مقالات

لكلّ صلاة طهور

الإمام الخميني "قدس سره"

الصلاة مراتب تتناسب مع مراتب المصلّين ومقامات السالكين إلى الله، فالطهارة للصلاة الصوريَّة، وطهارة أهل الإيمان تطهير الظاهر من أرجاس المعاصي ومن إطلاق عِنان الشهوة والغضب. وطهارة أهل الباطن هي التنزّه عن القاذورات المعنويَّة والتطهير من دنس الأخلاق الذميمة.

*الطهارة: ظاهرية وباطنية
وجميع أنواع الطهارات متحقّقة لدى كُمَّل الأولياء، فظاهرهم طاهر من جميع القذارات الصوريَّة، وحواسُّهم طاهرة من الإطلاق (الاهتمام) فيما لا حاجة إليه، وأعضاؤهم طاهرة من التصرُّف بها فيما يخالف رضا الله تعالى، إلى آخر مراتب الطّهارة، قال تعالى:﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطهِيرًا﴾ (الأحزاب: 33).

وتنبغي معرفة أنَّ كلَّ صلاة من صلوات السالكين إلى الله مشروطة بطهارة خاصة بها، لا يمكن التوصّل إلى تلك الصلاة من دونها. كما قال تعالى في الآية الشريفة: ﴿لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾ (الواقعة: 79)، فظاهره لا يمسُّه إلّا أهل الطهارة الظاهريّة، وباطنُه لا يمَسُّه إلّا أهل الطهارة الباطنيّة، وسرُّه لا يمسُّه إلّا أهل الطهارة السريّة.
إذن، فلا يصل إلى صلاة أهل الباطن إلّا من غسل يديه ووجهه في منبع الحياة القلبيّة.

*لم يُهمل الآداب الظاهريّة
نكتة من الضروري للخاصّة معرفتها وهي: أنّ الله - تبارك وتعالى - الذي لم يُهمل طهور الظاهر وتنظيف القشر وطهارة اللباس والبدن، ولم يُهمل الآداب الظاهريّة سواء في المعاشات والمعاملات، فمن غير الممكن أن يُهمِل طهارة القلب وتنظيف الباطن وتنزيهه عن القذارات المعنوية التي لا تمكن مقارنة فسادها بالقذارات الظاهريّة، فهي أسباب الهلاك الأبدي والظلمة، ومن غير الممكن أن يُهمِل طهارة لباس التقوى - وهو خير الألبسة - من التلوّث بقذارات تجاوز الحدود، أو أن يهمل طهارة العقل من قذارات الآراء الفاسدة والعقائد المُهلكة.

ويتضح من خلال مراجعة كتاب الله وأخبار وآثار الأنبياء والأولياء عليهم الصلاة والسلام أنّها أولت تطهير القلوب أهمية أكبر من تطهير الظواهر، بل (يتضح منها) أنَّ جميع الأعمال والأفعال الظاهريَّة هي مقدّمة لتطهير القلوب مثلما أنَّ تطهير القلوب مقدِّمة لتكاملها.
فعن الإمام أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيم﴾ (الشعراء: 89) قال: "السليم الذي يلقى ربَّه وليس فيه أحد سواه"، وقال: "كلُّ قلب فيه شك أو شِرك فهو ساقط؛ وإنّما أرادوا بالزُّهد في الدنيا لتفرغ قلوبهم للآخرة".
وعن الإمام أبي جعفر عليه السلام قال: "ما من عبد إلّا وفي قلبه نكتة بيضاء؛ فإذا أذنب ذنباً خرج في تلك النكتة نكتة سوداء، فإن تاب ذهب ذلك السّواد، وإن تمادى في الذُّنوب زاد ذلك السّواد حتّى غَطّى البياض، فإذا غَطَّى البياضَ لم يرجع صاحبه إلى خير أبداً، وهو قول الله عزَّ وجلّ: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُون﴾ (المطففين: 14)" 

*ينظر الله إلى قلوبكم
ورد في الحديث: "إنَّ الله لا ينظُر إلى صوركم ولكن ينظرُ إلى قلوبكم". وإجمالاً فإنَّ تطهير القلوب من القذارات المعنويّة والأوساخ الخُلقية هو من المهمّات التي يجب على الإنسان أن يقوم بها بكل عِدَّة وعُدَّة ممكنة وبكلِّ رياضة ومجاهدة، ويخلّص نفسه من عار تلك القذارات والأوساخ، فإنّه إذا وقف في محضر الربوبيّة من دون ذلك الطهور المعنوي فلن يكون نصيبه سوى صورة الصلاة وقشرها وتعبها ومشقّتها؛ قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ (المائدة: 27).
إنّ التقوى هي من شروط قبول الصلاة مطلقاً. وتقوى الباطن تعني تطهيره من الأخلاق الذميمة كالكِبر والحسد والغفلة والكسل ونظائر ذلك، وهي من شروط القبول عند أهل المعرفة، ومن شروط صحّة صلاة أهل الباطن.
وهذا الأمر يصدُق على سائر مراتب التقوى إلى آخر درجاتها.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد