مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد مهدي الآصفي
عن الكاتب :
عالم ومفكر اسلامي كبير، واستاذ في الحوزة العلمية، توفي(٤/٦/٢٠١٥)

ما لا ينبغي من الدعاء (2)

4 ـ الدعاء بخلاف صلاح الإنسان:

 

ومما لا ينبغي للإنسان أن يدعو له هو الدعاء بخلاف مصلحته. ولما كان الإنسان يجهل ما ينفعه وما يضره، والله تعالى يعلم ذلك، فقد يبدّل الله استجابة الدعاء بنعمة أخرى أو بدفع بلاء، أو يؤخر الله الاستجابة إلى حين تنفعه الاستجابة. وقد ورد في دعاء الافتتاح «أسألك مستأنساً لا خائفاً ولا وجلاً مدلّاً عليك فيما قصدت فيه إليك، فإن أبطأ عني عتبت بجهلي عليك، ولعل الذي أبطأ عني هو خير لي، لعملك بعاقبة الأمور. فلم أر مولى كريماً أصبر على عبد لئيم منك عليّ يا رب».

 

وعلى الإنسان في مثل هذه الأحوال في الدعاء أن يدعو الله تعالى ويوكل الأمر إليه، وينيطه بما يراه من المصلحة، وإذا أبطأ عليه تعالى في الإجابة أو لم يستجب له لا يعتب على الله تعالى. ولكن الإنسان لجهله قد يطلب من الله ما يضره، وقد يطلب الشر، كما لو كان يطلب الخير، ويستعجل ما يضره الاستعجال فيه.

 

يقول الله تعالى: (وَيَدْعُ الْإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا) [1]. وكان من خطاب صالح (عليه ‌السلام) لثمود: (قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ) [2].

 

5 ـ الاستعاذة من الفتنة:

 

ولا يصح الاستعاذة من الفتنة، فإن زوج الإنسان وأولاده وماله من الفتنة. ولا يصح أن يعوذ الإنسان بالله من أهله وماله، ولكن يصح أن يعوذ بالله من مضلات الفتن. عن أمير المؤمنين: «لا يقولن أحدكم: اللّهم إنّي أعوذ بك من الفتنة؛ لأنه ليس من أحد إلّا وهو مشتمل على فتنة، ولكن من استعاذ فليستعذ من مضلات الفتن؛ فإن الله يقول: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ) [3].

 

وعن أبي الحسن الثالث (عليه ‌السلام): عن آبائه (عليهم ‌السلام) قال: «سمع أمير المؤمنين رجلاً يقول: اللّهم إنّي أعوذ بك من الفتنة. قال (عليه ‌السلام): أراك تتعوذ من مالك وولدك، يقول الله تعالى: (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ) ولكن قل: اللّهم إنّي أعوذ بك من مضلات الفتن» [4].

 

6 ـ ومما لا ينبغي من الدعاء، الدعاء على المؤمنين:

 

إن من مهام الدعاء وغاياته تحكيم العلاقة داخل الأسرة المسلمة، وإزالة ما في النفوس من التراكمات التي تحدث عادة في زحمة الحياة الدنيا. والدعاء بظهر الغيب من عوامل تلطيف هذه العلاقة التي قد تتعكر في ساحة الحياة؛ وأمّا الحالات العكسيّة التي تثبّت الحالة السلبيّة في العلاقات فما لا يحب الله فيه الدعاء.

 

فالله تعالى يحب دعاء المؤمنين بعضهم لبعض بظهر الغيب، وفي حضورهم، وإيثار الآخرين بالدعاء، وتقديم حاجاتهم وأسمائهم علی حاجة الداعي نفسه. ولا يحب في الدعاء أن يتمنى الإنسان زوال النعمة من أخيه كما وجدنا قبل قليل. ولا يحب في الدعاء أن يدعو الإنسان على أخيه المؤمن، وإن كان قد مسّه منه أذیً أو ظلم (إذا كان أخوه في الأيمان، ولم يخرج بالظلم عن دائرة الأخوة الإيمانية)، ولا يحب الله تعالى لعباده أن يذكر بعضهم بعضاً بسوء بين يديه.

 

في دعوات الراوندي في التوراة يقول الله عزّ وجلّ للعبد: «إنك متى ظُلمت تدعوني على عبد من عبيدي من أجل أنه ظلمك. فلك من عبيدي من يدعو عليك من أجل أنك ظلمته. فإن شئت أجبتك وأجبته منك، وإن شئت أخرتكما إلى يوم القيامة» [5].

 

عن الصادق جعفر بن محمّد (عليه ‌السلام): قال: «إذا ظلم الرجل فظلّ يدعو على صاحبه، قال الله عزّ وجلّ: إن ها هنا آخر يدعو عليك يزعم أنك ظلمته، فإن شئت أجبتك وأجبت عليك، وإن شئت أخرتكما، فيوسعكما عفوي» [6].

 

عن هشام بن سالم، قال: «سمعت أبا عبدالله (عليه ‌السلام) يقول: إن العبد ليكون مظلوماً فلا يزال يدعو حتى يكون ظالماً» [7].

 

وعن علي بن الحسين (عليهما ‌السلام) في حديث: «إن الملائكة إذا سمعوا المؤمن يذكر أخاه بسوء ويدعو عليه قالوا له: بئس الأخ أنت لأخيك. كفّ أيها المستّر على ذنوبه وعورته، وأربع على نفسك، واحمد الله الّذي ستر عليك، واعلم أن الله عزّ وجلّ أعلم بعبده منك» [8].

 

إن الله تعالى هو السلام، وإليه يعود السلام، ومنه السلام، ومحضره محضر السلام، فإذا وقفنا بين يدي الله تعالى بقلوب عامرة بالسلام، يدعو بعضنا لبعض، ويسأل الله تعالى بعضنا الرّحمة للبعض، ويؤثر بعضنا بعضاً برحمة الله تعالى... استنزلنا رحمة الله، وشملتنا جميعاً، فإن رحمة الله تنزل على مواضع الحب والسلام، وعلى القلوب المتحابّة والمتسالمة من المؤمنين، وصعدت أعمالنا وصلاتنا ودعاؤنا وقلوبنا إلى الله تعالى، فإن الكلم الطيب والقلوب العامرة بالكلم الطيب تصعد إلى الله (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ).

 

وإذا وقفنا بين يدي الله بقلوب متخالفة، فيها الضغينة والحقد، وليس فيها الحب والسلام، وأخذنا إلى الله خلافاتنا ومشاكلنا وشكاوانا (نحن المؤمنين بعضنا على بعض)، واستعدى الله تعالى بعضنا على بعض... انقطعت عنا جميعاً رحمة الله، ولم تنزل علينا هذه الرحمة التي وسعت كل شيء في الكون، ولم تصعد إلى الله تعالى أعمالنا وصلاتنا ودعاؤنا وقلوبنا.

 

فإن القلوب المتحابّة والعامرة بالحب تستنزل رحمة الله تعالى وتدفع البلاء والعقوبة عن المؤمنين، وبالعكس، القلوب المتخالفة والمتعادية (من المؤمنين) تحجب رحمة الله عنهم، وتجلب البلاء والعقوبة لهم.

 

عن الصادق (عليه ‌السلام) عن آبائه عن رسول الله (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله ‌وسلم): أن الله تبارك وتعالى إذا رأى أهل قرية قد أسرفوا في المعاصي وفيهم ثلاثة نفر من المؤمنين، ناداهم جلّ جلاله: يا أهل معصيتي، لولا فيكم من المؤمنين المتحابين بجلالي العامرين بصلاتهم أرضي ومساجدي المستغفرين بالأسحار خوفاً مني لأنزلت بكم العذاب [9].

 

وعن جميل بن دراج عن الصادق (عليه ‌السلام) قال: «من فضل الرجل عند الله محبته لإخوانه، ومن عرّفه الله محبة إخوانه أحبّه الله ومن احبه الله أوفاه أجره يوم القيامة» [10].

 

عن رسول الله (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله ‌وسلم): «لا تزال أمتي بخير ما تحابوا، وأدوا الأمانة، وآتو الزكاة، وسيأتي على أمتي زمان تخبث فيه سرائرهم، وتحسن فيه علانيتهم أن يعمهم الله ببلاء فيدعونه دعاء الغريق فلا يستجاب لهم» [11].

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] الاسراء : 11.

[2] النمل : 46.

[3] نهج البلاغة ، القسم الثاني : 162.

[4] أمالي الطوسي 2 : 193 ، بحار الأنوار 93 : 325.

[5] بحار الأنوار 93 : 326.

[6] وسائل الشيعة 4 : 1177 ، ح 8972 ، امالي الصدوق : 191.

[7] أصول الكافي : 438 ، عقاب الأعمال : 41 ، وسائل الشيعة 4 : 1164 ، ح 8926.

[8] أصول الكافي : 535 ، وسائل الشيعة 4 : 1164 ، ح 8927.

[9] بحار الأنوار 74 : 390

[10] ثواب الأعمال : 48 ، بحار الأنوار 74 : 397.

[11] عدة الداعي : 135 ، بحار الأنوار 74 : 400.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد