الشيخ محسن قراءتي
وَرَبَّ الْكُرْسِيِّ الرَّفِيعِ:
الكرسيّ كناية عن القدرة، السلطة، التدبير، الهداية والإدارة الكاملة للعالم. وفي اللغة الفارسيّة - أيضاً - "الإجلاس" أو "الجلوس على العرش" كناية عن التسلّط على الأوضاع، والإمساك بالقدرة والحكومة.
نعم، من الممكن - أيضاً - أنّ يكون "العرش" كناية عن عالم ما وراء المادة، و"الكرسيّ" كناية عن العالم المادّيّ، كما نقرأ في آية الكرسيّ: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [البقرة: 255].
يُفسِّر الإمام الصادق (عليه السلام) الكرسيّ بالعلم، فعن حفص بن غياث قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله (عزّ وجلّ): ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ﴾، قال: "علمه" (1).
وفي حديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: "يا أبا ذر، ما السماوات السبع في الكرسيّ إلّا كحلقة ملقاة في أرض فلاة، وفضل العرش على الكرسيّ كفضل الفلاة على تلك الحلقة" (2).
هذا، والروايات الواردة حول الكرسيّ مختلفة، وقد ورد في حديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّ الكرسيّ من العلوم التي لا يعلمها أحد إلّا الله، فعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) - في قول الله (عزّ وجلّ): ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ﴾ - فقال: السماوات والأرض وما بينهما في الكرسيّ، والعرش هو العلم الذي لا يُقدِّر أحد قدره" (3).
وَرَبَّ الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ:
تحدّث القرآن الكريم عن البحر المشتعل الذي له غليان وصوت قويّ في الآية السادسة من سورة التكوير: {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} [التكوير: 6].
والمقصود بهذه البحار، إمّا البحار التي تُسجَّر عند اقتراب يوم القيامة، وإمّا الموادّ المذابة والمنصهرة في قعر الأرض كالبحار من النار، التي تفور أحياناً وتخرج من فوهة البراكين...
وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ:
الكتب السماويّة النازلة من عند الله تعالى إنّما هي لأجل هداية الإنسان. والمراد من الصحف الأولى في سورة طه (الآية 133)، هو التوراة والإنجيل والزبور. والتصديق بكون التوراة والإنجيل كتباً سماويّة ليس معناه إبقاءهما بشكل دائم، بل معناه وحدة أهدافهما وانسجام محتواهما جميعها: {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} [البقرة: 97].
إنّ أصول الأديان واحدة، ولكن شرائعها متعدّدة. والدين والشريعة طريقان للوصول بنا إلى الحياة الواقعيّة والإنسانيّة، ولكن في كلّ زمان لا يُقبل إلّا شريعة واحدة. واليوم، الدين الوحيد الذي يرتضيه الله تعالى هو الإسلام فقط، {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19].
إنّ قوانين الإسلام الإجرائيّة ومنهجه التربويّ - أيضاً - قائمان على أساس العدل. فهو دين العدل والعدالة. ولو ألقينا نظرة على آيات القرآن الكريم، لشاهدنا منهجه العادل في جميع الموضوعات، ولرأينا - بوضوح - الإنصاف والعدالة وعدم الانحياز في برامجه كلّها. فالقرآن مع الامتيازات كلّها التي يختصّ بها، لا يُغفل أمر الكتب السماويّة السابقة، ويؤيّد الكتب غير المحرّفة من التوراة والإنجيل التي تقدّمت عليه، وهذا نموذج من الإنصاف.
جاءت كلمة "الزبور" في اللغة العربيّة بمعنى أيّ نوع من أنواع الخط والكتابة: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ} [القمر: 52]، ولكن بقرينة آية {وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} [النساء: 163] يبدو أنّ المراد من الزبور - وقد نزل بعد التوراة - هو الكتاب الخاصّ بالنبيّ داود (عليه السلام)، الذي يحتوي على مجموعة من مناجاته وأدعيته ومواعظه، وهي مئة وخمسون فصلاً، كلّ فصل منها عبارة عن مزمور.
والمراد بالذكر في (الآية 105) من سورة الأنبياء: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء: 105]، هو التوراة - أيضاً - كما في ورد في (الآية 48) من السورة نفسها التعبير عن التوراة بالذكر: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ} [الأنبياء: 48].
لكن أهمّ الكتب السماويّة هي: توراة اليهود، وإنجيل المسيحيّين، وقرآن المسلمين. وقد وصفها الله تعالى جميعاً بأنّها نور. ففي سورة المائدة (الآية 15)، يصف الله القرآن بكونه نوراً: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ} [المائدة: 15] وفي (الآية 44) من السورة نفسها، يصف التوراة بكونها نوراً: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ} [المائدة: 44] وفي (الآية 46) وُصف الإنجيل بالنور: {وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ} [المائدة: 46].
وتوجد بين القرآن الكريم وهذه الكتب وجوهُ شبهٍ أخرى، وخصوصاً بين القرآن والتوراة. فالإنجيل يعتمد بشكل أساس على المواعظ، والزبور على الدعاء، ولكن من حيث القوانين، فالتوراة يشبه القرآن الكريم أكثر، ولذا وصفت التوراة بأنّها إمام، {وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا} [هود: 17] إلّا أنّه لا بدّ من أن يُعلم أنّ القرآن هو الوارث الكامل والجامع للتوراة والإنجيل والزبور.
فعن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: "أُعطيتُ السور الطوال مكان التوراة، وأعطيت المئين مكان الإنجيل، وأعطيت المثاني مكان الزبور، وفُضِّلت بالمفصَّل ثمان وستون سورة، وهو مهيمن على سائر الكتب، والتوراة لموسى، والإنجيل لعيسى، والزبور لداود" (4).
والإمام المهديّ (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) في هذا الزمان هو وارث جميع الكتب السماويّة؛ لأنّ الإمام في كلّ عصر وزمان هو الوارث لجميع فضائل مَن سبقه. وفي بعض زيارات الإمام الحسين (عليه السلام): "السلام عليك يا وارث التوراة والإنجيل والزبور" (5).
والإمام المهديّ (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) هو وارث جميع الأنبياء والأولياء (عليهم السلام).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) التوحيد، الصدوق، ص327.
(2) الخصال، الصدوق، ص523.
(3) التوحيد، الصدوق، ص327.
(4) الكافي، الكلينيّ، ج 2، ص601.
(5) إقبال الأعمال، ابن طاووس، ج 2، ص712.
السيد محمد حسين الطهراني
محمود حيدر
عدنان الحاجي
الدكتور محمد حسين علي الصغير
الشيخ علي رضا بناهيان
السيد عبد الحسين دستغيب
الشيخ محمد مهدي النراقي
الشيخ محمد صنقور
السيد جعفر مرتضى
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
حسين حسن آل جامع
حبيب المعاتيق
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ناجي حرابة
أحمد الرويعي
حسين آل سهوان
أسمهان آل تراب
أحمد الماجد
علي النمر
مَن أحبّ شيئًا لهج بذكره
(المهدوية، جدليّة الإيمان والمواجهة في الفكر العالميّ والضّمير الإنسانيّ) جديد الكاتب مجتبى السادة
وحيانيّة الفلسفة في الحكمة المتعالية (2)
الأطفال يبدأون التفكير منطقيًّا أبكر مما كان يعتقد
وقوع المجاز في القرآن (2)
سيكولوجية الكفر
المسلّمي يدشّن كتابه الجديد: (آداب المجالس الحسينيّة)
زكي السالم: (معارض الكتاب بين فشخرة الزّائرين ونفخرة المؤلّفين)
لا تجعل في قلبك غلّاً
قانون معرفة الفضائل الكلي