
الشيخ جوادي آملي
كون القيامة موجودة في الوقت الحاضر قابل للإثبات بواسطة عدد من البراهين العقليّة والشواهد النقليّة، وفيما يلي ستتمّ الإشارة الىٰ بعض الشواهد النقليّة:
الأوّل: يعبّر القرآن الكريم عن عدم التفات المفسدين إلىٰ المعاد بـ(الغفلة) فيقول: ﴿لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيد﴾[1] فها هو قد جاء بالمفسد والعاصي إلىٰ محكمة عدله ليريه القيامة والعذاب ويقول له: إنّك كنت غافلاً عن هذه الحقيقة وهي انقطاع الأسباب والأنساب ورجوع جميع الأشياء إلىٰ المبدأ القهّار في يوم القيامة. وهم أنفسهم يقولون: ﴿يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هٰذَا﴾.[2] والغفلة تصدق في الموضع الّذي يكون الشيء فيه موجوداً ولكن لا يُلتفت إليه، وإلاّ فلا يصحّ أن يعبّر بالغفلة عن الشيء المعدوم الّذي لا وجود له.
وفي موضع آخر يقول تعالىٰ: ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُون﴾[3] أي أنّ عبيد الدنيا لم يبصروا إلاّ الظاهر وهو الحياة الدنيا وهم غافلون عن باطن الدنيا وهو الآخرة.
الثاني: الآية الكريمة: ﴿كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ ٭ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ٭ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِين﴾[4] فهي تدلّ بصراحة علىٰ رؤية النار من قِبَل أصحاب علم اليقين، وهذا ناظر إلىٰ الشهود في الدنيا وإلاّ فإنّ جميع الناس سوف يرون النار بعد الموت، سواء كان لديهم علم اليقين في الدنيا أم لا.
والحجاب المانع من ظفر الإنسان بعلم اليقين ورؤية الجنّة والنار هو حجاب الذنب، وأهل الباطن بما أنّهم منزّهون من الذنب، فهم الآن يرون جهنّم والجنّة ويرون كيف أنّ المفسدين والمجرمين يتقلقلون بين أطباق جهنّم وكيف أنّ أصحاب الجنّة يتمتّعون بنعم الجنّة، كما يرون أيضاً كيف ينجو التائب من جهنّم بواسطة التوبة، وكيف يأكل غاصبو مال اليتيم النار: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَار﴾.[5]
الثالث: إنّ الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في المعراج رأىٰ الجنّة والنار عن قرب واطّلع علىٰ أطعمة وأشربة المتّقين والمجرمين. فلو كانت الجنّة والنار غير موجودتين قبل انتهاء النظام الدنيوي، لما رأىٰ النبيّ في المعراج تلك المشاهد. وجاء في بعض الروايات عن العترة الطاهرة (عليهم السلام) حول من ينكر الوجود الفعلي للجنّة والنار: «ما أولئك منّا ولا نحن منهم...».[6]
الرابع: ما روي عن حارثة بن مالك عندما سأله النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) «كيف أصبحت؟» فقال: أصبحت موقناً. فقال له النبيّ: «ما علامة يقينك» فقال: كأنّي أنظر إلىٰ أهل الجنّة وهم فيها مُنعّمون وكأنّي أنظر إلىٰ أهل النار وهم فيهم معذّبون، وكأنّي أسمع زفير جهنّم وشهيقها يرنّ في أذني. فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله) مؤكّداً ومؤيّداً لكلامه وداعياً له: «عبدٌ نوّر الله قلبه».[7] وعلىٰ الرغم من أنّ حارثة عبّر بكلمة (كأنَّ) لا (إنّ) ولكن يجب الالتفات إلىٰ أنّ الشيء المعدوم لا يعبّر عنه حتّىٰ بـ(كأنَّ) لأنّ المعدوم لا يكون مشهوداً لا تحقيقاً ولا تقريباً.[8]
الخامس: البرزخ الّذي هو عالم بين الدنيا والقيامة لابدّ أن يكون واقعاً حتماً بين أمرين موجودين، ولو كان العالم الثالث (القيامة) معدوماً ولم يكن هناك إلاّ عالمان هما (الدنيا والبرزخ) لم يكن البرزخ عندئذٍ برزخاً، لأنّه لا يقع حينئذٍ بين عالمين.
والبرزخ جسر يربط الدنيا بالقيامة الكبرىٰ. وحقيقته إمّا لفحة من ألسنة نار جهنّم أو نفحة من نسيم رياض الجنّة. إذن فالوجود الفعليّ للبرزخ بما هو برزخ هو بنفسه دليل علىٰ وجود القيامة بالفعل، وعلىٰ هذا الأساس جاء في الكثير من آيات القرآن التعبير بـ«الإعداد» والتهيئة للجنّة والنار، كما في الآية الكريمة: ﴿وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِن رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِين﴾[9]، ﴿فَاتَّقُوْا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِين﴾.[10]
فالتعبير بـ(الإعداد) فيه ظهور بالوجود، وبما أنّ الإعداد قد بُيّن بصيغة الفعل الماضي، ويكون حمله علىٰ المضارع علىٰ نحو المجاز من باب أنّ المستقبل المحقّق الوقوع بحكم الماضي وهو يحتاج إلىٰ قرينة خارجيّة، وبما أنّه لا توجد قرينة خارجيّة فالتعبير بالإعداد يدلّ علىٰ الوقوع في الماضي حقيقة وهذا يعني أنّ الجنّة والنار موجودتان فعلاً.
السادس: جاء في الروايات حول سيرة الإمامين السجّاد والصادق (عليهما السلام) أنّهما عند تلاوتهما لسورة الحمد كانا يكرّران الآية الكريمة: ﴿مالِكِ يَوْمِ الدِّين﴾ حتّىٰ يُغمىٰ عليهما. وفي رواية عن الإمام السجّاد (عليه السلام) عندما لم يهرب من نار مضطرمة بالقرب منه فقيل له لِمَ لم تهرب منها؟ فقال (عليه السلام) «ألهتني عنها النار الكبرىٰ».[11] وهذا يكشف عن أنّ الإمام كان يرىٰ «يوم الدين» و﴿نَارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ ٭ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَة﴾[12]، وإلاّ فإنّ اللفظ والمفهوم لا يؤدّيان بالإنسان إلىٰ الإغماء، والإيمان الصادق علامته أن يرىٰ الإنسان جهنّم فعلاً، لا أن يقيم دليلاً عقليّاً علىٰ وجودها.
إنّـك فنّان إذا رأيت النـار عيـانا لا أن تقول دلّ علىٰ النار الدخان
وخلاصة القول هي أنّ الجنّة والنار موجودتان الآن وبالفعل، ولكن بلحاظ حركة الزمان نحن لم نصل إليهما لحدّ الآن، وعدم الوصول لا يدلّ علىٰ عدم الوجود، والّذين اجتازوا المكان والزمان وطووا الماضي والمستقبل فهم قبل انتهاء النظام الدنيوي يرون القيامة جيداً ونحن أيضاً نسير نحوها شيئاً فشيئاً. والتعبيرات القرآنيّة والروائيّة الظاهرة في حدوث القيامة في المستقبل مقصودها أنّ الناس سوف يصلون إلىٰ القيامة فيما بعد لا أنّ القيامة معدومة الآن وبعد ذلك ستوجد.
ــــــــــــــ
[1] . سورة ق، الآية 22.
[2] . سورة الأنبياء، الآية 97.
[3] . سورة الروم، الآية 7.
[4] . سورة التكاثر، الآيات 5 ـ 7.
[5] . سورة النساء، الآية 10.
[6] . البحار، ج4، ص4.
[7] . اُصول الكافي، ج2، ص53.
[8] . في هذا الحديث الشريف ورد تعبير «كأنّ» حول الإدراك (الرؤية) لا حول المورد المُدرك. فإذا تعلّقت كأنّ بالمُدرَك فهي تصدق علىٰ المعدوم أيضاً، ولكن في الموضع الّذي تتعلّق فيه بالإدراك فالمُدرَك قد اُخذ مفروغاً عنه ومسلّماً، فهذا تشبيه في العلم، لا في المعلوم.
[9] . سورة آل عمران، الآية 133.
[10] . سورة البقرة، الآية 24.
[11] . البحار، ج46، ص80.
[12] . سورة الهمزة، الآيتان 6 ـ 7.
معنى (لمز) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
حقّانية المثنّى كمبدأ أنطولوجي (3)
محمود حيدر
التحسس الغلوتيني اللابطني لا علاقة له بمادة الغلوتين بل بالعامل النفسي
عدنان الحاجي
{وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا}
الشيخ مرتضى الباشا
أكبر مسؤوليات التربية... منع تسلّط الوهم على الفطرة
السيد عباس نور الدين
الحرص على تأمين الحرية والأمن في القرآن الكريم
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
نوازع وميول الأخلاقيات
الشيخ شفيق جرادي
المذهب التربوي الإنساني
الشهيد مرتضى مطهري
الحق والباطل: ماء راسخ وزبد يزول
الشيخ جعفر السبحاني
{حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ..} كيف يُنسب اليأس للرسُل؟
الشيخ محمد صنقور
اطمئنان
حبيب المعاتيق
الحوراء زينب: قبلة أرواح المشتاقين
حسين حسن آل جامع
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
معنى (لمز) في القرآن الكريم
حقّانية المثنّى كمبدأ أنطولوجي (3)
التحسس الغلوتيني اللابطني لا علاقة له بمادة الغلوتين بل بالعامل النفسي
لا محبّ إلّا اللَّه ولا محبوب سواه
الدّريس يدشّن ديوانه الشّعريّ الأوّل: (صحراء تتنهد ومطر يرقص)
جلادة النّقد
{وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا}
فوائد الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر
معنى (نسف) في القرآن الكريم
أكبر مسؤوليات التربية... منع تسلّط الوهم على الفطرة