مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد عباس نور الدين
عن الكاتب :
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران: الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه.

لماذا يجب إقامة المجتمع الكامل؟

السيد عباس نورالدين

المجتمع المنشود هو المجتمع الذي تُظهر فيه العلاقات الحاكمة والمساعي الجارية أعظم معاني الكمال الإنسانيّ حين يكون هذا الإنسان تحت أشدّ أنواع الاختبارات.

المجتمع الأسمى هو الذي تتفتّح فيه الكمالات العظيمة الكامنة أثناء الحراك العام لأبنائه، مع وجود كل أسباب الفتنة والاختبار.

إنّه مجتمع يجيب بشكلٍ قاطع على التساؤل {أَتَجْعَلُ فيها مَنْ يُفْسِدُ فيها وَيَسْفِكُ الدِّماء} ويظهر غيب ما في علم الله تعالى، {إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ}. ففيه يثبت البشر بإنسانيّتهم أنّهم أهل للخلافة الإلهيّة رغم كلّ التحديات والبلاءات.

وصحيحٌ أنّ هذا المجتمع سيقضي على كلّ أسباب العداوات والجريمة والتناحر والظلم، لكنه سيضاعف أسباب الحسد أضعافًا كثيرة، وذلك حين تتضاعف حركة الناس باتّجاه الكمالات. ومع ذلك فلن يتحاسد الناس فيه، بل يتنافسون بأحسن ما يكون التنافس.

إنّ السّمة البارزة للمجتمعات المنحطّة استواء معظم الناس في الانحطاط. ولهذا تسمع البعض يقولون بعد زيارة مجتمع بدائيّ أنّهم لم يلحظوا فيه أيّ تحاسد! فلماذا الحسد والكلّ محروم من الكمال؟!

فهذا المجتمع الأكمل هو غاية فعل الله من الخلق كما قال تعالى: {إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ}.

لأن الرحمة تعني إيصال الموجود إلى كماله..

والله تعالى لا يفعل شيئاً إلّا إذا كان يرجع إليه..

وقد اتّضح لنا في "خطّة الإسلام2" أنّ التجلّي بالعظمة المطلقة من ذات الحقّ تعالى لذاته هو المفسّر الأوحد لكلّ أفعاله. وذكرنا أنّه لا معنى لأن يتجلّى لغيره، إلّا إذا كان هذا التجلي يرجع ويعود إليه.

والمجتمع، كمظهر للتدبير الإلهيّ وكظاهرة ربّانيّة ملفتة، لا يشذّ عن هذا المعنى المذكور. فينبغي أن يتّجه كغيره إلى تلك الغاية. وبالخصوص نظراً لما يحمل من معانٍ ودروس وتجلّيات وقضايا.

لم يخلق الله المجتمعات عبثًا أو لمجرّد إيجادها وإهلاكها؛ وإنّما جعلها من أهم تجلّيات عظمته في تدبيره وخلقه.

وإذا لم تكن حصيلة سير المجتمعات عبارة عن تحقّق المجتمع الأكمل، فهذا يعني أنّ الحياة الاجتماعيّة كانت عبثًا ولهوًا.

لهذا اقتضت حكمة الله أن تكون وراثة الأرض وحكومة المجتمع البشريّ للصّالحين من عباده، الذين إن مكّنهم الله في الأرض أقاموا صلاة ذكره والثّناء عليه وتمجيده وآتوا زكاة شكره وتعداد آلائه ونعمه.

وهكذا أمكننا أن نقول: إنّ الله لمّا خلق البشر في بوتقة اجتماعيّة، جعل لحراكهم الاجتماعيّ هدفًا، وجعل المجتمع الأكمل غاية لما سواه من المجتمعات، يسيرون إليه وينتجونه، شاؤوا أم أبوا؛ لأنّ الله غالبٌ على أمره ولو كره المشركون!

ولأنّ المجتمع الأكمل من أسمى وأعلى مظاهر العظمة الإلهيّة، ولأنّ المشيئة الإلهيّة اقتضت ظهور عظمته المطلقة، كان لا بدّ من تحقّق هذا المجتمع ولو بعد حين.

إنّ سرّ ظهور العظمة الإلهيّة في المجتمع الكامل يرجع إلى ما يمكن أن يظهره هذا المجتمع من كمالات إلهيّة. فقدرة الله المطلقة وحكمته اللامتناهيّة ستتجلّى في أرقى مظاهرها في مثل هذا المجتمع.. وذلك بالنظر إلى ما يحقّقه من أرضيّة مناسبة وبيئة حاضنة لتفتّح القابليّات المودعة في الناس الذين يمثلون أعظم آية إلهيّة في الأكوان.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد