مقالات

الإمام الرضا والترويج لمدرسة أهل البيت


الإمام الخامنئي "دام ظله"

مقامات الإمام الرضا الممعنوية فوق إدراك البشر
إنّ المقامات المعنويّة والرّوحانيّة لهذه الموجودات المقدّسة هي في الحقيقة أكبر من أن تدركها عقولنا. فكيف إذا أردنا أن نصفها بألسنتنا. إلّا أنّ حياة هؤلاء العظماء هي دروسٌ عمليّة وخالدة تتمثّل أمام أعيننا وأعين التاريخ، ولا تقبل الإنكار. فلو أنّنا في بعض الموارد قمنا بالحديث عن حياة الأئمّة عليهم السلام وسياستهم وتدبيرهم وذكر أحوالهم، فلا يعني ذلك أنّ هذا القسم من أقسام حياة هؤلاء العظماء هو الأهم والأعظم، كلا. فلذلك العالم المعنويّ، والقرب إلى الله، والمعرفة والمحبّة التي تصطلم في قلوبهم، التي لا نظير لها، قصّة أخرى. لكن، ما يتجلّى أمام أعيننا هو حياة هؤلاء العظماء التي ينبغي أن نتّخذ منها الدّروس.

الإمام الرضا يعمق أفكار مدرسة أهل البيت
إنّ العمر المبارك للإمام الرضا سلام الله عليه، قارب الـ 55 سنة أي من عام 148 للهجرة، الذي هو عام شهادة الإمام الصادق(ع)، وحتى سنة 203 فإنّ مجموع حياة هذا العظيم مع كل تلك العظمة والعمق والأبعاد المختلفة التي يمكن ذكرها وتصويرها بشأنه، قد كانت في هذه المدّة العمرية القصيرة نسبيّاً. فمن هذه الـ 55 سنة، قاربت مدّة إمامة هذا العظيم العشرين سنة 19 سنة تقريباً. ولكنّنا لو لاحظنا ما تركته هذه المدّة القصيرة من أثرٍ في واقع العالم الإسلاميّ، من اتّساعٍ وتعميق للمعنى الحقيقي للإسلام، والارتباطٍ بأهل البيت عليهم السلام، والتعريف بمدرسة هؤلاء العظماء، لخرجنا بقصّة عجيبة، وبحر عميق.
كان الأصدقاء والمقرّبون والمحبّون، في ذلك الوقت الذي وصل فيه الإمام إلى الإمامة، يتساءلون: ماذا يمكن لعليّ الرّضا أن يفعل في مثل هذا الجوّ؟ هذا الجوّ الشديد من القمع الهارونيّ الذي كانوا يقولون بشأنه: "وسيف هارون يقطر دما". ماذا يريد هذا الشاب أن يفعل، في مثل هذه الظروف، للاستمرار في خطّ جهاد أئمّة الشيعة وفي المسؤولية العظيمة الملقاة على عاتقه؟ لقد كانت هذه بداية إمامة علي بن موسى الرّضا عليه السلام. وبعد هذه السّنوات الـ 19 أو الـ 20 التي شكّلت نهاية مرحلة إمامته وشهادة علي بن موسى الرضا عليه السلام؛ عندما تنظرون، ترون كيف أنّ ذلك الفكر المتعلّق بولاية أهل البيت والارتباط بآل النبيّ كان قد انتشر في العالم الإسلاميّ بحيث أنّ الجهاز الظّالم والدكتاتوري للعباسيّين أصبح عاجزاً عن مواجهته، هذا ما فعله عليّ بن موسى الرّضا.

أ ــ محبة أهل البيت تنقذ قافلة من نهب اللصوص
لقد سمعتم أنّ دعبل قد قدم إلى مرو في خراسان، وأنشد تلك الأشعار المعروفة في مدح الإمام الرّضا، ثمّ بعدها حصل على جائزة. والآن، افرضوا أنّه بقي عدّة أيّام في مرو وفي سائر مدن خراسان، ثمّ بعد ذلك تحرّك باتّجاه بغداد والكوفة وتلك الأماكن التي يريد أن يذهب إليها. وأثناء الطّريق هجم قطّاع الطّرق على القافلة التي كانت فيها دعبل ونهبوها. كان أهل هذه القافلة جالسين ويشاهدون وينظرون إلى أموالهم كيف تُنهب، وكان رئيس عصابة اللصوص جالساً على صخرة على مرتفع ويتفرّج بتبختر على الأسرى وسجناء هذه القافلة، وهذه الأموال التي كانوا يصادرونها ويجمعونها ويضعونها في أكياس. فسمع دعبل زعيم اللصوص هذا يترنّم في نفسه وينشد شعراً، فأصغى إليه ولاحظ أنّه شعره. وكان بيتاً من تلك القصيدة، التي قد أنشدها قبل شهر أو شهر ونصف على سبيل الفرض في مرو: "أرى فيئهم في غيرهم" إلى آخره. لقد كان زعيم اللصوص على طريقٍ بين الريّ والعراق وقد حفظ هذا الشّعر. ففرح دعبل وقام وسأله: هل تعلم لمن هذا الشّعر؟ فقال: هذا الشعر هو لدعبل الخزاعي. فقال: حسنٌ، أنا دعبل الخزاعي. فعندما رأى زعيم العصابة أنّ هذا الشّخص هو دعبل الخزاعي قام واحتضنه وقبّله وقال: ببركة حضور هذا الشّخص في هذه القافلة ارجعوا كلّ الأموال. فأرجعوا كلّ الأموال واحترموا أفراد القافلة وتركوهم وذهبوا.
حسنٌ، هذه كانت حادثة صغيرة في التاريخ ولكنّها ذات معنًى كبير. فشعرٌ يُنشد حول عليّ بن موسى الرّضا في مرو، وبعد حوالي شهر أو شهر ونصف (أقل أو أكثر) يصبح محفوظاً في ريّ والعراق حتى على ألسن قطّاع الطّرق ويُكرّر! فماذا يعني هذا؟ إنّه يعني أنّ أرضيّة الترويج لأهل البيت والاسم المبارك للإمام الرضا قد أصبحت مساعدة بحيث أنّ الأيدي تتناقل هذا الشّعر. فالشّعر في ذاك الوقت كان من أكثر الأمور تأثيراً ونفوذاً على المستوى الإعلاميّ؛ في مدّة قصيرة ويصل إلى شخصٍ هو، على سبيل المثال، قاطع طريق وسط الصحراء. فهذا مؤشّرٌ على الحركة العظيمة التي تحقّقت في عصر الإمام عليّ بن موسى الرّضا سلام الله عليه من أجل الترويج لمدرسة أهل البيت، لقد أصبحت محبّتهم شائعة. وحضورهم ووجودهم في المجتمع الإسلاميّ، كان قد نفذ إلى أعماق قلوب النّاس.

ب ــ محبة الناس لأهل البيت تشجع أبناء الأئمة للانتقال إليها

فأن تروا أبناء الأئمّة العظام يقومون ويتحرّكون ويأتون إلى هنا؛ فهذا يعني- بالإضافة إلى المأساة وعمق المصاب في قضية شهادتهم على هذا الطريق- وجود جانبٌ إيجابيّ ومليء بالمعنى: وهو مطالبة النّاس بأهل البيت ووجود أرضية تقبّلهم من قبل النّاس. أنتم تعلمون عندما نقول أهل البيت، فهذا يعني هذه المدرسة. وهذا المعنى الذي كان أهل البيت قد عرّفوه حول الإسلام. إنّه يعني العمل العميق، ثقافياً ومعنوياً والعمل العظيم اعتقاديّاً.

ج ــ المأمون يستشعر خطر الإمام فيغتاله
هذه كانت حركة الإمام الرضا عليه السلام. حتى شعرَ المأمون في النّهاية، بسبب تلك القضايا التي سمعتموها وتكرّرت عليكم وتعلمونها، أنّه لا بدّ أن يقتل عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام حيث أجبر هذا العظيم على المجيء من المدينة وأحضره ليكون قريباً منه، لنوايا خاصّة. ولم يكن يقصد قتل هذا العظيم بخلاف ما كان قد خطّط له؛ فتحققت الإرادة الإلهيّة والقضاء والتدبير الإلهيّين بواسطة أعداء أهل البيت لأن دفن بضعة النبيّ في هذه المنطقة البعيدة عن المدينة يُعدّ بحدّ ذاته تدبيراً إلهيّاً وهندسة إلهيّة.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد