مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد محمد باقر الحكيم
عن الكاتب :
عالم فقيه، وأستاذ في الحوزة العلمية .. مؤسس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق ، استشهد سنة٢٠٠٣

الزهراء (ع) ودور المرأة في المجتمع الصالح (3)

الدور الثالث ـ الدور السیاسی للمرأة

 

الدور السیاسي الخاص الذي یمکن أن تقوم به المرأة في المجتمع الإسلامي، فلقد أُرید من المرأة أن تدخل العمل السیاسي، وتمارس هذا الدور المهم في الأعمال السیاسیة وفي المجتمعات الإنسانیة. المرأة في هذا المجال کالرجل، تتحمل المسؤولیات الخاصة في خدمة المجتمع والتضحیة من أجله، والجهاد في سبیل الله تعالى وفي البذل والعطاء إلى حد الاستشهاد في سبیل الله تعالى، فلا بد للمرأة أن تقوم بهذا الدور أداءً للواجب والتکلیف، حسب القانون الإلهي والأحکام الشرعیة التي وضعها الشارع المقدس لها، وهو من الأدوار التي فُتحت أمام المرأة في حرکتها.

 

إن تضحیة الزهراء (ع) کانت من أجل نصرة إمامة الإمام علي (ع)، وترسیخ مبدأ الولایة، والدفاع عن هذا الحق الذی أرید له أن یثبت في التاریخ ویستمر، وإن لم یحصل (ع) علی موقعه المطلوب منذ الیوم الأول، فنجد الزهراء (ع) تبادر إلى هذا الدور، وتنهض به بأفضل ما یمکن أن یؤدیه الإنسان، في ظرف حساس یمکن لنا أن نقول إنه لم یکن من الممکن لغیر الزهراء (ع) أن یقوم فیه.

 

ومع وقفة عند هذه النصوص الواردة عن النبی (ص) في الزهراء، مثل قوله: «إن الله یغضب لغضب فاطمة»، یتبین لنا أن الله سبحانه وتعالى قدّر في قضائه وقدره، أن فاطمة الزهراء (ع) سوف تمر بأوضاع سیاسیة واجتماعیة تثأر فیها الزهراء، وتغضب لله تعالى لا لنفسها، ولذلك یغضب الله تعالى لغضبها ویرضی سبحانه وتعالى لرضاها (ع).

 

وعلی خطی الزهراء (ع) کان دور المرأة في الثورة الحسینیة، باعتبار أن الثورة الحسینیة -کما هو معروف- مثلت القمة فی التضحیة والفداء والبذل والعطاء في حرکة الإنسان السیاسیة والاجتماعیة. وقد شارکت المرأة الرجل مشارکة فعالة في کل الأدوار التي قام بها في الثورة الحسینیة، وکان لهذا الدور خمسة أبعاد هي: البعد القتالي، والبعد السیاسي، والبعد الإعلامي، والبعد الإنساني، والبعد الأخلاقي والمعنوي العام، وهي أبعاد رئیسیة ومهمة نهضت بها المرأة في هذه الثورة الخالدة.

 

إذن المرأة یمکنها في تفاصیل حیاتنا الفعلیة الحاضرة أن تقوم بالکثیر من الأدوار الهامة، في هذه المعرکة الجهادیة وفي صراعنا الذي نخوضه کمسلمین ضد الطغیان والکفر العالمي، وضد الاستکبار والاستبداد.

 

فیمکن للمرأة أن تساهم مساهمة فعالة وحقیقیة في الفعالیات الجهادیة طبقًا للأحکام الشرعیة، وضمن المواصفات الشرعیة التي حددتها الشریعة الإسلامیة المقدسة، مع ملاحظة أن قسمًا من هذه الأعمال یتحملها الرجل وحده، في حین أن هناك اعمالاً تتحملها المرأة وحدها، وأعمالًا أخری یتحملها الاثنان.

 

الدور الرابع ـ دور المرأة في الأسرة

 

إن النظریة الإسلامیة في فهمها للمجتمع الإنساني ورؤیتها لترکیبته العامة، تری أنّ اللبنة الأساسیة في هذا البناء الاجتماعي، والتي تشکل الوحدة المرکزیة فیه هي الأسرة.

 

النظریة الإسلامیة تری أن الأسرة تمثل وحدة رئیسیة ومرکزیة في بناء المجتمع، ولا یمکن أن یُبنی المجتمع الصالح ویتکامل دون وجود الأسرة الصالحة، ومن هنا نجد أن الإسلام لطالما أکد علی أهمیة دور الأسرة في المجتمع، علی خلاف رؤیة المجتمعات والحضارة الغربیة، التي لا تری للأسرة مثل هذا الدور المهم في بناء المجتمع وقوته وتکامله.

 

فالإسلام یری أن قوة الأسرة وصلاح الأسرة وتماسکها وتکاملها واتصافها بالمواصفات المطلوبة، هي التي تمکنها من أن تحوّل المجتمع إلى مجتمع صالح متکامل. ولا شك أن الزوجة الأم تمثل الرکن الرئیس في الأسرة وبنائها، إن لم نقل الرکن الأهم في هذا البناء من الناحیة الداخلیة والذاتیة. ولعل هذا هو السر في الترکیز الخاص علی شخصیة الزهراء (ع) في تفاصیل دورها في الأسرة.

 

وفي هذا المجال أود أن أنبّه لنقطة مهمة جدًّا في شخصیة الزهراء (ع)، لم توجد في غیرها من النساء الصالحات اللاتي تحدث عنهن القرآن الکریم، وتحدث عنهن الرسول الأکرم (ص)، من قبیل آسیة ومریم بنت عمران (ع) التي لم تحصل لها ظروف أسرة کاملة، کما لم تحصل لآسیا زوجة فرعون ظروف أسرة کاملة وصالحة في حرکتها، حیث کانت زوجة لکن لم یکن لها أولاد، وکانت زوجة لکنها زوجة لطاغیة، ولم تکن قادرة علی أن تعبر عن تلك العلاقة القویة في إحکام الأسرة وعلاقات الأسرة وبنائها.

 

شخصية الزهراء (ع) وتكامل الأدوار

 

وأما خدیجة (ع) فقد کان لها دور الأسرة، فهي زوجة لرسول الله (ص) وأم لذریته؛ لأنها أم الزهراء (ع) فهي تشبهها من هذه الناحیة، ولکن الزهراء (ع) امتازت علی أمها خدیجة بالأدوار الأخری التی مارستها في حیاتها، والتي استطاعت أن تحفظ في شخصیتها قضیة الموازنة بین هذه الأدوار، والموازنة غایة في الأهمیة بالنسبة لحرکة المرأة.

 

فبعض النسوة قد یُوفّقن لأن ینهضن بدور مهم في الجانب الأول، أو في الجانب الثاني في العبادة وفي جهاد النفس والقیام بالأعمال الصالحة، ثم الوصول إلی الکمالات العالیة، وقد یکون لهن دور مهم في الجانب الثالث، في الرعایة المنزلیة وفي ترتیب وضع الأسرة وجعلها أسرة قویة صالحة، والبعض منهن یکون دورهن الکبیر في موضوع التضحیة والفداء، لکن الجمع بین کل هذه الأدوار، وإیجاد حالة الموازنة بین هذه الأعمال وهذه الأدوار هي قضیة هامة جدًّا، لکامل للمرأة أنه کلما تمکنت المرأة من أن تقترب في صورتها النموذجیة، التي تکون الزهراء (ع) فیها قدوتها وأسوة لها في هذه الحرکة التکاملیة، تمکنت من أن تقترب من حالة المحافظة علی هذه الموازنة، بمعنی أن تکون لها مساهمة فعالة في کل هذه الأدوار، وتکون المرأة في صورتها أقرب إلی الکمال نحو الزهراء (ع)، وکلما ابتعدت عن هذه الموازنة کانت بعیدة عن حالة الکمال.

 

أقول ربما لا تتهیأ للمرأة فرص أن تمارس الدور الرابع (دور الأسرة)، لأن هذا الدور من الأمور التي لا تکون دائمًا في اختیار المرأة، فربما لا تتزوج المرأة، أو تتزوج ولا یکون لها أولاد، وربما لسبب ما لا یکون الزواج ناجحًا، وغیر ذلك مما یمکن ألاّ یکون في اختیار المرأة وقدرتها، ولذلك فأنا أشیر إلى الحالة الغالبة، وهي أن المرأة عندما تکون في دور الأسرة، یکون أمامها فرص أخری مهیأة، کما کان الأمر بالنسبة للزهراء (ع)، فهي ربة بیت تطحن الحنطة في بیتها وتنظف البیت، وهي في نفس الوقت المرأة العالمة الفاضلة التي تواصل تعليم الناس، فلم تطلب مثلاً جاریة لتدبیر أمور المنزل، لتقول مثلاً أرید أن أتفرغ للعلم والتعلیم، وإنما عبرت عن هذا الجانب في کمالها في حفظ الموازنة بین إدارة البیت والعلم، وکما عبرت عن ذلك في عبادتها وزهدها وتواضعها، وفي مساهماتها في العمل الاجتماعی والسیاسي العام.

 

ربما لا تتهیأ فرصة للعمل الاجتماعی لبعض النساء، أو لا تتهیأ لها فرصة للعمل الجهادي، فیکون الاهتمام في الجانب الاجتماعي أو في العمل الثقافی أو العمل العبادي حسب الفرص المتاحة لها. المهم للمرأة أن تسعی لاستثمار الفرصة الحاصلة من خلال الإمکانات الموجودة، وأن تواکب في حرکتها التکاملیة هذه الفرص، وتوازن بین هذه الأدوار الأربعة التي ذکرتها؛ لأجل أن تکون امرأة کاملة في هذه الحرکة.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد