مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ علي رضا بناهيان
عن الكاتب :
ولد في عام 1965م. في مدينة طهران وكان والده من العلماء والمبلغين الناجحين في طهران. بدأ بدراسة الدروس الحوزوية منذ السنة الدراسية الأولى من مرحلة المتوسطة (1977م.) ثم استمرّ بالدراسة في الحوزة العلمية في قم المقدسة في عام 1983م. وبعد إكمال دروس السطح، حضر لمدّة إثنتي عشرة سنة في دروس بحث الخارج لآيات الله العظام وحيد الخراساني وجوادي آملي والسيد محمد كاظم الحائري وكذلك سماحة السيد القائد الإمام الخامنئي. يمارس التبليغ والتدريس في الحوزة والجامعة وكذلك التحقيق والتأليف في العلوم الإسلامية.

أوّل واجب تربويّ على الأم


الشيخ علي رضا بناهيان

في أيّ عُمر يدرك الناس أنّه لا عيش في الدنيا دون ألَم؟ متى يفهم الناس عادةً أنّ العيش دون معاناة مستحيل؟ خبّروني.. 40 سنة، 30، غيره.. أواخر العمر، 50 سنة مثلاً..
طيّب، علينا خفضُ هذا العمر إلى سبع سنين! أي يجب أن نهيّئ الطفل قبل السابعة ثم نقول له إذا أتمّ السبعة: "بُنَيّ، برنامج معاناتنا من الآن هو كيت وكيت!" كي لا يستوحش. وعندها سيتأدّب. وإذذاك سيُطبَّق الحديث من أنّه لا بدّ للطفل بين السابعة والرابعة عشرة أن يتصرّف، في البيت وفي المدرسة، كالعبد تجاه سيّده ومولاه.
فلو اشتغلتَ مدّة عشرة أعوام على مكامن المعاناة الأساسيّة لدى الطفل فسينشأ إنساناً ناضجاً جدّاً. أحد إشكالاتنا أساساً هو أننا لا نعترف بكلام الله إذ يقول: سنّ رُشد البنات في التاسعة. ـ إلهي، ما هذا الكلام، أيّ رُشد، ما زالت طفلة! يقول: يبلغ الأولاد سنّ الرشد في الـ14. ـ يا رب، ما هذا الكلام، 14 عاماً فقط! مجرّد طفل! إنّه لا يفهم شيئاً! فيجيب الله: إدارتُك لشؤونه هي التي جعلَتْه لا يفهم شيئاً! تربيتُك له هي التي جعلَتْه لا يفهم شيئاً! أنت ـ الذي تسمّيه قبل الـ14 تلميذاً وبعد الـ14 تلميذاً ـ لا تفهم شيئاً! أنت ـ الذي تؤخّر زواجه بحجّة كونه طفلاً ـ لا تفهم شيئاً! أنت ـ الذي تؤجّل توجّهَه للعمل قائلاً: "طفل، لا يدرك" ـ لا تفهم شيئاً! أو أولئك الذين خطّطوا لحياتك.. الذين قرّروا ضرورة أن يُبْقُوا عليك متخلّفاً. كلّ ثلاث أو أربع سنوات، بل كلّ سنة تُؤجِّل سِنّ النضج في تعاملك مع طفلك سيكون لها، من الناحية الأخرى، من الأثر ما يعادل عشر إلى عشرين، بل خمسين سنة! سيفهم هذه الأشياء متؤخّراً سنةً.
فهل تَعي أيّ مصيبة نزلَت، أو ستَنزِل، به بسبب ذلك؟! أيّ كارثة ستحلّ بالمجتمع؟! أَبِبَساطة تسمّيه "تلميذاً" وهو ابن الثانوية؟! فيقول: ما زالوا ينادونني كما كانوا ينادونني وأنا طفل في الأول الابتدائي! أليس لهذا أثر نفسيّ عليه؟! وهكذا فهْمُنا للمسألة أيضاً، وليس هو اشتراك اسم وحسب، فلا شأن لي أنا بالأسماء، يا ليتنا نقول له إذا أتم الرابعة عشرة: لم تعد تلميذاً، أنت الآن "طالب عِلم"، أنت "باحث"، ونقول لطلاب الجامعة: "أنتم باحثون". من المؤكَّد سيحصل تغيير. نقول له: "يا هذا، لقد أصبحت ذا شأن." لكنّ والديه أنفسهم لا يعترفون بأنّه أصبح ذا شأن! ـ "هو كلامٌ قاله الله وحسب!" إننا نبدأ بالتربية في عمر متأخّر جدّاً، أي إنّنا لا نبدأ بها أصلاً، عُذراً! فترانا مُجبَرين فيما بعد على "إبداء ردود أفعال"، وليس "تربية"، فنحن الآن نُبدي ردود أفعال.. لا نقوم بخطة تربويّة.
الخطة التربويّة هي ما يلي: قاموا بإعداد لُعبة في روضة أطفال تقوم على "معاناة الاختيار"! ما هي؟ إذا جاع الطفل في الساعة العاشرة نضع أمامه قطعتَي حلوى أو أكلتَين لذيذتَين ونقول له: عليك أن تختار واحدة. فيختار واحدة، وهو سيشبع بهذه الواحدة. ثم نرفع الأخرى أمام ناظريه، ونقدّمها مع قطعة ثانية إلى رفيقه بجواره. وهذا بدوره يلتقط واحدة.. مجرّد معاناة طفيفة، رقيقة، ناعمة. فهو، في الوقت ذاته، يأكل، ويشبع، بل إذا ما أحسّ بمعاناة فسيكون قد نسيها. ولأنّه سيأكل ويشبع فإنّه سينسى معاناته على نحو أفضل، لكنّك تكون قد علّمته أنْ: "اِعلَم أن الدنيا محلّ اختيار، وأنّك يجب أن تغضّ الطرف عن بعض الأشياء إذا حصَلتَ على غيرها". فإن لم تعلّمه هذا، وكبُر، فستحاول حينذاك إقناعَه! لكن لم يَعُد هناك مجال للإقناع، دعك من هذا بربّك. ثم تلجأ إلى الاستعانة بالإيمان بالله فتقول: "أليس لك دين؟! ألستَ مؤمناً؟! ألا تعرف ما القيامة؟! هذا أمر الله ورسوله.." ـ يا هذا، إنّه يختنق! إلى متى؟ فعندما لا تكون روحُه مستوعبةً لهذا الكلام، بل ولا مستعدّةً لتقبّله فلماذا تُخرّب اللهَ في عينيه؟! فلقد نشّأتَه أنت على طبع سيّئ، تركتَه لعادات بذيئة ثم تذكّره الآن بالله والإيمان، وتظلّ تتّهمه بعدم الإيمان بسبب معاصيه؟! يا رجل، عاداته النفسيّة هي التي لا تتيح له ذلك.
أين ربّيتَه يا ترى؟ الأمّهات المحترمات يقُمنَ أحياناً، بدافع الرأفة والشفقة، بتنشئة أطفالهنّ على حُبّ الراحة. لتعلَم الأمّ أنّ أوّل واجب عليها هو التحكّم "بحبّ الراحة" عند طفلها. ما إن تتمتّع العوائل ببعض الرفاهية حتى تفسح المجال لحبّ الراحة لدى أولادها، وما النتيجة؟ النتيجة أنّ الطفل سيصبح تلميذاً، لكنّه لا يصير عالماً! سيصبح إنساناً مؤمناً متديّناً، لكنّه لن يبلغ ذروة الروحانيّة أبداً!

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد