مقالات

الاتجاهات لتبرير نظرية الحجاب


الشهيد مرتضى المطهري ..

هناك اتجاهات عديدة في تفسير الحجاب والكشف عن السبب الباعث على حدوثه في المجتمعات الإنسانية ، على العكس من المجتمعات الحيوانية التي لا شعور فيها بضرورة وجود حائل بين ذكرها وأنثاها ، وقد سعى أعداء الإسلام إلى استغلال هذه الاتجاهات لضرب الحجاب الإسلامي عن طريق نقدها، من دون أن يفترق لديهم رأي الإسلام عن غيره ومن دون أن يعيروا اهتمامًا لما أوضحه الإسلام بروحه ونصوصه من المصالح الفردية‌ والاجتماعية التي ابتنت عليها نظرية الحجاب في الإسلام ، ولذا نرى أن أكثر هذه الاتجاهات تحاول أن تطبع الحجاب بطابع الظلم للمرأة والجهل لحقوقها ، وسوف نرى أنها لإما لا أثر لها أصلًا في خلق الحجاب ، وإما أنها غير ملحوظة في التشريع الإسلامي:


الاتجاه الفلسفي :
‌يرى أصحاب هذا الاتجاه أن الحجاب نابع عن فكرة‌الرهينة الفلسفية ، انطلاقا من أن المرأة أكبر أداة لالتذاذ الرجل في الحياة ، فلو أتيحت له الإباحية المطلقة ، وارتفع الستر عن المرأة تحول المجتمع ـ طبيعيًّا ـ إلى مجتمع فاسد منهمك في اللذات ، هذا ما يناقض فلسفة الرهينة‌ التي تؤكد على رفض الاستمتاعات المادية بكافة نواحيها في الحياة‌ رفضًا باتًّا.
وهنا نسأل : ما هي الأسباب التي دعت إلى فكرة الرهينة ومعاداة الاستمتاع المادي ؟


والجواب: إنها كثيرة وأهمها ما يلي:
أولا : الرغبة في الوصول إلى الحقيقة مع الاعتقاد بأنه لا يحصل إلا عن طريق قهر النفس وسحق مشتهياتها.
ثانيًا: اقتران اللذات المادية بالمشاق وتحمل المصاعب في سبيل الحصول عليها مما يفقد الإنسان عزته واستقلاله ، ولذا يصمم علي تركها والزهد فيها.
ثالثًا:‌إخفاق الروح وفشلها في تحقيق بعض آمالها المادية ، فتتجه إلى الانتقام من اللذات المادية عن طريق استخبائها وترويض النفس علي الابتعاد عنها.
رابعًا: الاكثار من الاستمتاعات المادية والإفراط فيها مما يؤدي إلى حصول رد فعل للروح تجاهها . هذه هي العوامل المؤدية إلى خلق الرهبانية‌، وهذه الفكرة الفلسفية بدورها ساعدت على تنمية نظرية الحجاب في زعم أصحاب هذا الاتجاه . ومن الواضح أن الإسلام لم يستند في أي تشريع من تشريعاته إلى هذه الفكرة ، ولا هي تطابق روحه ونصوصه الشريفة ، وليس من شك في أن الإسلام حارب الفكرة بشتى الوسائل وما أكثر النصوص القرآنية والنبوية والمواقف المشرقة التي كان يتخذها قادة الإسلام الحقيقيون للتأكيد على النظافة والتجميل ، وتقصير الشعر، والتدهين واستعمال العطر ، إلى غيرها من مظاهر الاستمتاع بلذائذ الحياة وزينتها التي أخرج الله لعباده ، والطيبات من الرزق.
هذا في مجال الحياة‌ الاجتماعية ، وأما في مجال الحياة الزوجية فلم يفسح الإسلام المجال للزوجين لاستمتاع أحدهما بالآخر فحسب وإنما أكد على ذلك كثيرًا ورغب فيه ، واتخذ لذلك أنماطًا متعددة من السلوك يربي عليها الزوجين، وينمي على أساسها علاقة أحدهما بالآخر.


الاتجاه الاجتماعي:
يفسر هذا الاتجاه مسألة الستر والحجاب بأن النهب والسلب والاعتداء على أموال الضعفاء من الناس وأعراضهم من قبل ذوي القدرات والإمكانيات أمر شائع في المجتمعات البدائية ولذا اضطرت الجماعات المستضعفة إلى إخفاء أموالهم ودفنها في الأرض ، وكذلك ستر نسائهم وإخفائهن عن الأبصار خوفًا عن عفافهن. وهذا الجانب أيضًا غير ملحوظ في تشريع الإسلام للحجاب ، فالنصوص الإسلامية الصادرة‌ بهذا الصدد لا تتعرض له إطلاقًا ـ لا تصريحًا ولا إطلاقًا ـ أضف إلى ذلك أن التاريخ لا يحدثنا بأن الجاهلية كانت تعيش أزمة‌ نهب واعتداء‌ على أموال الناس وأعراضهم ، في نفس الوقت الذي لم تكن تعرف شيئًا عن الحجاب.


الاتجاه الاقتصادي:
و يرى هذا الاتجاه أن المبرر الرئيس لنشوء‌ مسألة‌ الحجاب هي فكرة‌ استثمار طاقات المرأة واستغلال قواها، ‌للحصول على أكبر قدر ممكن من منافعها الاقتصادية ، ولذا كانوا يحبسونهن في البيوت.
وكما يقسم أصحاب الماركسية مراحل التاريخ البشري من حيث العوامل الاقتصادية‌ إلى: اشتراكية بدائية‌ ، وإقطاعية ورأسمالية ، واشتراكية ثانوية ، كذلك يحاول بعض أتباع هذا الاتجاه أن يقسم المراحل التي مرت بها صلة الرجل بالمرأة‌ من وجهة نظر علم الاجتماع إلى :
1ـ مرحلة الاشتراكية الطبيعية التي لم يكن للحياة الزوجية فيها أي مفهوم.
2ـ مرحلة استعباد المرأة واستملاكها ومن مخلفاتها الحجاب
3ـ مرحلة الثورة على الوضع المعاش من قبل النساء والمطالبة بحقوقهن.
3ـ مرحلة الاشتراكية الثانوية والمساواة بين الرجل والمرأة

وهذه الفكرة خاطئة‌ جدًّا و ليس إلا تقليدًا أعمى للماركسيين ، فالمراحل المذكورة‌ لا وجود لها في التاريخ البشري ولا يمكن أن توجد ، فعواطف الرجل تجاه زوجته والعلاقة الزوجية التي تشده إليها تمنعه عن أن يفكر في استملاكها ولا تسمح له بالتغلب عليها بقصد الاستغلال اقتصاديا ، ولا ننكر في نفس الوقت ظلم الرجل للمرأة ‌واستغلالها أحيانًا عندما تضمر العاطفة وتبرز العصبية والجهالة ، إلا أن هذا لا يكون مبررًا لأن نتخذه كظاهرة‌ تشمل المجتمعات قبل القرن التاسع عشر. وأما الإسلام فبالإضافة إلى أنه لم يلاحظ هذا الجانب في تشريعه فقد حارب الفكرة‌ من أساسها ، وأعلن عن حرية المرأة واستقلالها ـ اقتصاديًّا ـ‌ ولم يعط للرجل أي حق في أجرة‌ عملها ، وحتي في القيام بمهام البيت تكون بالخيار بين أن تتطوع بها أو تطالب بأجرة أزاءها.


الاتجاه الأخلاقي:
ويرى أن الحجاب أمر خلقته غريزة الحسد الكامنة‌ في طبيعة‌ الرجل ، فهو يحب ذاته ، ويحسد الآخرين ، ولذا يسعى إلي إشباعها عن طريق حجب المرأة‌ وسترها. وقد أخطأ هذا الاتجاه أيضًا في فهم السبب الحقيقي للحجاب ، ولم يميز بين غريزة (الحسد) ، وغريزة (الغيرة) التي أودعها الله في طبيعة الرجل كي يحفط بها النسل من الضياع ، فهي غريزه نوعية اجتماعية وظيفتها حراسة النسل البشري ، وأما الحسد فهي غريزة شخصية، وحتى لو زال الحسد عن طريق تهذيب النفس ، بقيت غريزة‌ الغيرة‌ تقوم بدورها الفعال، والإسلام لاحظ هذا الجانب أيضًا في تشريعه للحجاب


الاتجاه النفسي :
ويحاول تفسير الحجاب يدافع نفسي للمرأة‌، فهي تشعر دائمًا ـ عندما تقايس نفسها بالرجل ـ بالصغار والحقارة‌ ، وذلك لنقصها العضوي أولا ، ولابتلائها بالحيض والنفاس ثانيًا ، ولذا كانت تعد أيام حيضها ونفاسها رجسًا يجب التطهر منه ، وهذا الشعور النفسي هو الذي جعلها تتستر وتختفي عن الرجال .

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد