
السيد محمد باقر الصدر ..
إنّ استخلاف الله تعالى خليفة في الأرض لا يعني استخلافه على الأرض فحسب، بل يشمل هذا الاستخلاف كلّ ما للمستخلِف سبحانه وتعالى من أمور تعود إليه، فالله تعالى هو ربّ الأرض وخيراتها، وربّ الإنسان والحيوان وكلّ دابة تنتشر في أرجاء الكون الفسيح، وهذا يعني أنّ خليفة الله في الأرض مستخلَف على كلّ هذه الأشياء.
وعلى هذا الأساس يتمّ الاستخلاف على مرحلتين:
المرحلة الأولى: استخلاف للجماعة البشريّة الصالحة ككلّ، قال تعالى:﴿وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيَاماً﴾.
وهذا النصّ يتحدّث عن أموال السفهاء وينهى الجماعة عن أنْ يُسلّموها إلى السفهاء، أمّا الشاهد في النصّ فهو أنّه قد أضاف الأموال إلى الجماعة نفسها على الرغم من أنّها أموال أفراد منهم، وذلك إشعار بأنّ الأموال في هذا الكون قد جُعلت لإقامة حياة الجماعة، وتمكينها من مواصلة حياتها الكريمة، وتحقيق الأهداف الإلهيّة من خلافة الإنسان على الأرض، ولمّا كان السفيه لا يصلح لتحقيق هذه الأهداف فقد منع الله الجماعة من إطلاق يده في أمواله.
ومن ناحية أخرى نُلاحظ أنّ القرآن الكريم والفقه الإسلاميّ يُطلق على كلّ الثروات الطبيعيّة الّتي تحصل عليها الجماعة المسلمة من الكفّار اسم (الفيء)، ويعتبرها (ملكيّة عامّة). والفيء كلمة تدلّ على إعادة الشيء إلى أصله، وهذا يعني أنّ هذه الثروات كلّها في الأصل للجماعة، وأنّ الاستخلاف من الله تعالى استخلاف للجماعة.
ولهذا فإنّ الجماعة ككلّ - بحكم هذا الاستخلاف - مسؤولة أمام الله تعالى، ومسؤوليّتها تُحدّدها الآية الكريمة:﴿اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ... وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّار﴾.
فإنّ هذا النصّ القرآنيّ بعد أنْ يستعرض ما استخلف الله عليه الإنسان من ثروات الكون، وطاقاته ونعمه الموفورة، أشار إلى لونين من الانحراف:
الأوّل: الظلم، ويعني سوء التوزيع وعدم توفير هذه النعم للأفراد والجماعة على السواء، بما يُعتبر ظلم بعض أفراد الجماعة لبعضهم الآخر، لذا لا بُدّ للجماعة ككلّ أنْ تتحمّل مسؤوليّاتها بين يدي المستخلِف سبحانه وتعالى، وأنْ تقوم بالتوزيع العادل للثروة، وبشكل لا يتعارض مع خلافتها العامّة وحقّها ككلّ فيما خلقه الله من ثروات ونِعَم.
الثاني: كفران النعمة، أي تقصير الجماعة في استثمار ما حباها الله به من طاقات الكون وخيراته المتنوّعة، بما يُعتبر ذلك ظلم الجماعة نفسها، الأمر الّذي يتطلّب تحمّل الجماعة لمسؤوليّاتها في إقامة العدل وتنمية الثروة من خلال بذل مجمل طاقاتها في استثمار الكون وإعمار الأرض.
- المرحلة الثانية: استخلاف الأفراد، الّذي يتّخذ من الناحية الفقهيّة والقانونيّة شكل (الملكيّة الخاصّة). والاستخلاف هنا من الجماعة للفرد، ولهذا أضافت الآية الكريمة - :﴿وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيَاماً﴾- أموال الأفراد إلى الجماعة.
وعلى هذا الأساس لا يُمكن أنْ تُقرّ أيّ ملكيّة خاصّة تتعارض مع خلافة الجماعة وحقّها ككلّ في الثروة والنعم الإلهيّة.
وما دامت الملكيّة الخاصّة استخلافاً للفرد من قبل الجماعة فمن الطبيعيّ أنْ يكون الفرد مسؤولاً أمام الجماعة عن تصرّفاته في ماله، وانسجامها مع مسؤوليّاتها أمام الله تعالى ومتطلّبات خلافتها العامّة.
ومن الطبيعيّ أنْ يكون من حقّ الممثِّل الشرعيّ للجماعة أنْ ينتزع من الفرد ملكيّته الخاصّة إذا جعل منها أداة للإضرار بالجماعة والتعدّي على الآخرين، كما أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنْ يُقلع عذق شجرة سمرة بن جندب الّذي طريقه إليها في جوف منزل رجل من الأنصار، كان يسلكه سمرة بن جندب دون إذن الأنصاريّ، ولمّا شكاه الأنصاريّ لدى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رفض سمرة أنْ يقلع ذلك العذق، فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقلعه، لأنّ فيه ضرراً على مؤمن، وهو الأنصاريّ، وأطلق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم القاعدة الإسلاميّة المشهورة: "لا ضرر ولا ضرار في الإسلام".
معنى (تقن) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
كيف تعامل أمير المؤمنين (ع) مع التاريخ في مجال تعليمه السياسي؟ (1)
الشيخ محمد مهدي شمس الدين
الحداثة الفائضة في غربتها الأخلاقية
محمود حيدر
التفكير الإيجابي وقود النجاح
عبدالعزيز آل زايد
أريد أن يكون ولدي مصلّيًا، ماذا أصنع؟
الشيخ علي رضا بناهيان
حقيقة التوكل على الله
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
من عجائب التنبؤات القرآنية
الشيخ جعفر السبحاني
تسبيحة السيدة الزهراء (ع)
الشيخ شفيق جرادي
المثل الأعلى وسيادة النموذج بين التفاعل والانفعال الزهراء (ع) أنموذجًا (3)
إيمان شمس الدين
(التّردّد) مشكلة التسويف، تكنولوجيا جديدة تساعد في التغلّب عليها
عدنان الحاجي
السيّدة الزهراء: صلوات سدرة المنتهى
حسين حسن آل جامع
الصّاعدون كثيرًا
حبيب المعاتيق
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
معنى (تقن) في القرآن الكريم
كيف تعامل أمير المؤمنين (ع) مع التاريخ في مجال تعليمه السياسي؟ (1)
اختبار دم للتنبؤ بالمضاعفات الجراحية
كتاب ما وراء الشرّ
الحداثة الفائضة في غربتها الأخلاقية
التفكير الإيجابي وقود النجاح
أريد أن يكون ولدي مصلّيًا، ماذا أصنع؟
محفّز جديد وغير مكلف يسرّع إنتاج الأوكسجين من الماء
حقيقة التوكل على الله
من عجائب التنبؤات القرآنية