السيد موسى الصدر ..
قدم الإمام السيد موسى الصدر خطبة في إحدى ليالي القدر، تحدث فيها عن الترابط بين الإمام علي بن ابي طالب(ع) وليلة القدر وكذلك عن مفهوم القدر وعن مفهوم الدعاء.
وفيما يلي نص الخطبة:
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه وخاتم رسله سيدنا محمد، وعلى أنبياء الله المرسلين، وسلام الله على آل بيته وصحبه الطاهرين.
أيها الإخوة المؤمنون
في هذه الفترة المتأخرة من الليل وبعد أن استمتعنا بأوصاف ولوحات مشرقة ومربية عن حياة الإمام (ع) ماذا أقول؟
أبرر وقفتي هذه وفي هذا الوقت بأني أقف في أواخر الليل لكي أتحدث عن الإمام وهو في هذه الساعات يقضي ساعاته الأخيرة. ترى هل من الصدف أن الإمام تغتاله اليد الأثيمة في ليلة التاسع عشر من شهر رمضان؟
ترى هل من الصدف أن الإمام تغتاله اليد الأثيمة في ليلة التاسع عشر من شهر رمضان ويلاقي وجه ربه في ليلة الواحد والعشرين، ويمر على استشهاده الأيام التقليدية الثلاثة في الثالث والعشرين، وهذه الأيام الثلاثة في رواياتنا احتمالات ليلة القدر، وأيام القدر، هل من الصدف هذه المصادفة؟ أو أن عليًا (ع) بالنسبة لهذه الأمة كان قدْر هذه الأمة وقدرها؟
هل عليّ (ع) بالنسبة لليالي هذه الأمة الحالكة كان نورًا يقرر مصيرها ودعاءً يقضي حاجتها، وعزًا يرفع ذلها وعمرًا يطول أمدها؟
أعتقد أن هذا هو الصحيح، وأن هذا هو الحق، فبين عليّ والقدْر ترابط، وبين ليلة القدر وعليّ ربط لا ينفصل. ما هو القدر أيها الإخوة المؤمنون المحتفلون بليلة القدر؟ هل القدر كما يزعمه قدريو هذه الأمة والقدريون من هذه الأمة أن هناك مقررات تتنفذ وأن هناك أعمارًا وأرزاقًا تُقدَّر؟
وأن هناك سعادة وشقاء يكتبان بمعزل عنا في ليلة مجهولة لا نعرفها؟ فإذًا، نواجه مستقبلًا، ننتظر مصيرًا ما شاركنا في تحديده وفي تعيينه! إذا كان هذا معنى ليلة القدر فليس بينه وبين عليّ أي ارتباط، بل شبهنا الله بحاكم زمني، يستلم مشروع الموازنة فيقر الرزق والعمر والسعادة والشقاء حسب ميوله وأهوائه ودون ارتباط بالناس.
أما مفهوم القدر في معناه الإسلامي القرآني على الأقل حسب فهمي المتواضع، أما مفهوم القدر فأحد معانٍ ثلاثة:
أما القدر وليلة القدر معناه ليلة نزول القرآن، باعتبار أن القرآن أُنزل في ليلة القدر: ﴿إنا أنزلناه في ليلة القدر﴾ [القدر، 1] وليلة القدر كما يقول القرآن أيضًا: ﴿فيها يفرق كل أمر حكيم﴾ [الدخان، 4]، عندما نسمع في الآية السابقة: ﴿إنا كنا منذرين﴾ [الدخان، 3] يفرق الأمر الحكيم في مقام التشريع، ومعنى ذلك أن القرآن الكريم بما يحتوي من معانٍ وأحكام يحدد ويقَّدر الأمور ويرسم الخطوط العريضة لحياة الإنسان فـ﴿ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين﴾ [الأنعام، 59]. فالقرآن يحدد مصالح الإنسان وسيرته وطريقته، فليلة القدر ليلة تحديد كل شيء، وإيضاح كل شيء، وتقدير كل شيء، ليلة نزول القرآن، هذا هو معنى ليلة القدر.
ومعنى بقاء ليلة القدر في هذه الأمة كما ورد في الروايات المتعددة أن الأمة تتجدد وتُقارن وتحيي هذه الليلة فتأخذ من الليلة لأنها تعيش أجواء نزول القرآن، فتزن نفسها أمام المرآة لكي ترى سيرها وسلوكها واستقامتها أو انحرافها.
والمعنى الثاني لليلة القدر يرتبط بمفهوم الدعاء، والدعاء آية من آيات هذا الشهر وقد وردت آية خاصة بالدعاء في وسط آيات الصيام فالآية الأولى: ﴿كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم﴾ [البقرة، 183]، والآية الثانية: ﴿أيامًا معدودات﴾ [البقرة، 184]، والآية الثالثة: ﴿شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن﴾ [البقرة، 185]، والآية الرابعة: ﴿وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعانِ﴾ [البقرة، 186]، والآية الرابعة أيضًا حول الصيام والسفر: ﴿وعلى الذين يُطيقونه﴾ [البقرة، 184] وسائر أحكام الصيام.
هل هناك من صدفة أن يجعل الله آية الدعاء في وسط آيات الصيام وليس هناك من ترابط؟ كلا! القرآن تقديمه وتأخيره وربطه وفصله له معانٍ. فالصيام مرتبط بالدعاء، والدعاء في هذا الشهر ركن من الأركان، وبالدعاء الصحيح لا بالدعاء البديل يتمكن الإنسان من خلق السعادة أو الشقاء لنفسه.
أما المعنى الثالث، وهو المعنى التربوي العملي لليلة القدر فترتبط ليلة القدر بالصيام. فالصيام كما نعرف تزكية وتربية. الصيام خروج من الحياة التقليدية الجارية ووقفة تأمل بمعزل عن العادات التي ترتبط وتربط الإنسان. في لحظة وفي ساعة وفي شهر من الأشهر يفك الإنسان ارتباطاته مع حياته العادية ثم يسعى في سبيل تنظيم هذه العلاقات والسيطرة على هذه الارتباطات والاحساس بأنه حر أمام هذه الارتباطات والعلائق. فهو يكمِّل شخصيته ويبني ذاته من جديد ويزكي نفسه و﴿قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها﴾ [الشمس، 9-10] فالتزكية هي سبيل السعادة للإنسان.
فنحن بخلال هذا الشهر وبالتدريب والصيام الذي نمارسه خلال هذا الشهر نتمكن أن نسيطر على مصيرنا حيث نتحرر من الأهواء، ومن الظلامات، ومن الضعف والحاجات، ومن الانجراف في الحياة العادية، فنصبح أحرارًا نتحكم في مستقبلنا ونقرر مصيرنا. وعلى هذا الأساس، فـعليٌّ يمثل قدْر هذه الأمة وقدَرها، والسبب في ذلك يظهر بوضوح من مأساة هذه الليلة.
محمود حيدر
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان