مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد جعفر مرتضى
عن الكاتب :
عالم ومؤرخ شيعي .. مدير المركز الإسلامي للدراسات

وجه رب الكون

هناك روايات تدل على أن الأئمة «عليهم السلام» هم وجه الله.. وورد في جملة منها ما يدل على مقصودهم «عليهم السلام» من هذه التعابير.. وقد صرح المجلسي: بأنها تعابير مجازية، وبأن «تلك المجازات شائعة في كلام العرب، فيقال: لفلان وجه عند الناس، وفلان يد على فلان، وأمثال ذلك».

 

والوجه يطلق على الجهة، فالأئمة «عليهم السلام» الجهة التي أمر الله بالتوجه إليها، ولا يتوجه إليه تعالى إلا بالتوجه إليهم. وكل شيء هالك باطل ومضمحل إلا دينهم وطريقتهم، وطاعتهم» (1).

 

ونحن نذكر هنا طائفة من النصوص التي فسرت هذا التعبير، وذكرت أن المقصود به هو: أنهم الوجه الذي منه يؤتى، أي أن من يريد أن يطلب حاجته من الله عز وجل، أو يريد أن يتعلم دينه، فعليه أن يرجع إليهم صلوات الله عليهم، ويجعلهم وسيلته، ويطلب منه تعالى عن طريقهم، فهم «عليهم السلام» «طرق إلهية، وأنوار ربوبية» (2).

 

وهذا ما أشير إليه في ما روي عن أبي عبد الله «عليه السلام»: «نحن وجهه الذي يؤتى منه» (3). وعن أبي جعفر «عليه السلام» مثله (4). ومثله عن الإمام السجاد «عليه السلام» (5). وجاء في زيارة أمير المؤمنين «عليه السلام» قوله: «وأنك وجه الله الذي منه يؤتى» (6).

 

وفي رواية أخرى عن الإمام الرضا «عليه السلام»: «يا أبا الصلت، من وصف الله تعالى بوجه كالوجوه فقد كفر، ولكن وجه الله تعالى أنبياؤه، ورسله، وحججه صلوات الله عليهم. هم الذين بهم يتوجه إلى الله عز وجل، وإلى دينه، ومعرفته» (7).

 

وفي نص آخر عن أبي جعفر «عليه السلام» في قوله تعالى: (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ) (8)، قال «عليه السلام» لأبي حمزة: يا فلان، فهلك كل شيء، ويبقى الوجه؟! الله أعظم من أن يوصف!! ولكن معناها: كل شيء هالك إلا دينه. ونحن الوجه الذي يؤتى منه، لم نزل في عباد الله، ما دام لله فيهم روية (9) (أي حاجة).

 

وفي نص آخر: عن الإمام الصادق «عليه السلام» في قوله (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ) قال: دينه. وكان رسول الله «صلى الله عليه وآله» وأمير المؤمنين «عليه السلام» دين الله، ووجهه، وعينه في عباده، ولسانه الذي ينطق به، ويده على خلقه. ونحن وجه الله الذي يؤتى منه، لن نزال في عباده ما دامت لله فيهم روية. قلت: وما الروية؟ قال: الحاجة، فإذا لم يكن لله فيهم حاجة رفعنا إليه، وصنع ما أحب (10).

 

وعن الصادق «عليه السلام»: إن الله خلقنا فأحسن صورنا، وجعلنا عينه في عباده، ولسانه الناطق في خلقه، ويده المبسوطة على عباده، بالرأفة والرحمة، ووجهه الذي يؤتى منه، وبابه الذي يدل عليه، وخزانه في سمائه وأرضه (11).

 

وعن سلام بن المستنير قال: سألت أبا جعفر «عليه السلام» عن قول الله  (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ)، قال «عليه السلام»: نحن - والله - وجهه الذي قال. ولن يهلك يوم القيامة من أتى الله بما أمر به من طاعتنا وموالاتنا، ذاك الوجه الذي قال الله: (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ) ليس منا ميت يموت إلا خلف عقبه منه إلى يوم القيامة (12).

 

وعن صفوان، عن أبي عبد الله «عليه السلام» في قوله عز وجل (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ).. قال: «من أتى الله بما أمر به، من طاعة محمد والأئمة من بعده صلوات الله عليهم، فهو الوجه الذي لا يهلك، ثم قرأ: (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ الله) (13)» (14). وعن الصادق «عليه السلام» قال: كل شيء هالك إلا من أخذ الطريق التي أنتم عليه (15).

 

وخلاصة الأمر: إنه ليس المراد بالوجه: معناه الحقيقي، بل المراد به: الجهة، كما هو في أصل اللغة.. ولذلك جاء التعبير عنه في الروايات: بأنه الدين، حيث يتوسل به إلى الله عز وجل، ويتوجه به إليه، وينال به رضوانه. أو عبر عنه بأنه الأنبياء، والرسل، والأئمة الطاهرون «عليهم السلام»، لأن بهم يتوجه إلى الله عز وجل، وإلى رضوانه، فمن أراد طاعته تعالى، يتوجه إليهم، ويأخذ منهم وعنهم.

 

وقد يراد بوجه الله: العمل الصالح الذي أريد به وجهه تعالى، لكي يقبل عليه سبحانه بألطافه ونعمه، وفيوضاته. وعبر عنه أيضاً: بأنه طريق الحق، الذي كان عليه شيعة أهل البيت «عليهم السلام»..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) البحار ج 24 ص 202.

(2) شرح أصول الكافي للمازندراني ج 4 ص 214.

(3) بصائر الدرجات ص 84 و 19 و 20 وراجع: البحار ج 4 ص 192 و 196 و 200 وج 4 ص 5 وعن مناقب آل أبي طالب ج 3 ص 343 وعن إكمال الدين ص 124.

(4) بصائر الدرجات ص 85.

(5) البحار ج 4 ص 5 عن تفسير القمي.

(6) تهذيب الأحكام ج 6 ص 127.

(7) عيون أخبار الرضا ج 2 ص 106 والبحار ج 24 ص 201 وج 4 ص 3.

(8) الآية 89 من سورة القصص.

(9) بصائر الدرجات ص 85 والبحار ج 24 ص 193 وج 4 ص 5 وعن تفسير القمي ج 2 ص 147 وعن التوحيد للصدوق، ومعاني الأخبار.

(10) البحار ج 24 ص 197 وج 4 ص 7 وعن التوحيد للصدوق ص 140.

(11) البحار ج 24 ص 197 و 200 وعن التوحيد للصدوق ص 140 و 141 و 139 وعن معاني الأخبار ص 9 عن إكمال الدين ص 134.

(12) البحار ج 24 ص 200 وعن بصائر الدرجات ص 20.

(13) الآية 80 من سورة النساء.

(14) البحار ج 24 ص 201 وج 4 ص 5 وعن التوحيد للصدوق ص 139.

(15) البحار ج 24 ص 201 وج 4 ص 6 وعن المحاسن للبرقي ص 219 وعن التوحيد للصدوق.

 

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد