مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد محمد حسين الطهراني
عن الكاتب :
عُرف بين الناس باسم العلامة الطهراني، عارف وفيلسوف، ومؤلف موسوعي، من مؤلفاته: دورة المعارف، ودورة العلوم، توفي عن عمر يناهز الواحد والسبعين من العمر، سنة 1416 هـ.

الميزان في تقييم العمل (2)

أمير المؤمنين ميزان العفة وميزان العفو والتسامح

فمن باب المثال تمثّل عفّة أمير المؤمنين ميزاناً، وعليها يقاس باقي الأعمال العفيفة، ذلك لأنّ ميزان الأعمال الذي تقاس به أعمال الإنسان يوم القيامة ليس له إلا كفّة واحدة، كفّة واحدة توضع فيها الأعمال ويكون الوزن للحسنات فحسب، لا أنّ هناك كفّتين تكون في أحدهما الحسنات وفي الأخرى السيّئات، ثم يوازن بينهما ليُعرف ما إن كانت الحسنات سوف تغلب فيدخل الجنة أو السيّئات فجهنّم!! لا.. لا يوجد لدينا أيّة رواية ولا آية بهذا المعنى، فالأعمال السيّئة لا وزن لها أصلاً، ففي يوم القيامة تضيع الأعمال السيّئة وتتلاشى وتصبح هباءً منثوراً، دون أن يكون لها أيّ قيمة أو تأثير لتقوى على تقليل الحسنات أو تؤثر على وزنها، فالحسنة حسنة والسيئة لا وزن لها، وما يوجب الثقل في أعمال المسلمين هو الحسنات {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ}.

فحينئذ يقايسون حسناته مع حسنات الميزان، فيحضرون المؤمن، ويحضرون عفّته وعصمته.. عباداته.. سائر أخلاقه.. ملكاته وأعماله، ويقيسونها بهذا المقياس، فيقولون له: أيّها المؤمن! ليس نبيُّكَ حضرة شعيب ولا لوط وهود ولا صالح ويعقوب وإسحاق ويوسف.. هؤلاء ليسوا ميزاناً لك ولا مقياسك، وإنّما ميزانك أمير المؤمنين، فهو إمامك، وأنت تدّعي أنّك تتّبعه وتطيعه، وأنّك من شيعته، وقد نصبّه الله عليك ولياً بعنوانه إماماً، فنحن تحت رايته ولوائه سواء شئنا أم أبينا، وعلينا أن نقتدي به، وعلى الإنسان أن يقيس أعماله وممشاه طبقاّ لهذا المقياس.

فتقاس عفّته على عفّة أمير المؤمنين وتزان على أساسها، ليلاحظ إلى أيّ حدٍّ هي قريبة منها، وليرى ما إن كان تسامحه وعفوه قريباً من تجاوز وعفو أمير المؤمنين.

 

أيّ تجاوز كان لدى أمير المؤمنين وأيّ عفو؟!

إنّ حياة أمير المؤمنين بجميع مراحلها تمثّل التجاوز المحض والإحسان الخالص، فقد كان عينَ التضحية، ففي ليلة المبيت... (في ليلة المبيت) كان قد نام مكان النّبيّ.. وفداه بنفسه.. ولا يستطيع أحدٌ أن يتخيّل صدور هكذا نوع من التضحية والفداء من نفسه، وكان في جميع حياة النّبيّ المسامح الأوّل والمضحيّ الأكبر.

وكذلك بعدَ رسول الله، حيثُ غضّ النّظر عن حقّه الشّخصيّ من الرياسة والحكومة، وقعدَ في بيته لمدّة خمس وعشرين سنة، كلّ ذلك حفظاً للإسلام، فجلس دون أيّ إقدام أو مبادرة.. ودون أيّ انتفاضة أو ثورة.. حيث كانوا قد عرضوا عليه الكثيرَ في تلك الأيّام الصّعبة التي واجهته وكانوا يقولون له: يا أمير المؤمنين مدّ يدَك لنبايعك، انهض و ثُرْ، كفى بك قعوداً وإعراضاً، قمْ وخذْ حقّك...

إلا أنّه لم يهتزّ أبداً، ولم يعبأ بكلّ ذلك، لأنّه كان من الواضح كالشّمس أنّ هذا القيام سيكون على حساب الإسلام، ولابدّ من الصبر والتّجاوز حتى يبقى دين النبيّ، وسوف لن تكون هذه الثورة موفّقة ومثمرة، بل هي لصالح أولئك الأشرار المعاندين الذين يتربّصون بأمير المؤمنين الدوائر، ويترصّدون هزيمته، بل وهزيمة النّبي والإسلام، فما كان من أمير المؤمنين إلا أن تجاوز عن حقّه عملاً بوصية رسول الله، وحفظاً للقرآن، وحفظاً للإسلام.

فكانت حياته في غاية الصعوبة وفي أعلى درجات المحنة، تماماً كحياة سلطان من السلاطين أو ملِك من الملوك، حينما يبعدونه ويعزلونه، ولا يبقون معه واحداً من جنوده، فأمير المؤمنين لمدّة خمس وعشرين سنة كان يعيش في مثل هذه الظروف، ثم بعد ذلك وصلَ إلى الخلافة الظاهريّة.. فأيّ عفوٍ هذا وأيّ حِلم؟! وأيّ تجاوز وتسامح؟! إنّه في الواقع يبهتُ عقلَ الإنسان على مدى كلّ التاريخ.

كذلك واقعة الجمل وعفوه عن عائشة، وهو ما حيّر جميع العلماء وأدهش العظماء، وكذلك تضحيته وحلمه وصبره. وكذلك مسألة ابن ملجم المراديّ، حيث لم يكن الأمر مزاحاً، فابن ملجم أحبطَ خطّة أمير المؤمنين، وبواسطة ضربته هذه قد أوقف جيش أمير المؤمنين الذي كان يتحرّك إلى قتال معاوية ويزحفُ إلى مواجهته، فمعاوية هو الذي أغراه بقتل أمير المؤمنين، ثم بعد بضعة أيّام توجّه إلى الكوفة، وصعد المنبر وصرّح بأنّي لم أقاتلكم حتى تقيموا الصلاة أو تصوموا، فهذا شأنكم، افعلوا ما تريدون! (أتراني قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحج؟ وقد علمت أنّكم تصلّون وتزكون وتحجّون. ولكنّي قاتلتكم لأتأمّر عليكم وعلى رقابكم، وقد آتاني الله ذلك وأنتم كارهون)، هذا هو الإعلان الرسمي لمعاوية آنذاك، فهو يقولها بصراحة: لا يهمّني إسلامكم هذا، هدفي هو الإمرة عليكم!

وهو ما جعلَ أمير المؤمنين أسيراً مكبّلاً بسبب ضربة ابن ملجم، إلا أنّه مع ذلك حيث وقع ابن ملجم في قبضته، ألم يكن باستطاعته أن يفعل به ما يشاء ويقتصّ منه كيفما يشاء؟! ألم يكن بمقدور أمير المؤمنين أن يبقيه حيّاً ويأمرهم أن يقطعوا منه كلّ يومٍ إصبعا؟! أو أن يقطّعوه إرباً إربا؟! أو يلقوه في النّار؟! ماذا قال لهم أمير المؤمنين؟ الكلّ تعجّب من وصيّة أمير المؤمنين تلك، فما هي هذه النّفسية!! وأيّ روحيّة كان يمتلك؟! وأيّة إنسانيّة لديه؟! ما هي طبيعة هذا العفو؟! ومن أيّ أفق رفيع ينظر إلى الأمور؟!

يقول أمير المؤمنين: بنيّ حسن! إنْ أنا متُّ من ضربتي هذه فاضربه ضربة بضربة (ليس من حقّك أن تضربه ضربتين)، وإنْ تعفو فهو لك خير، وإن بقيت رأيت فيه رأياً وأنا أحقّ بالعفو. هذا هو كلام أمير المؤمنين، فلنقسه على كتاب الله، ماذا يقول كتاب الله؟ يقول: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ} هذا هو أمر القرآن، وهذه هي آيات القرآن، وأمير المؤمنين المتحقّق بحقيقة القرآن قد وقع مورداً للآية، حيث عوقِبَ وظُلم من الآخرين، وضُرب بالسّيف على رأسه، والحال أنّ تمام القدرة بقبضته، إلا أنّ وجوده لا ينفكّ عن حقيقة هذه الآية القرآنيّة أبداً، فهو الشّخص الذي يطلق عليه حارس القرآن، وهو الذي نسمّيه ولي القرآن، وهو الذي يقال له: وليّ القرآن، فهو حقيقة القرآن.

يدّعي الكثير من الأفراد أنّهم على علم بالقرآن وأنّهم يعملون به، إلا أنّهم حينما يواجهون ظروفاً مشابهةً لتلك الظروف، يظهرون بوناً شاسعاً مع تعاليم القرآن، ويبتعد عملهم عن تعاليم القرآن فراسخ متمادية وبعيدة! إلا أنّ أمير المؤمنين على خلاف ذلك. وما أوصى به من عدم تجاوز أكثر من ضربة واحدة، لم يكن لأجل كسر النّفس، أو بغية التصنّع والتظاهر بذلك، أو لأجل التعليم والتّربية طلباً للاقتداء به.. لا أبداً!! إنّما هو عين الواقعيّة، فأمير المؤمنين يدرك أنّ حقّ ابن ملجم هو أن تضربَ عنقه إلا أنّ العفو أفضل، ويدرك لو نجا من ضربته هذه فسوف يكون العفو أحسن، ولكان عفا واقعاً.

ألم يعفُ سيّد الشهداء عليه السلام عن الحرّ بن يزيد الرياحيّ؟! والحال أنّ جميع المصائب التي كان قد ابتلي بها سيّد الشهداء قد جاءت بسبب الحرّ، فلو لم يقف الحرّ بوجه الإمام الحسين لما كان قد توجّه إلى كربلاء. هذه هي حقيقة الولاية التّي سوف تمثّل الميزان يوم القيامة، ففي ذلك اليوم يُحضرون أمير المؤمنين مع جميع عفوه وحلمه وتسامحه، ثمّ يزينونها بواسطة حقيقة تلك الآية القرآنية {وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ} ثمّ يقيسون عفوَ جميع أفراد الأمّة وتسامحهم على أساس هذا الميزان؛ هل عفوتَ أمْ لا؟ في تلك القضيّة تسامحتَ أم لا؟ وفي تلك المسألة حيث كان أحدهم قد فركَ أذنك وأهانك، فقمت أنت بضربه صفعتين على وجهه.. على أيّ أساس قمت بذلك؟ ألم تسمع القرآن حيث يقول: العين بالعين والسنّ بالسن، فإن يضغط على أذنك، اضغط على أذنه، لا تصفعه على وجهه!! وإنْ قام بشتمك أيضاً فليس من حقّك أنْ تلطمه بيدك! وإن قام بصفعك على وجهك فليس من حقّك أن تجلده.. وإنْ قطع يدك فلا يحقّ لك قتله.. {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} أي من حقّك أن توقع بهم ما قد أوقعوه بك دون زيادة، وإنْ تعفو فهو أفضل وأحسن.

إذن، الميزان هو أمير المؤمنين، فهو ميزان التسامح، ميزان العدل، ميزان العفو.   

 

أمير المؤمنين ميزان العدل وحفظ الحقوق

ذكرت لكم قصّة عقيل، فعقيل هو أخ أمير المؤمنين، وكان بينهما منتهى الصّداقة والإخلاص، وغاية الرأفة والألفة، فقد كان شخصاً عزيزاً على أمير المؤمنين، وهو أكبر منه بعشرين سنة، وكانت حياته في غاية الفقر. وذات يوم أتى إلى أمير المؤمنين وطلب منه عطاءً من بيت المال، حيث أن أطفاله كانوا شاحبي اللون من شدة الفقر، وكأنّهم قد صُبغوا بلون قاتم، فملامح الفقر والعوز والغربة قد خيّمت على عيال عقيل.

أتى إلى أمير المؤمنين وطلب منه مالاً فلم يجبه، ثمّ كرّر الطّلب ثانية وطلبَ وطلب حتى أخذ أمير المؤمنين قطعة من الحديد وأحماها على النّار، وكان عقيل ضريراً لا يرى، ثمّ ألصقها ببدنه، فعلا صراخ عقيل من شدّة الألم. فقال له أمير المؤمنين: ثكلتك الثواكل يا عقيل! أي فلتمتْ، أتئنّ من أذى هذه الحديد التي أحميتها أنا، ثمّ تدعوني إلى نار غضب الله التّي أعدّها لمخالفيه المتمردين عليه، بيت المال لجميع المسلمين، هل يمكن أن أعطيك من حقّ الآخرين؟! مهلاً، تعالَ وخذ سهمي أنا، فهذه حصّتي خذها لك.. هذا هو ميزان العدل، يزين بدقّة فائقة، ولا يشتبه في قياسه أبداً.

فبيت مال المسلمين بيد أمير المؤمنين، والأموال تتدفّق عليه من الشّرق والغرب، إلا أنّه لا فرق في العطاء بين أخيه عقيل العزيز العابد والذي تربطه بينهما نهاية المحبّة والصّداقة، وبين شخص أسود حبشيّ قد أسلم حديثاً، ولم يعرف من الإسلام إلا إجراء الشهادتين على لسانه، لا فرق بينهما أبداً.

يقول: أنا لا أستطيع أن أُعطيك أكثر من حقّك، لأنّ الله أمرَ بتقسيم بيت المال بالسويّة بين جميع أفراد المسلمين، فلا يمكنني أن أعطيك ولا تدعوني إلى نار جهنّم.. هذا هو الشّخص الذي يقال له ميزان العدل.

ذات يوم استعارتْ بنتُ أمير المؤمنين من بيت مال المسلمين قلادةً مرصّعة، حيث كان يومَ عيدٍ تتزيّنُ فيه فتيات قريش بأجمل ما لديهنّ من الحليّ وأفخر الزِّيَن، فلم يكن عند بنت خليفة المسلمين عليّ ابن أبي طالب قلادة! (ومن الواضح أنّ صاحبة هذه الحادثة ليست حضرة السيدة زينب ولا أم كلثوم، فهما أعلى وأرفع من هذه المسائل كلّها، بل هي بنت أخرى لأمير المؤمنين، حيث كان لأمير المؤمنين حين وفاته سبعة وثلاثون ولداً بين إناث وذكور) فاستعارت القلادة من حارس بيت المال، ثمّ ما إنْ وقعَ نظرُ أمير المؤمنين على هذه القلادة حتّى سألها: من أين لك هذه؟ أجابت: يا علي،, ليس لديّ شيء أتزيّن به، وهذه أيّام العيد وجميع فتيات قريش متزيّنات بأجمل الزِّيَن، فما هو حالي معهن وكيف أقابلهن وأنا بنت خليفة المسلمين. فقال لها: أرجعيه بسرعة! بسرعة.. بسرعة! فلو كنتِ تعلمين لأجريت عليك الحدّ.

وبعد ذلك اتّجه نحو خازن بيت المال وسأله: كيف تعطيها القلادة؟ فأجاب الحارس: يا أمير المؤمنين إنّي لم أملّكها إيّاها، وإنّما أعطيتها بعنوان عارية تتزيّن بها فتضعها على عنقها مرّتين، ثمّ تُرجعها إلى بيت المال. فقال له أمير المؤمنين: هل لديك من هذه القلادة ما يعادل عدد جميع فتيات المسلمين لتعطيهنّ كلّهنّ؟! قال: لا. فقال له: إذنْ لا خصوصية لابنتي أبداً.

ألم تسمعوا في معركة بدر، حيث أُسر عمّ النّبي العبّاس، وأَتَوا به مكبّلاً بالحبال والأغلال، حيث بات رسول الله يسمع أنين عمّه العباس طوال تلك الليلة، ولم يستطع النّوم لحظة واحدة، حتى سألوه يا رسول الله: لماذا لا تنام؟ فأجابهم: أنينُ عمّي العبّاس سَلبَ منّي النوم، فممّا يئِنّ؟ فقد شدّوا الوثاق والحبال على يديه، فتوجّهوا إلى العبّاس وأرخوا له الحبال حتّى أرتاح واستطاع أنْ ينام. فقال النّبي: قد خفَّ أنينُ عمّي العباس. فقالوا: يا رسول الله، قد أرخينا له الأغلال التي في يده. فسألهم: هل أرخيتم وثاقَ كلِّ الأسرى أم لا؟! قالوا: لا. فقال: لا يجوز لكم فعل ذلك، فهؤلاء أسراكم، وإن تفكّوا الحبال لعمّي وترخوها له، فلا بدّ من فعل ذلك للجميع. فأرخوا الحبال للجميع، وهو حقيقة قوله تعالى {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ}

نعم سيحضرون أمير المؤمنين حينئذٍ، ويعلنون أمام الملأ: أنْ هذا هو ميزان العدالة، وحدود العدالة وحدّها هو ما كان داخلاً في هذا الميزان.. وأنتم أيّها المسلمون، هل تراعون مقياس العدالة وتعملون على أساسه؟ هلْ تمتدُّ يدكَ إلى بيت مال المسلمين؟ هلْ تصرفها على مخارجك الشّخصية؟ وتدع المؤمنين والمسلمين.. والأيتام.. العراة الذين لا لباس لهم.. المساكين.. العجَّز.. الضعفاء.. الجِياع.. المرضى.. كلّ أولئك تدعهم يموتون؟ فيقيسون ذلك حينئذ على أساس ميزان أمير المؤمنين، وكلّما كان منه قريباً، يكون في الجنان القريبة من مقام أمير المؤمنين، وكلّ إنسان يكون أبعد فهو أبعد، والبعيدون كثيراً هم أصحاب جهنّم، والقريب في الجنة، والقريب جداً هو المجاور لأمير المؤمنين، وعليه فإنّ فعّاليّة هذا الميزان دقيقة جداً، فهو بالغ الدقّة والحساسيّة، بل هو أدقّ ميزان على الإطلاق.

يقال: إنّ بعض الموازين حسّاسة إلى حدّ أنّها تتأثّر بوضع ورقة واحدة، فيتحرّك درجتين بوضع الورقة عليه، فكم هو دقيق هذا الميزان، إلا أنّ ذاك الميزان أشدّ دقة وأكثر حساسيّة {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ-وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} فكلّ إنسان سوف يشاهد عمله سواء كان عمله خيراً أم شراً، حتى وإن كان بمقدار الذرّة التي لا ترى بالعين، كذرّة الغبار التي نشاهدها وسطَ أشعّة الشّمس.

فهذا الميزان يقيس كلّ شيء تراه، وذلك من خلال ميزان عدالة أمير المؤمنين، وخيرات أمير المؤمنين، فنفس هذه الشّخصية المباركة ميزان لأعمال الأمّة وحجّة عليها، وسيُنصبُ لهم هذا الميزان ويُشرعُ بعرض أعمال النّاس عليه، كذلك يحضرون عبادة أمير المؤمنين ويأتون بمقامه، ويقيسون عليه ويزينون على أساسه، لمعرفة المرتبة التي بلغتها صلاتهم، ولمعرفة مستوى توجّههم إلى الله.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد