الشيخ عبد الله جوادي الآمليّ
السبب المتّصل بين الأرض والسماء
إنّ الإنسان الكامل هو حبلٌ إلهيٌّ ممدودٌ بين الأرض والسماء، وهو همزة الوصل بينهما. ولا يمكن الإحاطة بمقام الإنسان الكامل السامي إلّا بالتأمّل في حقيقة تعليم الأسماء: (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا) (البقرة: 31). والإنسان الكامل في النشأة الطبيعيّة معلّم المجتمعات البشريّة على أساس قوله تعالى: (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) (البقرة: 129)، كما لحضوره مسؤوليّة تجاه الملائكة أيضاً: (فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ) (البقرة: 33)، فتأخذ الملائكة التي تدبّر الأمور والأوامر والإشارات من الإنسان الكامل الوليّ الحاضر في كلّ زمان.
خصائص الإنسان الكامل
ولهذا الموجود المبارك خصائص فريدة، نذكر منها خاصيّتين محوريّتين أشار إليهما أمير المؤمنين عليه السلام ضمن بيانه النوريّ في نهج البلاغة، واصفاً بهما أهل البيت وخاتم الأولياء عليهم السلام:
الأولى: الخصائص العلميّة: يُلاحظ أنّ سائر الناس وإن حاولوا أن يفرضوا آراءهم وأفكارهم على القرآن الكريم، يفسّرون الآيات القرآنيّة بما يتّفق مع أهوائهم، ويحكمون بالرأي، إلّا أنّ المنزلة العلميّة لصاحب العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف والإنسان الكامل تقتضي -مضافاً إلى عدم فرض رأيه الخاصّ على القرآن- أن يُعرَض رأيُه على القرآن، فيُقبَل منه ما يقبله القرآن، ويُردُّ ما يَردّه القرآن: "يعطف الرأي على القرآن إذا عطفوا القرآن على الرأي"(1).
الثانية: الخصائص العمليّة: وفي مجال العمل، حين يصير القرآن تابعاً لميول الناس وأفعالهم، يظهر صاحب العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف، فيجعل الهداية هي التي تقوم وتقهر الهوى، فيصير الهوى تابعاً للهداية: "يعطف الهوى على الهدى إذا عطفوا الهدى على الهوى"(2).
خضوع الإنسان الكامل للإرادة الإلهيّة
لا شكّ في أنّ القرآن الكريم كتاب عزيز لا يمكن للجبال أن تتحمّل عظمته: لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللهِ (الحشر: 21)، إلّا أنّ الإنسان الكامل يتحمّل هذه العظمة؛ لأنّ طاقته وقدرته أقوى من السماوات والأرض والجبال، وهو أقدر المخلوقات على الخضوع أمام هذه العظمة، ما يساعده على أن تتجلّى فيه صفات الحقّ تعالى. ويمكن الإشارة إلى مثالٍ منه فيما وقع لإبراهيم عليه السلام حينما هدّدوه: (قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ) (الأنبياء: 68) إلّا أنّه عليه السلام بقي ثابت الجأش أمام الكفر؛ لمكان خضوعه قبال إرادة الحقّ، فسلّم نفسه طائعاً للنار المشتعلة.
وكما أنّ الأشياء جميعها في النظام التكوينيّ تابعة لمشيئة الله تعالى وإرادته، فإنّ تمام العلوم والمفاهيم والمعارف في النظام التدوينيّ تابعة لعلم الله تعالى المتجلّي في صورة القرآن الحكيم. وعلى هذا الأساس يكون الإنسان الكامل خاضعاً تماماً لإرادة الحقّ التشريعيّة والتكوينيّة، وكلّ إرادة صادرة عنه خاضعة لإرادة الله تعالى.
ماء الحياة
لمّا كان إمام العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف الإنسان الكامل الوحيد في هذا العصر، فهذا يجعله مظهراً لاسم الله الأعظم، وواجداً للكمالات والصفات العليا جميعها. ولذا، يكون الإمام المعصوم أساساً لضمان الحياة المعنويّة وعين ماء الحياة. فالله تعالى يحيي الأرض بعد موتها: (اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا) (الحديد: 17). ولا بدّ في الإحياء من توافر الماء؛ لتوقّفه على وجوده: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) (الأنبياء: 30). والإمام المعصوم عليه السلام هو تلك العين التي يرشح منها ماءٌ زلالٌ يحيي الأرض بعد موتها.
فعن مولانا أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: "يحييها الله عزّ وجلّ بالقائم عليه السلام بعد موتها -بموتها كفر أهلها- والكافر ميّت"(3).
قانون إلهيّ
ثمّ إنّ ماء الحياة ليس مطراً ينزل من الأعلى إلى الأسفل، كما أنّه ليس ماءً نابعاً من عين أو بئر يخرج من بطن الأرض، بل هو حقيقةٌ تظهر في قانون إلهيّ في عالم التشريع وفي قالب إنسان كامل معصوم في عالم التكوين. وممّا لا ينبغي الذهول عنه: أنّ كتاب الله العزيز وصف الدين الإلهيّ بأنّه عين الحياة في عالم التشريع، وقال في بيان إحيائها: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ) (الأنفال: 24). وعليه، فليس الدين أفيوناً للشعوب، بل هو طاقة حيويّة وعامل مؤثّر من عوامل الإحياء.
إحياءٌ للقلوب
حينما ينتشر الجهل والجهالة، تصاب القلوب والقاعدة الفكريّة والثقافيّة للأمّة بالخمود والجمود، فتحتاج الأرض إلى النفس القدسيّ لمسيح هذا العصر لغرض إحياء الأمّة ونهضتها. ومن الواضح أنّه لا أحد يؤدّي دور أثر روح القدس ويكون وجوده عين ماء الحياة سوى وليّ الله الأعظم الحجّة ابن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف.
الحياة المطمئنّة ثمرة إطاعة الإنسان الكامل
إنّ العيش في راحة كان وما زال أمل البشر جميعاً، إلّا أنّه أنّى للإنسان أن يتيقّن بما يوجب له راحة حقيقيّة في حياته؟! وأمّا الإنسان الكامل فيعلم صقع الظاهر وأسرار باطن العالم، فيكون أفضل دليل وأنفع مرشد للمجتمع لإيصاله إلى كمال السعادة إن التزم بإطاعته له. إنّه يعلّمنا لكي نعيش في راحة، علينا أوّلاً أن نعيش حياةً بسيطةً بعيداً عن السعي وراء وسائل العيش المترفة، ثمّ ينبغي لنا التفكير في رفع أُفق الفكر، وصولاً إلى إدراك عدم وجود جمال خارج دائرة روح الإنسان.
ــــــــــــــــــــــــ
1.نهج البلاغة، الخطبة 138.
2.(م.ن).
3.كمال الدين وتمام النعمة، الصدوق، ص668.
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ محمد هادي معرفة
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
الإسلام وميول الإنسان
شروط البحث
الزهراء للإمام عليّ: اشتملت شملة الجنين (1)
التمثيل بالمحقَّرات في القرآن
الشّيخ صالح آل إبراهيم: ميثاقنا الزّوجي
اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا
المادة على ضوء الفيزياء
المعرض الفنّيّ التّشكيليّ (أبيض وأسود) بنسخته الثّالثة
القرآن وجاذبيّته العامة
القرآن الكريم وأمراض الوراثة