الإمام يحكم باسم الله والإسلام، وإذاً فلا بِدعَ أن يحاسب عاملَه على أكل الطيّبات من الرزق، لأنّها تحلّ وتطيب لغير الحاكم، أما للحاكم فهي خبيثة وقبيحة ما دام في الرعيّة محروم واحد، لأنّ "اللهَ تَعَالَى فَرَضَ عَلَى أَئِمَّةِ الْعَدْلِ أَنْ يُقَدِّرُوا أَنْفُسَهُمْ بِضَعَفَةِ النَّاسِ كَيْلَا يَتَبَيَّغَ بِالْفَقِيرِ فَقْرُه"، كما في بعض خُطب نهج البلاغة.
قال العقّاد في كتابه (عبقريّة الإمام): "وقد بلغ من حساب الإمام للولاة أنّه كان يُحاسبهم على حضور الولائم التي لا يجمل بهم حضورها، فكتب إلى عثمان بن حنيف الأنصاري: فَقَد بَلَغَني إلخ... واستكثرَ على شُريح قاضيه أن يبني داراً بثمانين ديناراً، وهو يُرزَق خمسمائة درهم، وحاسب على أقلّ من هذا مَن هو أقلّ من شريح أمانةً في القضاء".
قوله عليه السلام: (فَانْظُرْ إِلَى مَا تَقْضَمُهُ مِنْ هَذَا الْمَقْضَمِ..): المراد بالقضم والمقضم هنا الأكل والمأكول، وأطلق الإمام عليه هذا الوصف للتنبيه إلى أنّ الغرض من القُوت مجرد حفظ الحياة. والمعنى: حّتى القوت الضروري لا يحلّ لك إلّا إذا جزمتَ وأيقنتَ بأنه حلال زلال، ويحرم إذا كان فيه أدنى شبهة للحرام... ومن هنا قال الفقهاء: "الأصل في الأموال التحريم حتّى يثبت العكس، وأنّها لا تحلّ أبداً إلّا من حيث أحلّها اللَّه".
قوله عليه السلام: (وَإِنَّمَا هِيَ نَفْسِي أَرُوضُهَا بِالتَّقْوَى..): التّقوى هي دعوة الإسلام والقرآن: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ..﴾ النساء:1. وقوله تعالى: ﴿.. مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ..﴾ يشير إلى أنّ التقوى عند الله أن تساوي نفسك بكلّ نفس، ولا ترى لها فضلاً على سواك، كائناً مَن كان، إلا بالتقوى.
ومعنى ترويض النفس بالتقوى أن تطهّرها من كلّ شائبة؛ كالبُغض والكذب والحسد، وأن تُحيي ضميرك بحب الخير للنّاس، كلّ الناس.
قوله عليه السلام: (أَأَقْنَعُ مِنْ نَفْسِي بِأَنْ يُقَالَ هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا أُشَارِكُهُمْ فِي مَكَارِهِ الدَّهْرِ..): يسأل الإمام كلّ حاكم: هل الغرض من الحُكم الألقاب الفارغة، والمظاهر الكاذبة، وهل أنت مقتنع بينك وبين نفسك بذلك، أو تستطيع أن تقنع به واحداً على وجه الأرض؟
وجواب الحاكم عن هذا السؤال قولاً وفعلاً هو الذي يحدّد حقيقته وشخصيّته، وبعد هذا السؤال حدّد الإمام وظيفته ومكانته في الحُكم، حدّدها بالوحدة الإنسانية، ومساواة الحاكم للرعية في كلّ شيء حتّى في مكاره العيش، ومن البديهة أنّ هذه المساواة تضمن الحرية للجميع، والتعاون على مصلحة الجميع.
قوله عليه السلام: (طُوبَى لِنَفْسٍ أَدَّتْ إِلَى رَبِّهَا فَرْضَهَا..): أداء الفرض هو أن تترك أثراً ينتفع به الناس من بعدك، وعلى الأقلّ أن تكفّ الأذى عن الناس، ولا تُفسد في الأرض. قال الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله: "كُفَّ أَذَاكَ عَنِ النّاسِ، فَإِنّه صَدَقَةٌ تَتَصَدّقُ بِهَا عَلَى نَفْسِكَ". فسلبُ الشرِّ خيرٌ في دين الإسلام.
* من كتاب (في ظلال نهج البلاغة) للشيخ محمد جواد مغنية، تعليقات على فقرات من كتاب أمير المؤمنين عليه السّلام إلى واليه على البصرة عُثمان بن حُنيف.
الشيخ محمد صنقور
الشيخ محمد مهدي شمس الدين
السيد عباس نور الدين
عدنان الحاجي
السيد عبد الأعلى السبزواري
حيدر حب الله
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ محمد جواد مغنية
الشيخ جعفر السبحاني
السيد منير الخباز القطيفي
زهراء الشوكان
حسين حسن آل جامع
الشيخ علي الجشي
عبدالله طاهر المعيبد
حبيب المعاتيق
شفيق معتوق العبادي
جاسم بن محمد بن عساكر
رائد أنيس الجشي
ناجي حرابة
السيد رضا الهندي
حبيب شيخ الأنصار
البكاء على الإمام عليه السلام يحيي النفوس
لو بيدي يا حسين
اسم الله عليهم
الشبان والشيوخ في الثّورة الحسينيّة (ع)
البكاء على الحسين (ع) ودوره في إحياء الأمة (3)
هاجس الحرّ
حبيب بن مظاهر: الشّيخ الشّهيد
التوهّم الباطل بالانتصار وسحق الدّين بقتل أهله
معنى: أنّ الحسين (ع) وارث رسالات الأنبياء