد في موقف آخر.

 

وكان بين بقايا قتلى كربلاء علي بن الحسين (ع) يقف في الشام وفي عاصمة سلطة يزيد وبقرب عرش حكومته، وعلى المنبر نفسه الذي يرتقيه ويدّعي فيه خلافة الرسول ويخدع الناس، وبين أهالي الشام الذي عاشوا 40 سنة تحت نير هذه العائلة ولا يفهمون ولا يعلمون شيئاً عن الإسلام.

 

بين هؤلاء الناس والحشود ووسط السور الفولاذي للجهل الذي أوجده معاوية... وواصله يزيد... وبين السيوف والأسنّة والرماح والخوذ والدروع والقلوب الأقسى من الحجارة!

 

يرتقي الإمام السجّاد - هذا الإنسان الوحيد والشاب المفجوع المنكسر في المعركة حسب الظاهر- يرتقي المنبر ويصدع بالحقائق ويُكرّس أولويته وأحقيّته بهذا المقام، ويُذكّر الناس بالإسلام، ويوقظ الفضائل في أذهان الناس.

 

عندما شاهد يزيد هذا، أدرك أنّه أخطأ وأنّ تيار النبوّة لم ينته، ولا يزال عليٌ مستمراً في العالم، هنا شعر يزيد بهذا وفهمه...

 

ولكن ما عسى يُمكن أن يفعل؟! هل يُمكن إقامة كربلاء أخرى؟! لا، لقد لاحظ أنّ الوقت قد فات حتّى على هذا...

 

سُنّة الله هي غلبة الحقّ وبقاؤه وصموده، وقد قلتُ وأكرّر إنّه كلّما مرّ يومٌ اقترب الحقّ من هدفه خطوة.

 

الجهّال والذين لا يرون إلّا الظاهر، وعديمو الفهم هم الذي يتخيّلون أنّ الحقّ يضعف يوماً بعد يوم، لا، الحقّ يقوى لحظةً بعد لحظة، ويوماً بعد يوم، ويزداد رسوخاً وإشراقاً واتّقاداً ويقترب من هدفه أكثر...

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد