مقالات

حضور القلب


الإمام الخميني قدّس سرّه ..

إنّ منشأَ حضور القلب في أيّ عمل من الأعمال، وسببَ إقبال النفس عليه وتوجّهها إليه، يَكمن في تلقّي القلب ذلك العمل بالعظَمة، وعدّه من المهمّات. هذا الأمر - وإن كان واضحاً - لكنّه يصبح أوضح بذكر مثال:
إذا أجاز لك ملِكٌ الحضور في محفل أُنسه العظيم، وجعلك محلّ عنايته بحضرة الجميع؛ فلأنّك ترى هذا المقام عظيماً في قلبك، وتتلقّاه بالعظَمة والأهمية، يَحضُر قلبُك بتمامه، ويحافظ على جميع آداب المجلس، ويتنبّه لكلام الملك، ولحركاته وسكناته، في جميع الأحوال، ولا يغفل عنه ولو للحظة.
وعلى خلاف ذلك، إذا كان المخاطَب غير مهمّ ويراه القلب تافهاً، فلا يحصل لك حضور القلب في مخاطبته، وتكون غافلاً عن حالاته وأقواله.
ومن هنا يُعلم السبب في عدم حضور قلوبنا في العبادات وغفلتها عنها؛ فنحن لو اهتممنا بمناجاة الحقّ تعالى ووليّ نعمتنا بمقدار ما تهمّنا مخاطبة المخلوق الضعيف، لما حصل لنا هذا القدر من النسيان والغفلة والسّهو. ومن المعلوم جدّاً أنّ هذا التساهل ناشئ من ضعف الإيمان بالله تعالى، وبالرسول، وبأخبار أهل بيت العصمة صلوات الله عليهم أجمعين، بل من التساهل بالمحضر الربوبيّ، ومقام القدس للحقّ تعالى.
لقد دعانا وليّ النِّعم إلى مناجاته وإلى حضرته بلسان الأنبياء والأولياء، بل بقرآنه المقدّس، وفتح لنا أبواب دعائه ومناجاته، ومع هذا الوصف لا نلتزم أدب حضرته بقدر التباحث مع عبدٍ ضعيف؛ بل كلّما شرعنا في الصلاة، التي هي بابٌ من أبواب محضره الربوبيّ وحضور جنابه، فكأنّها فرصةٌ لنا لنشتغل بالأفكار المُتشتّتة والخواطر الشيطانيّة، فكأنّما الصلاة مفتاحُ الدكان أو أوراق الكتاب، فلا يعلَّل هذا إلّا بسبب وهن الإيمان وضعف اليقين دون غيرهما. ولو علم الإنسان عواقبَ هذا التساهل، وراح ينبّه القلب، فإنّه سيكون في صدد الإصلاح لا محالة، وسيَمضي في معالجة نفسه.
وتكمن الخطورة في أنّ الإنسان، إذا لم يتلقَّ أمراً بالأهمّيّة والعَظَمَة، فسينجرّ بالتدريج إلى ترْكه. وتركُ الأعمال الدينيّة، يُوصل الإنسان إلى ترك الدين. كما أنّه إذا أفهم القلب أهمّيّة العبادات والمناسك ينصرف عن هذه الغفلة والتساهل، وينتبه من هذا النوم الثقيل.
تفكّر قليلاً في حالاتك وراجع أخبار أهل بيت العصمة، وشمّر عن ساعد الجِدّ، وفهّم النفس بالتفكّر والتدبّر أنّ هذه المناسك، وخصوصاً الصلاة، وبالأخصّ الفرائض منها، سبب السّعادة والحياة في عالم الآخرة، ومنبعُ الكمالات ورأس مال الحياة في تلك النشأة...
قال الله تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ﴾ الماعون:4-5. وقال: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ المؤمنون:1-2. ففاقدُ الخشوع في صلاته ليس من أهل الإيمان والفلاح، وتكفي لأهل التفكّر والتدبّر هاتان الآيتان؛ فالويلُ لمن قال الله تعالى في حقّه: (الويلُ له)، وإنّ شيئاً يذكره العظيم المطلق بهذه العظمة والأهمّيّة، فمعلومٌ ما ينتج عنه من الظّلمة والوحشة والنقمة.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد