مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ علي رضا بناهيان
عن الكاتب :
ولد في عام 1965م. في مدينة طهران وكان والده من العلماء والمبلغين الناجحين في طهران. بدأ بدراسة الدروس الحوزوية منذ السنة الدراسية الأولى من مرحلة المتوسطة (1977م.) ثم استمرّ بالدراسة في الحوزة العلمية في قم المقدسة في عام 1983م. وبعد إكمال دروس السطح، حضر لمدّة إثنتي عشرة سنة في دروس بحث الخارج لآيات الله العظام وحيد الخراساني وجوادي آملي والسيد محمد كاظم الحائري وكذلك سماحة السيد القائد الإمام الخامنئي. يمارس التبليغ والتدريس في الحوزة والجامعة وكذلك التحقيق والتأليف في العلوم الإسلامية.

نظرة مختلفة إلى الحياة


الشيخ علي رضا بناهيان

علينا أن ننظر إلى كل شيء بنظرة الامتحان.
الآن تحديداً نحن نُمتحَن بهذا الكلام بالذات، إنها إحدى مراحل امتحاننا أن يطرُق أسماعَنا مثل هذا الكلام، الآن تحديداً نحن نُمتحَن.
كل شيء هو للامتحان. إننا لا نعيش حالة الامتحان بشكل دائمي في حياتنا اليومية ولهذا نحن غافلون عن أن كل حياتنا أساساً هي، في الحقيقة، امتحان.
ففي حياتكم الدنيوية مثلاً إذا باعكم أحدٌ سيارة فهو لا يبيعكم إيّاها ليمتحنكم، بل هو حقاً يبيعكم سيارة. وإذا ما اشتريتم سيارة فإنكم لا تشترونها لتُمتحَنوا، بل أنتم حقّاً تشترون سيارة، تختارونها. وإذا نويتم السفر، من هنا إلى مشهد مثلاً، فإنكم لا تختارون طريق الذهاب لتُمتَحَنوا، بل واقعاً تختارون طريقاً لسلوكها.

نعم، حينما يمتحنك ضابط المرور ليقرر هل سيعطيك رخصة قيادة أم لا، ويقول لك: "فرمِل السيارة"، فإنه يمتحنك، يقول لك: "سِر"، فإنه يمتحنك. فقط في تلك الساعة، أما في باقي الأوقات، فإنك لست في امتحان! إننا لا نعيش حالة الامتحان بشكل دائمي في حياتنا اليومية ولهذا نحن غافلون عن أن كل حياتنا أساساً هي، في الحقيقة، امتحان. كل ما يحصل بينك وبين ربك هو امتحان لك، إنه يمتحنك به؛ إنْ أعطاك مالاً، فالمال ليس لك، هو امتحان لك. إنْ لم يعطك مالاً، فهو امتحان لك، فالفقر ليس له حقيقة واقعية.
إنْ جعلَك تَمرَض، فهو امتحان لك، فكونك مريضاً واقعاً هو موضوع فرعي بالنسبة لكونك تُمتحَن بالمرض. ولا أدّعي أن ليسَ ثمة مرض، بلى هو موجود. ولا أزعم أن المال الذي تملكه حقّاً لا تملكه، بل تملكه في الواقع. ما أقصده هو أن امتلاكك المال هو فرعٌ لقضيّة أنك تخوض امتحاناً.

إذا كنت ذا موهبة فإنّك تُمتَحن بهذه الموهبة. فلننظر إلى كل شيء نظرة امتحان. الله نفسه يقول ذلك؛ «الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَیَاةَ لِیَبْلُوَکُمْ». لا تقولوا: "الناس في البداية أطفال، ثم يصبحون مراهقين، ثم شبّاناً، ثم كهولاً، ثم يشيخون"، أستحلفكم بالله أن لا تنظروا إلى الحياة هكذا فهذه، يا أحبائي، نظرة سطحيّة، بل قولوا: الله يمتحن الإنسان بالمراهقة لفترة، ثم يسلب منه المراهقة فيمتحنه بالشباب، ثم يخطف منه الشباب فيمتحنه بالكهولة، ثم يأخذ منه الكهولة فيمتحنه بالشيخوخة.. هذه هي النظرة الصائبة.. النظرة الواقعية.
اللافت جدّاً بالنسبة لي هو أن الله لا يسأم من امتحان العبد.. لافت جدّاً.. ابتسموا أنتم أيضاً، لا بأس.. لا يسأم.. امتحنَك اليوم عدة امتحانات، فشلتَ تارةً، نجَحتَ تارةً، امتحاناً تلو امتحان، حتى خارَت قواك، واستسلمت للنوم، وما إن تستيقظ حتى يشرعَ بامتحانك..! ـ

إلهي، دعني أستيقظ فقط، أريقُ على وجهي بعض الماء..! يقول: كلا، نمتحنك حتى بإراقة الماء على الوجه! ـ وماذا تريد أن تصنع الآن؟ ـ اذهب لأخبرك. تذهب، وفجأة.. طاخ! تسقط أرضاً.. أرأيت؟ بالطبع هناك امتحانات صامتة، فهاهنا كان ثمة "طاخ"، صحيح؟ هناك امتحانات صامتة أيضاً.. تفتح حنفية الماء، ينساب الماء على يديك.. ـ يبدو أنه لا امتحان اليوم، كم الماء زلال! وتغسل، وينتهي الأمر.. ـ يبدو أن هذه المرة ليس.. ـ كلا، هذا أيضاً امتحان! الصالحون يعرفون أنّ هذا امتحان، فما إن يريقوا الماء على وجوههم حتى يقولوا: «الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي جَعَلَ الْمَاءَ طَهُوراً»، أردتَ، إلهي، أن تمتحنني إنْ كان لي شعور، عرفانٌ بالجميل، حظٌّ من الآدمية، من السمعة، من الشرف، لأعلم أنه ماؤك الزلال.. لقد أدركتُ ذلك.. فلدينا امتحان صامت، ولدينا امتحان بضجيج، وكلاهما امتحان.

استحلفكم بالله أن تعيشوا حالة الامتحان. «الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَیَاةَ لِیَبْلُوَکُمْ»، سورة الملك، الآية 2.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد