مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
عن الكاتب :
فيلسوف، مفسر وعالم دين إسلامي و مرجع شيعي، مؤسس مؤسسة الإسراء للبحوث في في مدينة قم الإيرانية

ونجعلهُمُ الوارثين

 

الشيخ عبد الله جوادي الآمليّ
هو خاتم الأئمّة المعصومين عليهم السلام، وبقيّة الله في أرضه، وناصر حقّه، الذي ادّخره الله سبحانه وتعالى إلى آخر الزمان، حتّى يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلئت ظلماً وجوراً، لذلك اختصّه الله بجملةٍ من الكرامات والميزات دوناً عن غيره من البشر الذين سبقوه جميعاً. فما هي أبرز الخصائص والصلاحيّات التي يتمتّع بها عجل الله تعالى فرجه الشريف؟
الإمام المعصوم عجل الله تعالى فرجه الشريف شاهدٌ على الأعمال
الإمام هو المظهر الجامع للاسم الإلهيّ (الحيّ). ولمّا كانت الحياة مبدأ العلم والقدرة، وكان علم الله علماً شهوديّاً، كان الإمام شاهداً على أعمال الأمّة ومطّلعاً على سائر أفعالهم وأعمالهم؛ إذ الإمام روح ذوي الأرواح، كما أنّ إحاطته بأعمال البشر لا تنحصر في أيّام معيّنة من السنة دون غيرها.
ثمّ إنّ الأعمال تُعرض على الإمام عموماً يومَي الاثنين والخميس؛ إذ يُكشف الغطاء عن أعمال الأُمّة في حضرة الإمام، كما أُشير إلى هذا المعنى في روايات عرض الأعمال. كما تُعرض الأعمال عليه بشكل دائم مستمرّ، كما ورد التعبير عنه في غير واحدةٍ من الروايات الواردة في هذا المقام بلفظ كلّ ليلة وكلّ صباح(1) ونحوهما ممّا هو ناظرٌ إلى استمرار وقوف الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف على أعمال الأُمّة.

روح ذوي الأرواح
فكما أنّ أرواحنا محيطة علماً بما يرتبط بأبداننا وتدرك وتعلم ما يحصل لها، فكذلك الإمام يحيط علماً بما يحصل لأرواحنا، وكأنّه داخل في أرواحنا، وعليه، يصبح الإمام روح ذوي الأرواح، ويمكن الاستدلال على ذلك بقوله تعالى: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ﴾ (الأحزاب: 6).
إنّ الإنسان الكامل، كالرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، أولى بالمؤمنين من أنفسهم وبأرواحهم؛ لمكان تفوّقه الوجوديّ على أرواحهم، فتكون أرواح الأُمّة بمنزلة البدن للروح النبويّة. وإذا كانت حقيقة الإمامة خلافة الله والرسول كما أفاد مولانا الإمام الرضا عليه السلام بقوله: "إنّ الإمامة هي منزلة الأنبياء وإرث الأوصياء. إنّ الإمامة خلافة الله وخلافة الرسول ومقام أمير المؤمنين عليه السلام"(2)، كان كلّ كمال مشترك بين مقام النبوّة والولاية ثابتاً للإمام بالضرورة. وعليه، فإنّ مقام الأولويّة الوارد في الآية الكريمة الثابت للنبيّ بالأصالة لمكان تفوّقه الوجوديّ ثابتٌ بالتبع للإمام المعصوم بما هو خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.


المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف أولى الناس بإبراهيم عليه السلام
صرّح القرآن الكريم بأنّ خاتم الأنبياء محمّداً المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم أولى الناس بإبراهيم عليه السلام: ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ﴾ (آل عمران: 68). لذلك، فإنّ إقامة العدل الشامل محلّ الظلم والجور سيبدأ بعد إقامة الصلاة عند مقام إبراهيم عليه السلام؛ لأنّه أولى الناس بجميع الأنبياء عليهم السلام. عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ القائم عليه السلام إذا خرج، دخل المسجد الحرام، فيستقبل الكعبة، ويجعل ظهره إلى المقام، ثمّ يصلّي ركعتين. ثمّ يقوم فيقول: (يا أيّها الناس، أنا أولى الناس بآدم. يا أيّها الناس، أنا أولى الناس بإبراهيم. يا أيّها الناس، أنا أولى الناس بإسماعيل. يا أيّها الناس، أنا أول الناس بمحمّد صلى الله عليه وآله وسلم). ثمّ يرفع يديه إلى السماء، فيدعو ويتضرّع حتّى يقع على وجهه. وهو قوله عزّ وجلّ: ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ﴾ (النمل: 62)"(3).
 

خاتم الأوصياء وارث الكمالات
لإمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف خصوصيّة عن سائر الأئمّة عليهم السلام ممّن كانت هذه الصفة خافيةً غير ظاهرة فيهم، وهي خاصّيّة وراثة الأرض. لقد كان سائر الأئمّة عليهم السلام وارثين ومورّثين؛ أي أنّهم ورثوا الإمامة وورّثوها لمن تلاهم. أمّا إمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف فليس كذلك؛ لأنّه –كما أفاد السيّد حيدر الآملي رحمه الله ضمن بيانٍ لطيفٍ– خاتم الأولياء والوارث الحقيقيّ؛ أي وارث جميع كمالات الأوّلين والآخرين، وإذ لا يوجد وليّ من بعده، فإنّه لن يكون هناك وارث لميراثه.
قيل: إنّ قوله تعالى: ﴿وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ (القصص: 5) دالّ على إمامته وخلافته وخاتميّته أيضاً؛ لأنّ الألف واللام متى دخلتا على الخبر، أفادتا انحصاره في المبتدأ. فإنّا إذا قلنا: (زيدٌ هو العالم) دلّ ذلك على أنّ غيره ليس بعالم. فكلّ إمامٍ غيره (أي غير المهديّ) من الأئمّة هو موروث، ولا يكون هو الوارث دون غيره؛ لأنّ من بعده وارثه، فدلّ على أنّ الإمام –الذي هو بهذه الصفات- يرث من قبله، أعني: يرث الإمامة، ولا يورث عنه(4).

لقد ورث خاتم الأولياء عجل الله تعالى فرجه الشريف سائر كمالات الأنبياء عليهم السلام ومكارم الأولياء عليهم السلام، وإذ قد جمع معجزات الأنبياء عليهم السلام السابقين، فستظهر معجزات كلّ نبيّ على يده عجل الله تعالى فرجه الشريف، باعتباره مأموراً بتحقيق أهداف الأنبياء كافّة وبإحياء الأرض الميتة بنور العدل.
ــــــــــــــــــــــــ
1.راجع: الكافي، الكليني، ج1، ص219.
2.(م.ن)، ج1، ص200.
3.(م.ن)، ج51، ص59.
4.جامع الأسرار ومنبع الأنوار، حيدر الآملي، ص437.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد