السيد عباس نورالدين
قد يعاني الإنسان في حياته من شتى أنواع المشاكل التي تزيد من شقائه وتعاسته، لكنّه لا يبحث عن حل. فما الذي يكون قد حصل؟ وكيف يمكن للإنسان أن يتعايش مع الألم، رغم أنّه بطبيعته وفطرته يندفع للبحث عن العلاج، وفي أعماقه إيمانٌ حتمي بوجوده؟
الآلام دليل على وجود مشكلة أو خطأ، ولا بد من تصحيح الخطأ للخروج من الألم، وهذا ما نفعله حين المرض؛ لكن إن لم نشعر بالألم، فمن المستبعد أن نتحرك، مهما كان المرض خطرًا. ودرجة الألم دليل على درجة الخطورة أو شدة المشكلة، ولكن هناك من يصل إلى مرحلة يتعايش فيها مع الألم، ولا يلجأ إلى البحث عن العلاج.
في الأمراض الجسمانية، يُقال أنّ هذا المرء قد يئس من وجود علاج، أو يئس من الوصول إليه. لكن ماذا عن الآلام النفسية، هل الأمر كذلك؟
المشكلة الأولى مع آلامنا النفسية هي أنّنا في كثيرٍ من الأحيان نجهل كيف ينبغي أن نتعامل معها. ومشكلة الآلام النفسية أنّها تتفاقم مع مرور الوقت، فلا تجري عليها القاعدة التي تقول الزمن يشفي؛ وذلك لأنّ لهذه الآلام أسبابًا تنبع من سلوكنا أو ذواتنا، ما دامت تصوراتنا وآمالنا وتصرفاتنا فستبقى تلك الآلام وربما تزداد وتشتد. أمّا التغافل عنها، فإنّه قد يورث أمرًا خطرًا جدًّا يمكن أن نعبّر عنه بانعدام التواصل الإدراكي مع الألم رغم وجوده! وهذا ما يُسمّى بقسوة القلب.
أخطر طريقة للتعامل مع مشاكلنا النفسية تكمن في التجلّد والتظاهر بعدم وجودها. فالآلام كما قلنا مؤشرات على وجود أخطاء واقعية فينا. والعاقل الفطن هو الذي يذهب لتصحيح أخطائه من خلال البحث عن أسبابها. إنّ كل مشاكلنا النفسية تنبع من ذواتنا، ونحن مسؤولون عنها تمامًا، بخلاف بعض الأمراض الجسمانية التي قد يكون لها منشأ خارجي.
اقتناعنا بهذه المعادلة هو الخطوة الأولى نحو الحل. فمهما كان الخطأ كبيرًا، طالما أنه صادر عنّا وباختيارنا، فالحل ميسّر وممكن. وما علينا سوى البحث عن السبب والعلة.
أتساءل عن السبب الذي يجعل الكثيرين ممّن يعانون من الحزن الشديد والكآبة والإحباط، لا يبحثون عن المخرج من هذه الآلام المبرحة التي تسلبهم لذة الحياة وبهجتها! ربما لأنّهم اقتنعوا بأنّ الحياة هكذا، ليست سوى معاناة. وهناك من يسلك طريق الهروب الدائم من الألم، فيسعى لتغيير حاله من خلال الابتعاد عن كل ما يمكن أن يكون سببًا لمشكلته حتى لو كانت نفسه، وهذا ما يؤدي غالبًا إلى الغفلة عن الذات، الذي لا يمكن أن يكون شيء أسوأ منه.
إنّ أعمق أسباب مصائب الإنسان في هذا العالم هي في نسيانه لنفسه وفقدان التواصل معها. وقد ذكر الخالق المتعال هذه الحالة كعقاب شديد ونتيجة حتمية للغفلة عن ذكره؛ كما في قوله عز وجل: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْري فَإِنَّ لَهُ مَعيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى}،[1] ويتبين من الآية التالية أنّ هذا الشقاء سيتجلى في نسيان النفس، حيث يقول عز من قائل: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُون}.[2] بل إنّ نسيان النفس أشدّ ضنكًا، لأنّ نسيان الله أشد من الإعراض عن ذكره.
هناك من يتذكر الله لكنّه في هذه الحالة يعرض عن ذكره؛ كذلك الشخص الذي يتذكّر أحد أرحامه، لكنه يرفض زيارته؛ ولكن حين ينسى المرء رحمه ولا يخطر بعدها على باله، فهذا يعني أنّ القطيعة قد تجاوزت كل الدرجات.
إنّ قسوة القلب وتجلّده أمام الآلام النفسية لن يورث سوى هذه الحالة الدائمة من القطيعة المطلقة مع النفس. فهناك ستغور الآلام إلى قعر الباطن، وتصبح أشد وطأة لأنها ستسلب صاحبها بعد ذلك أي فرصة ليدرك جمال الحياة ويستشعر روعتها وما فيها من إمكانات وحظوظ. وكل لذة يطلبها هذا الإنسان عندئذ لن تكون من نصيبه، بل لن تعدو أن تكون سعيًا فاشلًا، لا معنى له عند صاحبه سوى أنّه قد يوصل يومًا ما إلى اللذة المنشودة الضائعة!
أجل، ما يبقى هو الأمل بالوصول إلى شيء تطلبه النفس من الأعماق. لكن هذا الأمل سرعان ما يزول أيضًا؛ لأنّ مطاردي لذة الأبدان بعيدًا عن لذة النفس لن ينالوا شيئًا؛ فهم لا يطاردون سوى العمر الذي سرعان ما يفنى ويزول لتبقى لهم الحسرة والندامة الأبدية.
ــــــــــــــ
[1] سورة طه، الآية 124.
[2] سورة الحشر، الآية 19.
حيدر حب الله
الشيخ عبدالهادي الفضلي
السيد محمد باقر الحكيم
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
الشيخ محمد هادي معرفة
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ جعفر السبحاني
عدنان الحاجي
السيد محمد باقر الصدر
السيد عباس نور الدين
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان