الشيخ عبد الجليل الزاكي ..
(وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) إن الحج انفتاح عقلي وقلبي وعملي تتوفر فيه كل الكمالات حيث يتوافد الناس إلى مكة من كل فجّ عميق، وهذا التلاقح يتحقق بجمع الكمالات الموجودة لدى الناس بشتّى صنوفهم وأشكالهم وأفكارهم وثقافاتهم وما يحملون من فكر ووعي ونضج في أي مجال من المجالات، والعاشق لله منفتح على الجميع والباحث عن الكمالات ويبحث عنها ليتصيد مواطنها أينما كانت .
ومن خصوصيات الحج أنه تشييد لدين الفرد والمجتمع، لكن كلامنا بالدرجة الأولى أنه ينطلق من الفرد كما ينطلق في الجانب الاجتماعي، فلا يتشيّد دين الفرد رجلاً كان أو امراة حتى يتصف بكل الكمالات، صحيحٌ أن الكمال مفهوم مشكك، أي نسبي بمعنى أنه قد يكون لدى فرد 20% وعند آخر30% وعند ثالث 80% وهكذا، لكن لا يمتلك المرء حقيقة هذه الكمالات إلا إذا اتصف بها كلها، لذلك لابد لأهل الخلوة بالله من ظهور في وسط الناس، لأن الخلوة والبعد عن الناس قد تؤدي أحياناً إلى العمى عن خبايا النفس التي تظهر على حقيقتها وواقعها مع الناس ويتجلى نقصها وكمالها وينكشف له ما كان مختبئاً فيها ، ويعرف هل هي خدومة وتتحلى بالخلق النبيل، أو أن ذلك مجرّد شعار وأنها تفتقر إلى الكمال الخلقي الحقيقي، على سبيل المثال العارف الشيخ علي رجب - وصل إلى مرتبة العرفاء- عمل له صومعة في أعلى بيته ليدعو الله تعالى ويتوجه إليه ويتوسل بالقرآن وأهل البيت(ع)، كي يهذب نفسه ويصقل روحه وينعزل عن الأمة والناس لعلّه يلتقي بصاحب الزمان (عج)، وكان لا ينزل من صومعته إلا لحاجة، وبعد مسيرة من الزمن والعبادة والخلوة - وكأن الله يريد أن يبيّن له أن المسألة ليست مسألة خلوة فقط، بل لا بدّ أن ينزل إلى الساحة العملية ويخالط الناس ليعرف خبايا النفس ورذائلها ونواقصها ونقاط القوى فيها ويزيدها، ويعرف نقاط الضعف والنقائص ويسعى لإزالة هذه الخبائث، لأنه إذا بقي في حالة الخلوة يُصاب بالعمى عن هذه الأمور، وإنما يعرفها ويختبر صبرها في معترك الحياة الاجتماعية ـ ولما أراد الله تعالى له الخير لصفائه نزل من صومعته ذات يوم وذهب إلى سوق الصفّارين، ورأى هناك امرأة تدور بقدرٍ على الصفّارين وتريد بيعه بستة تومان، وكلما ذهبت إلى صفّار قال لها بخمسة تومان، فأخبرتهم بأنها بأمسّ الحاجة إلى القدر لكنها مريضة وتحتاج إلى ستة تومان لعلاج مرض بها، وهذا كله بمرأى الشيخ علي رجب الخياط وذهبت إلى ثان وثالث ورابع، وهو يراقبها ثم ذهبت إلى صفّار طاعن في السن وسألته أن يشتري، فقال:اشتريه بعد وزنه لأن البيع بالوزن، وأخبرها أن قيمة القدر بعد الوزن اثنين وعشرين تومانًا لكنه سيشتريه بـواحد وعشرين تومان فقالت أوَ تهزأ بي؟! قال: أبداً، قالت: أنا عرضته على الصفارين بستة تومان وبأمس الحاجة من أجل العلاج ولم يشتروه وقالوا بأنه بـخمسة تومان وأنت تقول ستشتريه بواحد وعشرين تومان لتربح منه توماناً، قال : ما عليّ إن كانوا سرّاقاً، لكنه يساوي اثنين وعشرين تومانًا واشتريه بـ 21 لأربح منه توماناً، فهل نحن في علاقتنا الاجتماعية نتعامل بصدق وأمانة ووفاء بالعهد بيننا وبين الله؟!
وبعد أن ذهبت المرأة أقبل الشيخ علي رجب إلى الصفّار ، وكلاهما لا يعرف الآخر لكن المؤمن ينظر بنور الله، وبعد أن سلّم عليه قال : يا شيخ كيف تتعامل بهذه المعاملة؟ فقال الصفّار : يا علي رجب إذا كنت تريد أن تلتقي بصاحب الزمان (عج) لا تبقى في صومعتك واخرج منها، يا علي رجب كيف تريد أن تلتقي به (عج) بهذه النفس الخسيسة، وتبيّن له أن هذا الإنسان عنده شيء من المعرفة وله علاقة مع الله تعالى ومع صاحب الأمر(عج)، وهنا بدأ يتردّد عليه في سوق الصفّارين ويأخذ منه بعض المعاني، وفي أحد الأيام كان الشيخ علي رجب جالساً مع الصفّار فأقبل رجل وصار يتحدّث مع الأخير، وحينها بدا وكأن شيئاً يشدّ جسمه – الشيخ علي رجب - نحو الكرسي وتلاشت قواه ولا يستطيع الحراك وكأن روحه تريد أن تخرج من بدنه وبقي على تلك الحال حتى ذهب الرجل، وعندها عاد إلى حالته الطبيعية، ثم التفت إلى الصفّار وقال : من هذا الذي أقبل يحدّثك وتحدّثه وحينما أقبل كأنما قواي خارت وروحي تريد أن تخرج ولم أستطيع الحركة ولا الكلام ؟! فردّ الصفّار : هذا هو صاحبك الذي تبحث عنه، جاء ليعطيني لك رسالة يا علي رجب، قال لي :(قل لعلي رجب زكّوا أنفسكم وهذّبوها نأتكم إلى بيوتكم)، ونحن كنّا بعيدين عن الله حوالي سنة حتى وإن انشغلنا بالمباحات فضلاً عن انشغالنا بالمعاصي، أمّا الآن فنحن متفرغين للقاء الله تعالى في هذا الحج، فلنفرّغ قلوبنا ونزكّي أرواحنا ونصقلها في جنب الله تعالى.
ومما ينبغي معرفته أن تمام الحج هو لقاء الإمام القائم (عج)، فهو يحضر الموسم لكننا لا نعرفه، وما يدرينا لعلّه يكون عن يميننا أو شمالنا أو أمامنا أو خلفنا، وقد نسيء إليه (عج) ونحن لا ندري فلنلتفت ولنغتنم فرصة وجودنا في هذا المكان المقدَّس، فمسألة التشرف بلقائه (عج) ليست اعتباطية وتحصل بالدعاء له بتعجيل الفرج بينما نحن بعيدون عنه كل البعد ونقتله في اليوم بل في الدقيقة مئات المرّات، بل لا بد من تهذيب النفس وصقلها وتزكيتها استعداداً للظهور المقدس ولنتشرف بلقياه وعندها ستشرق الأرض بنور ربها.
ومن المعروف أنّ الإنسان عندما يكون في بلده يعيش حياة هنيئة، أما في السفر تتجلى الأخلاق ويظهر المرء على طبيعته ويتبيّن مدى صبره وتحمّله وخدمته للنّاس، من هنا كان الحج تشييدًا للدين لأنه يكشف للإنسان حقيقة ما في قلبه، ومن جهة أخرى يسمو بدين الفرد إلى مراتب الكمال المطلق نحو الله تعالى في أدائه لمناسك العمرة والحج من دعاءٍ وتوسلٍ وطوافٍ وسعيٍ وهكذا حتى يصل إلى مرحلة (خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه) ، ويُقصَد بتشييد للدين التخلّق بأخلاق الله والتأدب بآدابه، وهذا خط أخلاقي يستخدمه العرفاء إلا أنه شعار الأخلاقيين فتبدأ الذنوب بين هذين الخطين من الذنوب العملية الاعتقادية وهذا خط الأخلاقيين .
وعبارة (تخلّق) تعني ابنِ ذاتك لبنة على لبنة، وحسنة على حسنة، واصقل روحك ونفسك، فعندما تتلبس بلباس الإحرام تحصل على درجة اليقين أنك تخلقت بأخلاق إلهية بامتثالك لأمر الله تعالى وابتعادك عن تروك الإحرام وعن الأمور الروتينية التي اعتدت فعلها، ومنها ما هو محرّم وجاء التأكيد على النهي عنه كالكذب والفسوق ونحوه، ومنها ما هو مباح بالذات ومحرم بالعَرَضِ لكون الإنسان مُحْرِمَاً، وهنا نجاهد ونقولب هذه النفس ونمرّنها، وشعيرة العمرة تعمّر لتنطلق إلى الحج الذي لا شيء بعده في الانطلاق إلى الكمالات الإلهية، لأننا قد دربنا أنفسنا لنتحقق بالعبودية لله عزّ وجلّ وننبذ جميع العبوديات الأخرى
أمّا خط العرفاء فيعني أن الإنسان خرج من أناه إلى الفناء في ذات الله جلّ جلاله فلايرى لنفسه شيئاً أصلاً، وفي هذا الخطّ ثلاث ذنوب رئيسية، إذا تخلّص منها خرج من كلّ الشعور :
• أنا فاعل ولا فاعل إلا الله
• أنا عالم ولا عالم إلا الله
• أنا موجود ولا موجود إلا الله .
وبهذا العتق يكون قد خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، فالعارف يرى أنه غير موجود وحاله كحال الطفل الذي يشاهد الأشياء لكنه لا يعرف عبارة : (أنا موجود)، والسالك يبحث عن الكمال ويريد التخلص من النواقص ويشاهد تلك الكمالات ويمرّ عليها ليصل إلى الله تعالى جلّ شأنه، ويعني ذلك أنه يطوف لا لذات الطواف، ويحرم لا لذات الإحرام ولا يصلّي لذات الصلاة، بل لأن الله سبحانه وتعالى يريدها أن تكون موصلة له، وأي عمل يقوم به يريد به وجهه عزّ وجلّ .
وفي العلاقة مع الله تعالى هناك خطّ صاعد من العبد إلى الله، وخط نازل من الله إلى العبد، على سبيل المثال ذهب قسم منا إلى المدينة ثم أقبل إلى مكة المقدسة، وهذا نسميه خط الصعود إلى الكمالات وإلى الله تعالى لأن العبد يصعد فيه من خلال العلاقة مع الرسول الأكرم (ص) وأهل بيته (ع) يعني من النبي الأكرم (ص) والزهراء (ع) وأئمة البقيع الإمام الحسن والسجاد والباقر والصادق وحمزة بن عبدالمطّلب (ع)، ومن مجموع هذه الزيارات يحصل له الصعود في طريقه من أهل البيت (ع) إلى الله تعالى، أما الخطّ النازل فهو الخط الذي يذهب من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة لزيارة أهل البيت(ع)، وهذان الخطان ليسا أمراً صعباً وهذا موجود حتى في الجوانب الفكرية.
وحتى عند دخول وقت الصلاة قد يكون الإنسان منشغلاً مع الآخرين فيتحدث معهم ويلاطفهم، وبمجرد أن يحين وقتها ويقبل عليها ويتوجه إلى ربه فإنّ أول شيء يقابله رسول الله (ص) بسلامه عليه، ثم يقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، وحين يسلّم لا يفعل ذلك لأنه أمر مستحب أو لأنه يريد أن ينهي الصلاة ثم يرجع إلى عالم الكثرة والعلاقات الأخرى لأن الصلاة جوهر إذا كانت لله تعالى .
والسالك في خطّ النزول يشاهد الله تعالى في الكمالات الموجودة حوله، وبالمصطلح العرفاني العارف هو من يرى الله في كل شيء، وكل الكمالات الموجودة في الحج ما هي إلا تجلّيات لله تعالى والمخلوقات ظلّه في الأرض، لذا يقول العارف أنا موجود ولا موجود إلا الله تعالى، وهذا معنى ما ورد في الرواية عن أمير المؤمنين : (ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله قبله) فيرى قدرة الله وحكمته وإبداعه، وحتى حينما يرى الكافر يرى أنه نظير له في الخلق كما قال الإمام علي بن أبي طالب(ع) في كتابه لمالك الأشتر حين ولّاه على بلاد مصر : (فإنهم إما أخٌ لك في الدين أو نظيرٌ لك في الخلق) فيرى الله تعالى وينظر إلى إبداعه وتجلّي عظمته في الموجودات .
وفي الحقيقة فإن الحج كبقية العبادات، فالصلاة والصوم والحج إمساك، وهو عامل مشترك بين هذه العبادات الثلاث، فالإحرام جهة اشتراك بين الصلاة والحج لأن المرء حين يُحْرِم في الحج كأنما كبّر تكبيرة الإحرام للدخول في الصلاة وامتنع عن مجموعة من المحرمات، لكن الصلاة أعظم الإمساكات الثلاثة لأن مع الصوم والحج يمكن أن نخالط الناس ونتحدث معهم ونبيع ونشتري لكننا لا نستطيع فعل ذلك في الصلاة، فبمجرد أن نكبّر تكبيرة الإحرام، يكون الحديث مع الناس مبطلاً فقهياً ، بل أن حتى الحديث القلبي مبطل عند العرفاء.
إذاً في الصوم والحج هناك امتناع عن عدة أمور لكن الامتناع في الصلاة أعظمها لذلك ينقطع المصلي ويمتنع عن الأكل والشرب والكلام مع الآدميين، وهنا نقف عند النقطة العرفانية وهي أن التحدث بكلام الآدميين مبطل، فإذا قرأ المصلي بلسانه يكون قد تكلم بلسان الآدميين، بينما يجب أن تكون قراءته بلسان الله تعالى لا بلسان الآدميين لأن الصلاة وأفعالها توقيفية، فعبارة ما قرأت ولكن قرأت تعني أنني ما قرأت بلساني ولكن قرأت بلسان الله تعالى، ومن يقرأ بلسان الله في الصلاة لابدّ أن يتوجه في أفعاله وركوعه وسجوده، وحتى من يقرأ القرآن عليه أن يقرأه عن لسان الله تعالى، ويجب أن تكون قراءته صحيحة لكي لا ينطبق عليه كم من قارئ للقرآن والقرآن يلعنه، بل ينبغي ذلك حتى في الصلاة على محمد وآل محمد لأنها دعاء، وينبغي أن يتوجه المصلي بها لله تعالى ولا يتمازح فيها لأننا بفعلنا ذلك كأنما نستهزئ بها، لأننا حين نتوجه إلى الله بها نطلب منه أن يصلي على محمد وآله ومحمد، والدعاء إلى رب السماء يكون بتوجه إليه تعالى.
ومما لا شك فيه بأن الحج بحدّ ذاته خصوصاً الحجّة الأولى عبارة عن انفتاح عقلي وقلبي وعملي لأنه عمل جديد في حياة الإنسان ولا يمارسه في بلده فعليه أن يسافر، والسفر أمرٌ جديد تتعدد فيه المنافع كما يقول الشاعر:
تغرب عن الأوطان إلى بلاد العلا وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تفــريج هـمّ واكتســاب معيشـــةٍ وعلــمٍ وآدابٍ وصحبـــة مــــاجد
وصحبة الماجد هي الاختلاط مع المؤمنين، فالأخلاء يومئذٍ أعداء إلا المتقين، وهذه صحبة الماجد الصحيحة الحقيقية لأنه لاينسى صاحبه ، فلنغتنم الفرصة.
ومما لا يخفى على أحد أن الأعمال التي يأتي بها الحاج أول مرة ليست روتينية، إنما جديدة ومتغيرة ولم يمارسها قط، فهو ينزع المخيط ولباس الزينة ويترك الطيب ويخرج عن المألوف وعن التقاليد التي سيطرت عليه ويقف في موقف معين من الميقات، ثم يقوم بالأعمال ويأتي بالطواف والصلاة والسعي والتقصير، وكذا الوقوف بعرفة وغيرها وكل ذلك غير مألوف، من هنا يحتاج إلى انفتاح على الحج بعقله وقلبه وعمله وسلوكه وإلا لا يحصل على المطلوب، وهذا الانفتاح يتأثر به القلب ويلتصق بشكل كبير.
وهذا الحج دورة مركّزة شديدة شاقة على البدن من جهة وعلى النفس من جهة أخرى، والأعمال الشاقة والمتعِبة لا يذهب أثرها سريعاً، بل تلتصق بالإنسان أكثر فأكثر، يعني عندما يتعرّض الإنسان لموقف شديد مؤثر لا ينساه بسهولة بل يبقى في مخيلته، ويعيش في روحه، وعندما تلتصق روحه ومشاعره بالحج يتعب، وربما تصيبه مصاعب خارجة عن إرادته وليست في حسبانه، فقد تتغير الخطة حسب الوضع الميداني، وهذا أمر شاقّ يؤثر عليه، لكن هذه المعاني تركز وتلتصق في ذاكرته أكثر فأكثر.
قد لا نضمن وجود صاحب الزمان(عج) في الأماكن الأخرى، لكن في الحج هناك روايات تدل على أنه يحضر الموسم وأنه أمير الحج وهو المضيف الذي يستقبل ضيوف الله تعالى .
إذاً هذا هو حال الصاعد وكلّ حجّة يأتي بها الإنسان تختلف عن الأخرى بحسب الحاج نفسه، فهو بين أن يحوّل حجه إلى عشق أو إلى روتين والأخير يبقى على ما هو عليه ولا يستفيد منه ولا يحصل على الكمالات، وهو كمن يحول الصلاة من عبادة إلى عادة.
أما إن كان الحج ليس روتينياً يتحول فيه الحاجّ إلى عاشق كالمصلي الذي يحوّل صلاته إلى عبادة ويعيشها بكل لحظاتها، فالنبي الأكرم (ص) يقول لبلال بمضمون الرواية أرحنا بالصلاة يا بلال، فهو ينتقل من كمال إلى كمال، والصلاة مؤثرة في كمال معين في الفرد، بينما الحج له تأثيرٌ خاص إلى درجة أنّ من لم يؤده وليس له عذر على تركه كأنه على خط الكفر فليمت يهودياً أو نصرانياً، أما من يؤديه على ما ينبغي فهو قريب من الكمال ويحقق ركن أساسي منه، ومن جهة أخرى فإن من جعل الحج شيئاً روتينياً ولم يحصل على الكمال فنقصه ليس كنقص طفل خرج لتوه من بطن أمه وهو مقطوع الإصبع لكنه يستطيع العيش بدونه بل حاله كحال المعاق، فمن جاء إلى الحج لأول مرة لابد أن ينفتح انفتاحاً عقلياً وقلبياً وعملياً على أعمال الحج أكثر فأكثر ليتحصل على الكمالات .
إذاً الحج خطّ انفتاحي وذهاب العاشق إلى الحجّ يختلف عن الباحث عن العلم وعن الكمال، وقد كان الحج في عهد النبي الأكرم (ص) يستغرق وقتاً طويلاً قد يصل إلى ستة أشهر، ولو تصورناه في عهده (ص) سنجد أن الناس سابقاً يسافرون على الجمال أو مشاة، وقد يبقى الحاج على إحرامه ثلاثة أو أربعة أيام، ثم يصل إلى مكة، أما الآن قد لا يستغرق إحرامه سوى نصف نهار وخصوصاً في العمرة.
ومن نافلة القول أن في الحج تنزل فيوضات من الله تعالى على الحاج وهو محرم، والإحرام عقد ارتباط بين المخلوق وخالقه، لذلك ينبغي ألا يتخلص الإنسان من هذا الارتباط، فلو كنا نعشق شخصاً ما ونحن معه،كأن كنا مع الإمام الحجة (عج) وقُدّرَ لنا أن نكون في محضره الشريف، هل نرغب في أن نتعجل بالانصراف عنه ؟! إذا كنت عاشقاً ستؤثر البقاء معه حتى ولو لم تتكلم معه لأنه يشرق عليك بنوره وستقبل عليه بشوق، والإحرام ارتباط بيننا وبين الله عزّ وجلّ فهل نحن عاشقون له ؟! إذا كنا كذلك فلا نتعجل في التحلّل من الإحرام، فكلّما بقيت على إحرامك كنت مع الله وارتبطت به وعشقته أكثر فأكثر سيرسخ أثره في نفسك وقلبك وروحك، أما التحلل السريع لا يكفي لأن تتكيف النفس مع الإحرام، وحتى حينما يصلي الإنسان عليه ألا يسارع في الذكر والقراءة، فالرسول الأكرم(ص) حينما رأى شابّاً ينقر الصلاة كنقر الغراب، قال لأصحابه بمضمون الرواية إن بقي هذا الشاب على ما هو عليه ليدخلنّ النار، في حين أن الصحابة شكوا إليه أنّ فلاناً يفعل كذا وكذا إلا أنه يصلي فقال(ص) بمضمون الرواية ستنهاه صلاته يوماً ما، فليداوم على الصلاة وليهدّيء من روعه ويتأنى ولا يسرع في تأديتها لأنه بذلك لن يركّز فيها وكذلك الحال في الحج حتى يتكيف نفسياً مع آثاره العظيمة .
*بتصرف
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
محمود حيدر
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
العلاقة الجدلية بين التدين والفهم
الأجر الأخروي: غاية المجتمع
أمسية للشّاعرة فاطمة المسكين بعنوان: (تأمّلات في مفهوم الجمال بين الشّعر والفلسفةِ)
العظات والعبر في نملة سليمان
الكوّاي تدشّن إصدارها القصصيّ السّادس (عملاق في منزلنا)
اكتشاف أقدم أبجديّة معروفة في مدينة سوريّة قديمة
محاضرة للمهندس العلي حول الأنماط الحياتيّة من التّراث الدّينيّ
المعنى في دُنُوِّهِ وتعاليه (2)
الأمّة المستخلفة
المعنى في دُنُوِّهِ وتعاليه (1)