مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ علي رضا بناهيان
عن الكاتب :
ولد في عام 1965م. في مدينة طهران وكان والده من العلماء والمبلغين الناجحين في طهران. بدأ بدراسة الدروس الحوزوية منذ السنة الدراسية الأولى من مرحلة المتوسطة (1977م.) ثم استمرّ بالدراسة في الحوزة العلمية في قم المقدسة في عام 1983م. وبعد إكمال دروس السطح، حضر لمدّة إثنتي عشرة سنة في دروس بحث الخارج لآيات الله العظام وحيد الخراساني وجوادي آملي والسيد محمد كاظم الحائري وكذلك سماحة السيد القائد الإمام الخامنئي. يمارس التبليغ والتدريس في الحوزة والجامعة وكذلك التحقيق والتأليف في العلوم الإسلامية.

ما الذي أنفقتَه اليوم؟


الشيخ علي رضا بناهيان

«فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُم‏.. وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا»، الأمر الوحيد الذي يذكره هنا بعد السمع والطاعة هو «أَنْفِقُوا».
«إِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً» إذا أتاه خير منعَ الآخرين منه.
أنفِق.. "أنفِق" يعني: "لا تكن منوعاً".. أنفق. ما الذي أنفقتَه اليوم؟ الإنفاق ليس بالمال فقط، ليس بالصدقة فحسب، فلقد قالوا: «عَوْنُ الضَّعِيفِ صَدَقَة»، شخص لا يقدر على شيء فأُساعدُه، أُعطيه من قدرتي، أشاركه فيما لديّ من حُسن، وهذه صدقة أيضاً، ولا يعني أن مَن أعطيتَه الصدقة متسوّل، فكل واحد منّا محتاج إلى الآخر، فنحن نعيش في ظل نظام التسخير.
إذن عليك بالإنفاق، «أَنْفِقُوا خَيْراً لأَنْفُسِكُم.. وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»، أي من يتجنّب البخل.. على أن الشُحّ مرحلة أعلى من البخل.
ما فرق الشُحّ عن البخل؟ لقد أشير إلى ذلك في الحديث بدقة متناهية سُئل أحدهم(ع): مَن هو الشحيح؟ وما هو "شُحّ النفس" الذي تكرر ذكره في القرآن الكريم؟ قال(ع): «الشُّحُّ أَشَدُّ مِنَ الْبُخْلِ، إِنَّ الْبَخِيلَ يَبْخَلُ بِمَا فِي يَدِهِ وَالشَّحِيحُ يَشُحُّ عَلَى مَا فِي أَيْدِي النَّاسِ وَعَلَى مَا فِي يَدِهِ»، يقرّر أن لا ينفقه إذا أعطيه، وهو بعدُ لم يحصل عليه! «لا يَرَى فِي أَيْدِي النَّاسِ شَيْئاً إِلاّ تَمَنَّى أَنْ يَكُونَ لَهُ بِالْحِلِّ وَالْحَرَامِ».
لاحظوا إلى أي مدى يجعل الطمع صاحبَه تعيساً! فمن هو غير الشحيح إذن؟ هو من يقول: والله لو حصلتُ على مليار لأعطيت رفاقي 800 مليون أقضي حاجة فلان وحاجة فلان، وتكفيني 200 مليون لسدّ حاجتي. أما الشحيح فيقول: لو حصلتُ على مليار فسأسدّ بـ200 مليون حاجتي ثم أعطي الباقي..! لا، لماذا أعطيه، أشتري به عقاراً آخر! بل يحسد غيره إذا رأى عنده مالاً: لِمَ هذا المال في يد فلان؟! ـ وما ستصنع لو كان بيدك؟ ـ وما شأنك، فليكن بيدي! أيُّ وقاحة! في الخبر: كي لا تكون هكذا أنفق: «يُوقَ الشُّحَّ إِذَا اخْتَارَ النَّفَقَة» ادفَعْ، فلدينا صدقة الصباح وصدقة المساء، تُستحبُّ الصدقة يومياً، لكننا نجمعها لندفعها آخر الشهر! ـ
يا أخي، كم تريد أن تتصدّق آخر الشهر؟ ـ أتصدّق بـ1000 تومان ـ لا حاجة لأن تتصدّق بألف تومان، تصدّق بثلاثين فقط وأعط يوميّاً نصف تومان صباحاً ونصفاً مساءً! لماذا؟ لأنهم (ع) يريدون منك أصل هذا العطاء والدفع، الدفع الذي تزهق أرواح البعض لحظةَ يقوم به! واظب عليه، ولا حاجة إلى إنفاق مبلغ كبير، أنفق قليلاً، لكن داوم عليه، دع ولَدك ينفق، ففي الخبر: إذا أردت التصدّق «مُرِ الصَّبِيَّ فَلْيَتَصَدَّقْ بِيَدِهِ» كي يتعلّم من صِغَره.
أنفق.. أنفق.. قل: بُنَيّ، هاك النقودَ وأنفقها.. أنفق.. فنان، كتب سيناريو.. فإذا به يغضب على من يريد مساعدته قائلاً: "هذا العمل في الأصل عملي! اغرُب عني! إنه عملي!" «مَنُوعاً»..! لا تتشبّث به.. إن أكملَه صديقُك ولو بلمسة فأعطه إيّاه وقل: سجّله باسمك.. لا تتشبّث به! فهذا أيضاً من الزكاة، «زَكَاةُ الْعِلْمِ‏ نَشْرُه‏»، بل إننا قد نَظَّرنا لعملية "المنع" هذه وأقحمناها في أنظمتنا الاجتماعية! فلا ندع الآخرين يشاركوننا قابليّاتنا!
يقول: "هذه الفكرة الإبداعية خطرَت لي أنا، كيف أضعها في متناول رفاقي ونحن الخمسة نقوم بهذا النشاط معاً؟! هم لا تخطر ببالهم هذه الأمور، أنا صاحب الفكرة، بل الأفكار، كلها، كل فكرة تساوي.. ثم أتساوَى معهم!" فلتذهب مثل هذه الأمة إلى الجحيم! أمة لا يضع أفرادها قابليّاتهم في متناول الآخرين، أقصد جحيم الدنيا، لا أريد أن أدعو بجحيم الآخرة.
أنفِق.. في الحرب يضعون كل إمكاناتهم مع بعضها كي تنجح العمليات حتى إذا عادوا إلى السِّلْم أسّس كل واحد مؤسسة لنفسه، بل ويجتهد في حفظ أسرار مؤسسته كي لا يسرق الآخرُ أفكارَه الخاصة، يقول: "هذه الفكرة فكرتنا، لا نعطيها لأحد!" هذا سلوك غير إسلامي! في الخبر: كي لا تكون هكذا أنفق: «يُوقَ الشُّحَّ إِذَا اخْتَارَ النَّفَقَة» ادفَعْ فلدينا صدقة الصباح وصدقة المساء.
إنهم(ع) يريدون منك أصل هذا العطاء والدفع، الدفع الذي تزهق أرواح البعض لحظةَ يقوم به! واظب عليه، ولا حاجة إلى إنفاق مبلغ كبير، أنفق قليلاً، لكن داوم عليه.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد