مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ علي رضا بناهيان
عن الكاتب :
ولد في عام 1965م. في مدينة طهران وكان والده من العلماء والمبلغين الناجحين في طهران. بدأ بدراسة الدروس الحوزوية منذ السنة الدراسية الأولى من مرحلة المتوسطة (1977م.) ثم استمرّ بالدراسة في الحوزة العلمية في قم المقدسة في عام 1983م. وبعد إكمال دروس السطح، حضر لمدّة إثنتي عشرة سنة في دروس بحث الخارج لآيات الله العظام وحيد الخراساني وجوادي آملي والسيد محمد كاظم الحائري وكذلك سماحة السيد القائد الإمام الخامنئي. يمارس التبليغ والتدريس في الحوزة والجامعة وكذلك التحقيق والتأليف في العلوم الإسلامية.

لماذا علينا الاعتذار من الله إذا أذنبنا؟

 

الشيخ علي رضا بناهيان
لماذا يَعُدّ الله تعالى الخطأ الذي يرتكبه الإنسان "معصية" ويجعل له عقاباً؟ 
لِمَ يسمّي الله خطأنا "ذنباً"، ولماذا يتعيّن علينا، إذا أخطأنا وألحَقنا بأنفسنا نحن ضرراً، التوجّه إلى الله والاعتذار منه؟ 
"إنني أضرَرتُ بنفسي أنا، فلِمَ علَيَّ الاعتذار من الله؟ 
لماذا يَدخل الله بنفسه في هذه القضية؟
لمَ علينا الاعتذار إلى الله إذا أجرَمنا؟ لأنّ الله تعالى قد أمرَنا بفعل الحسنات التي لا بد من فعلها، كما نهانا عن السيئات التي تضرّ بنا. 
وبما أن الحال هي على هذا النحو فإنني سأواجه أمرين إذا أذنبت: الأول هو الآثار السيئة التي يتركها هذا الذنب عليَّ أنا، والثاني هو الاعتذار الذي عليّ تقديمه لله عز وجل.
إن علينا أن ندرك هذه المسألة بعمق، فإن لم أستوعبها أنا تماماً فلا ينفع أن تُقنعني بالتوحيد والمعاد وعدل الله عز وجل، ولا يجدي أن تقنعني بالنبوة والإمامة أيضاً؛ لأن تديّني لم يصبح حقيقياً بعد! وحتى لو آمنتُ بهذا كله فسأقول: "لقد تواطأ الله ونبيه عليَّ ليؤذياني!" فأنا أرى الله يصدر الأوامر والنبيّ يبلغني إياها، وإن لم أمتثل لأمرِ الله فإنه سيُدخلني جهنّم، وهذا فرضٌ للإملاءات بامتياز!! 
من هنا يشعر الكثيرون بأن الدين يفرض عليهم إملاءاته!
مشكلة الإنسان – المعاصر على الأقل - ليست في أنه: أيوجد في العالم إله أم لا؟ فأكثر سكان الأرض يُقرّون بوجود الله. 
ليس هذا فحسب، بل ويحبّونه، وقد يناجونه أيضاً! بل وليست مشكلة البشر في أنه هل جاء أنبياء أو لا؟ وإن الذين رفضوا الدين ووقفوا بوجه الأنبياء كانوا – في الحقيقة – مذنبين؛ بذنب الكفر.. بذنب الشرك!
مشكلة الإنسان "الذنب" وليس قبول أصول العقائد من توحيد ونبوة ومعاد!
مشكلة الإنسان ليست في أصل وجود الله تعالى، وأصل النبوة، وأصل المعاد – من الناحيتين الفكرية والعقائدية – بل مشكلته هي مع "الذنوب"، ولا بد من أن يستوعب أنه: لماذا سُمِّي خطأ الإنسان "ذنباً" ولماذا يُعاقَب عليه بالنار؟! هذه هي معضلة البشرية.
إنك إن تركت الناس وشأنها لقبلَت بأمور كثيرة، كوجود الله على سبيل المثال. ولو تأمّلَت قليلاً لآمنَت أيضاً بالمعاد، وصدّقَت أن حياتنا لا تُختتَم بالدنيا.
كما وليست مشكلة الإنسان في قبول أفضلية أنبياء الله وأوليائه على باقي البشر. أي: لو لم يكن موضوع الذنب والثواب مطروحاً ثم قلتَ لأحدهم: "بعض الناس أفضل منك" فسيُقرّ بذلك في أغلب الظن ولا يتضايق، وإنّه إن أقرّ بهذا فقد أقرّ بالأنبياء والأئمة أيضاً.
مشكلة معارضي الأنبياء كانت أيضاً "الذنب"؛ فحينما لا تنصاع "لأمر الله ورسوله" فهذا ذنب!
مشكلة الإنسان هي قضية القرآن الجوهرية ذاتها؛ وهي: "لماذا تُذنب؟" فالإنسان، إلى ما قبل هذه المرحلة، لا اعتراض لديه عادةً؛ فهو يعترف أنه "أخطأ"، وعليه تدارك خطئه، وأنْ يحاول أن لا يكرّره، وأنّ خطأه يُلحق به الضرر.
المشكلة تبدأ حينما يلصق الله عز وجل بخطأ الإنسان هذا عنوان "الذنب"! ولذا فإنه حينما يأتي نبي ويرسم لهذا الإنسان خطوط المعصية والثواب فإنه يثور ضد هذا النبي، بل وقد يذهب إلى إنزال الله من عرش ربوبيته أيضاً! فإن قلت له: "ثمة إله ليس في دينه ذنب وثواب" فسوف لا تكون له مع هذا الأخير مشكلة!
يقول تعالى في قرآنه الكريم: كلما جاءهم رسول بأمر من الله لا تهواه أنفسهم فإما أن يقتلوه وإما أن يكذّبوه: «كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَريقاً كَذَّبُوا وَفَريقاً يَقْتُلُون» (المائدة/70). على أنهم كانوا يذعنون حقاً بأن هذا الرسول لا يكذب، لكن بما أنهم لم يكونوا راغبين في اتّباع "أمره" فقد كانوا يقتلونه أو يكذّبونه. مشكلتهم مع النبي كانت في أنه يأمرهم وينهاهم نيابةً عن الله سبحانه وأنهم إن لم ينصاعوا إليه عُدَّ عدم انصياعهم هذا "ذنباً"!

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد