مقالات

​محورية الحجة للملائكة في ليلة القدر (1)

 
السيد منير الخباز
﴿إِنَّآ انزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلآَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِن كُلِّ أَمْرٍ * سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾
انطلاقاً من السورة المباركة نتحدث في محاور ثلاث:
مضامين السورة المباركة.
ربط ليلة القدر في عالم ولوح القضاء والقدر.
بيان ارتباط ليلة القدر بالحجة ”عج“.
المحور الأول: ما هي المضامين المستفادة من هذه السورة المباركة؟
الأولى: ﴿إِنَّآ انزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾هنا فقرتان:
الفقرة الأولى: أن الآية الكريمة قالت ﴿إِنَّآ انزَلْنَاهُ﴾عندما نلاحظ أن الآيات القرآنية نجد أنها على نحوين: نحو يعبر ﴿بأنزلناه﴾، ونحو يعبر ﴿بنزلناه﴾.
مثلاً قوله تعالى ﴿حم*وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ*إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ﴾ مثلاً قوله ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾. فما الفرق بين التعبيرين؟
الفرق بينهما؟ أنه عزوجل عندما يقول: ﴿إِنَّآ انزَلْنَاهُ﴾فهو يشير إلى النزول الدفعي للقرآن الكريم على قلب النبي المصطفى على النبي محمد .
القرآن الكريم نزل على النبي محمد مرتين، مرة نزل دفعة واحدة على قلبه، ونزل أخرى بشكل تدريجي تفصيلي لمدة 23 سنة.
فالنزول الأول: النزول الدفعي عبرت عنه الآية ﴿إِنَّآ انزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾، ﴿حم*وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ*إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ۚ﴾.
النزول الثاني: النزول التدريجي لمدة 23 سنة إبتدأ من اليوم 27 من شهر رجب إلى وفاة النبي الأعظم  عبر عنه القرآن الكريم بالتنزيل ﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا﴾.
الفقرة الثانية: قوله عزوجل: ﴿إِنَّآ انزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ماهو المراد بليلة القدر؟ ولماذا سميت بليلة القدر؟
 
السؤال الأول: ماهو المراد بليلة القدر؟
الآية لها ظاهر ولها باطن، ورد عن النبي  ”إن للقرآن سبعين بطناً، وإن للآية ظهراً وبطناً“، تارةً يكون تفسير الآية مستفاداً من الظاهر اللفظي للآية.
وتارةً يكون تفسير الآية مستفاداً من الرواية الشريفة التي تتحدث عن معنى لا ينسبق لذهن الإنسان لو قرأ الآية المباركة، التفسير الباطن لا يؤخذ من اللفظ ولا من حكم العقل، فهو لابد أن ترد به الرواية المعتبرة عن أهل بيت النبي، إذا وردت الرواية عن الإمام المعصوم تتحدث عن معنىً للآية لا ينسبق من ظاهر اللفظ، هذا ما يسمى بالتفسير الباطني للآية المباركة فهو مصدره الوحيد الروايات الشريفة.
مثلاً: قوله عزوجل ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ «27» ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً «28» فَادْخُلِي فِي عِبَادِي «29» وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾ المعنى الظاهر: أن كل نفس إطمئنة بقضاء الله وقدره فهي مخاطبة بهذه الآية.
المعنى الباطن: إذا رجعنا إلى الرواية المعتبرة عن الإمام الرضا  قال: ”النفس المطمئنة جدي الحسين بن علي“. التفسير المكنون لهذه الآية التي لا يصل إليها إلا أهل الذكر الأئمة المعصومون يقولون النفس المطمئنة الحسين بن علي.
سورة القدر: ﴿إِنَّآ انزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾الرواية عن الإمام الباقر : ”ليلة القدر أمي فاطمة الزهراء، ومن عرف فاطمة الزهراء فقد أدرك ليلة القدر، وإنما سميت فاطمة لأن الخلق فطموا عن معرفتها“.
معنى ليلة القدر: له معنايان وكلاهما صحيح:
المعنى الظاهر: زمن ليلة من ليالي شهر رمضان نزل فيها القرآن الكريم
المعنى الباطن: أن ليلة القدر هي فاطمة الزهراء.
ما هي العلاقة بين المعنى الظاهر والمعنى الباطن؟ العلاقة هي الظرفية للقرآن.
القرآن الكريم نزل ليلة القدر دفعة واحدة على قلب النبي المصطفى  ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ*عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ*بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾هناك تنزيل وتأويل؟
تنزيل القرآن: حل في قلبك النبي المصطفى.
تأويل القرآن كيف تم؟ الرواية عن الإمام الصادق: ”لما رحل رسول الله نزل بفاطمة غم وهم شديدان فكان ينزل عليها ملك يحدثها تسمع صوته ولا ترى وجهه، نظير ماحصل لمريم بنت عمران ﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ﴾ فاطمة التي هي أفضل من مريم بنت عمران، فاطمة نزل عليها ملك يسليها فكانت تخبر أمير المؤمنين بحديثه وهو يكتب ما يحدثه فاطمة عن الملك فكان ذلك علم تأويل القرآن“ إذن القرآن له تأويل وله تنزيل، وهذا التأويل وصل إلى الأئمة الطاهرين عن طريق أمهم فاطمة الزهراء.
فكما أن تنزيل القرآن حل في قلب المصطفى، كذلك تأويل القرآن حل في قلب فاطمة الزهراء .
ونتيجة للعلاقة بين ظرف التنزييل وظرف التأويل كانت فاطمة الزهراء معنىً من معاني ليلة القدر ومضموناً من مضامين ليلة القدر، ومن عرف فاطمة فقد أدرك ليلة القدر.
 
لماذا سميت الليلة المباركة بليلة القدر؟ لها ثلاثة معاني.
المعنى الأول: إنما سميت بليلة القدر لأنها ليلة التقدير، تقدير الأرزاق والآجال والسعادة، ليلة يُقدر فيها عمر الإنسان وحالاته فسميت بهذا الإسم.
المعنى الثاني: أن المراد بالقدر معناه الشأن، ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ ما أعطوا الله حق شأنه وما أعطوه حق تعظيمه، ليلة القدر هي ليلة المنزلة العظيمة، لماذا أصبحت ذات منزلة قبل نزول القرآن؟ فهي لم تكتسب المنزلة من القرآن، فهي لأنها ليلة القدر لذلك الله أنزل فيها القرآن ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ۚ﴾ لماذا هي مباركة؟
ليلة القدر هي الليلة التي يشهد فيها كل نبي وكل وصي أعمال العباد منذ يوم آدم وحتى يوم الحجة المنتظر «عج».
المعنى الثالث: سميت بالقدر من القدر بمعنى الضيق، في الآية القرآنية ﴿وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ﴾ بمعنى ضيق عليه رزقه، فمالربط بين ليلة القدر والضيق؟ حتى يقال بأنها ليلة الضيق كما ورد في الرواية الشريفة ”إذا كانت ليلة القدر ضاقة الأرض بملائكة الرحمة“. هذه المساحة الواسعة تضيق بملائكة الرحمة الذين ينزلون في هذه الليلة ليطرحوا البركة والخير والعفو والمغفرة والرحمة على سائر العباد فلذلك سميت بليلة القدر.
ما معنى: ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾؟ بمعنى العمل في ليلة القدر يعدل عمل ألف شهر ليس فيه ليلة القدر، الصدقة ليلة القدر تعدل الصدقة ألف شهر، ركعتان في ليلة القدر تعدل آلاف الركعات في ألف شهر، الدعاء في ليلة القدر يعدل آلاف الأدعية في ألف شهر ليس فيها ليلة قدر، كل عمل وعبادة في ليلة القدر فهي في ثوابها وثقلها وقربها من الله تعدل عبادة ألف شهر ليس فيها ليلة قدر.
﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلآَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِن كُلِّ أمر﴾ الآية المباركة قالت: تنزل، ولم تقل نزلت الملائكة، لم تعبر بالفعل الماضي إنما بالفعل المضارع، وهذا معناه أن الملائكة يستمر نزولها لا ينتهي بزمن النبي  بل يستمر نزول الملائكة في هذه الليلة في كل سنة إلى يوم القيامة.
على من تنزل الملائكة؟ الملائكة بإمكانها أنها توزع العفو والمغفرة والرحمة بلا حاجة على أن تنزل على الأرض، ما هو سر نزول الملائكة وإستمرار نزولها في ليلة القدر إلى يوم القيامة؟
القرآن يهتم بذكر الأرض، خلق السماوات والأرض، يسبح لله مافي السماوات ومافي الأرض فعند أخذ نسبة الأرض إلى الوجود لا شئ، ما هي الخصوصية في الأرض حتى يهتم ويعنى بها القرآن في كثير من آياته؟ الأرض وإن كانت كوكباً صغيراً بالنسبة إلى الوجود بأسره إلا أنها موطن حجة الله وخليفته هذه أهميتها، موطن الإنسان الكامل ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ والحجة نبياً أو إماماً محور للملائكة، فهو محور للمجتمع البشري كما قال الإمام علي  يقول: ”بلى والله لا تخلو الأرض من حجة لله إما ظاهراً مشهوراً، أو خائفاً مغموراً، رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل“، أما محور للملائكة قوله تعالى ﴿وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ﴾ روح القدس من الملائكة.
أي نبي يرسله الله يحفه بالملائكة، قوله تعالى ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا*إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا*لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا﴾ إذن الحجة محور للملائكة كما هو محور للمجتمع البشري.

 
ومن أدوار الحجة ووظائف الحجة نبياً أو إماماً: الشهادة على المجتمع، يشهد على الناس والخلائق، القرآن عندما يتحدث عن عيسى بن مريم ﴿وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ﴾ فهو كان شهيداً على مجتمعه، وكذلك موسى ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا﴾ لكل أمة حجة يشهد عليها وعلى أعمالها وعلى أفعالها ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾كل أمة عليها شهيد.
الملائكة ينزلون إلى الأرض لهذا الحجة ويطلعونه على صحائف أعمال الخلائق والعباد فيطلع عليها، ولذلك ورد في الرواية عن الإمام الصادق : ”إن أعمالكم لتُعرض علينا في صحائف من قبل ملائكة الله“.
إذن هذا معنى ﴿تَنَزَّلُ الْمَلآَئِكَةُ﴾ التي تعرض على الحجة الذي من دوره الشهادة على المجتمع البشري وعلى أعماله.
﴿وَالرُّوحُ فِيهَا﴾ ماهو الروح؟ قد يتبادر إلى أن الروح جبرئيل، تارة يقول القرآن ﴿االرُّوحُ الأمِينُ﴾ معناه جبرئيل، وتارة يقول ﴿الرُّوحُ﴾ هو أعظم شأنا من الملائكة، في رواية أبي بصير عن الإمام الصادق  ”أليس الروح جبرئيل، قال: لا، الروح أعظم شأناً من الملائكة ولذلك قال: ﴿تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا﴾“ الروح مبدأ الحياة، وهذا ما عبر عنه القرآن في آية أخرى: ﴿عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ معناه يسألونك عن هذا المخلوق الذي ينزل مع الملائكة ماهو؟ فالروح هو مصدر الأمر والحياة فهو مع الملائكة ينزل إلى الأرض.
﴿بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ﴾ الحياة أمر والروح أمر وكذلك الرزق والسعادة والشقاء، ملائكة كل شئ ينزلون على الأرض لتدبير كل أمر، كل الأمور تدبر في ليلة القدر.
﴿سَلاَمٌ هِيَ﴾ ليس المقصود بها أنه لا يوجد جرائم ولا حوادث، المقصود هي ليلة مغفرة، يُغفر للمؤمن ما أذنب وما عصى في هذه الليلة إذا توجه إلى ربه بالدعاء، لذلك ورد في الرواية الشريفة عن ابن عباس عن النبي محمد  ”أنه تنصب أربعة ألوية للملائكة: لواء في البيت الحرام، ولواء عند قبري، ولواء في بيت المقدس، ولواء في مسجد الكوفة، هذه الأربعة تضم الملائكة ثم يقول النبي: يستغفرون لكل مؤمن يدعو ربه فيها إلا مدمن خمر وعاق والديه والظالم“.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد