لقد تفطّن أعداء عاشوراء في وقت مبكر جدّاً، إلى أنّ أنجع الأساليب وأقواها فتكاً في محاربة عاشوراء الإمام الحسين (عليه السّلام) هو: هدم المنبر الحسيني المبارك؛ لأنّهم أدركوا أنّ المنبر الحسيني هو الذي يربّي الناس أخلاقياً وإيمانياً وسلوكياً وعاطفياً وعقائدياً، وهو الذي يمدّهم بالثقافات المتنوّعة، ويثير فيهم درجات من الوعي الرسالي، ويعمّق مبادئ عاشوراء في وجدانهم، ويعيدهم إلى رحاب الفطرة الصافية، وينشر فيهم أحكام الله، ويربّي وجدانهم وضميرهم الإنساني، ويصقل مشاعرهم وينميّها، ويغذيها بالمشاعر الجيّاشة والصادقة.
فإذا ما تمّ لهم تدمير المنبر الحسيني فإنّهم يكونون قد حرموا الناس من ذلك كلّه وسوا،ه وكذلك حرموهم من ثواب إقامة هذه الشعيرة الإلهية، وما أعظمه من ثواب، وأجلّها من كرامة إلهية سنيّة. وكان التشكيك بهذا المنبر الشريف وبما يُقال فيه من أبسط وسائل التدمير وأقلّها مؤونةً، وأعظمها أثراً وأشدّها فتكاً، ولقد كان الأنكى من ذلك كلّه والأدهى، هو أنّ بعض مَنْ يُفترض فيهم أن يكونوا حماة هذا الدين، والذابين عن حريمه، والمدافعين عن حياضه من العلماء الذين محضهم الناس حبّهم وثقتهم وأخلصوا لهم لا لأجل أشخاصهم، وإنّما حبّاً وإخلاصاً منهم لدينهم ومعتقداتهم التي يرون أنّهم الأمناء عليها، والحريصون على حفظها ونشرها، إنّ هذا البعض قد أسهم عن غير عمد ـ وبعضهم عن عمد وقصد ـ في صنع هذه الكارثة التي من شأنها أن تأتي على كلّ شيء كالنار في الهشيم، فعملوا على إثارة شكوك الناس بخطباء هذا المنبر المقدّس وفيما يقدّمونه من ثقافة عاشورائية، واتّهموهم بالكذب وبالتحريف وبالافتعال المتعمّد للأحداث، كلّ ذلك ملفّع بأحكام عامة وبمطلقات غائمة وشعارات رنّانة يغدقونها بلا حساب، إسهاماً منهم في زعزعة ثقة الناس بهذه المجالس، الأمر الذي لا يمكن أن يصبّ إلاّ في خانة الخيانة للدين، والاعتداء على عاشوراء وعلى الإمام الحسين (عليه السّلام) في رسالته وفي أهدافه الجهاديّة والإيمانيّة الكبرى.
إنّ الطريقة التي توجه فيها التهم إلى قرّاء العزاء، توحي للناس بأنّهم ـ وحدهم ـ تجسيد للأُمّيّة والجهل ولقلّة الدين ومثال حيّ لأناس يعانون من الخواء من الأخلاق النبيلة، ومن الدين ومن الفضيلة، ومن كلّ المعاني الإنسانيّة وإنّ كلّ همّهم يتّجه إلى تزييف الحقائق وتزيين الخرافات والأباطيل واجتراح الأساطير للناس بلا كلل ولا ملل، ولنفترض وجود بعض الهنات فيما يقرؤونه ولسنا نجد من ذلك ما يستحق الذكر، فإنّ ذلك لا يبرّر لنا اتهامهم بوضع الأساطير والأباطيل، لأنّهم ينقلون ما وجدوه، ويتلون علينا ما قرؤوه، فإن كان ثمة من ذنب فإنّما يقع على غيرهم دونهم.
وفي حين إنّنا لا ننكر وجود شاذّ نادر، حاول أن يزوّر أو يحرّف أو يختلق أمراً، أو أن ينسج من خياله تصويراً لمشهد بعينه لكنّنا نقول: إنّ هذا النوع من الناس في ندرته وفي قلّته وفي حجم محاولاته وفي تأثيره، أشبه بالشعرة البيضاء في الثور الأسود، فلا يمكن أن يبرّر ذلك إطلاق تلك الأحكام العامّة والشاملة الهادفة إلى نسف الثقة بكلّ شيء.
نقول هذا وكلّنا شموخ واعتزاز لإدراكنا أنّ عاشوراء حدث هائل، بدأت إرهاصاته منذ ولد وحتّى قبل أن يولد الإمام الحسين (عليه السّلام) واستمرت الارتجاجات التي أحداثها تتوالى عبر القرون والأحقاب ولسوف تبقى إلى أن يرث الله الأرض ومَنْ عليها، وقد اشتمل هذا الحدث نفسه بالإضافة إلى إرهاصاته وتردداته وآثاره، على مئات الحوادث والتفصيلات والخصوصيات، الصغيرة والكبيرة والمؤثّرة على أكثر من صعيد وفي أكثر من مجال، ولكن وبرغم هذا الاتّساع والشمول فإنّ أحداً لم يستطع ولن يستطيع ـ مهما بلغ به الجد ـ أن يُثبت علميّاً أيّاً من حالات التزوير أو الخرافة، إلاّ الشاذّ النادر الذي يكاد لا يشعر به أحد بالقياس إلى حجم ما هو صحيح وسليم، رغم رغبة جهات مختلفة بالتلاعب بالحقيقة وبالتعتيم عليها، وذلك لشدّة حساسية هذا الحدث، وتنوّع مراميه وتشعّب مجالاته واختلاف حالاته وتأثيراته، وحتّى الذين يُنسب إليهم أنّهم أسهموا في إثارة هذه الحملة الشعواء، يسجّلون هذه الحقيقة بوضوح ويعتزّون بها.
فيذكر الكتاب المنسوب إلى الشهيد المطهّري عن المرحوم الدكتور آيتي قوله: ( إنّ تأريخ أبي عبد الله الحسين (عليه السّلام) يعتبر نسبة إلى كثير من التواريخ الأُخرى تاريخاً محفوظاً من التحريف ومصاناً منه) وذلك إن دلّ على شيء فهو يدلّ على أنّ الله سبحانه قد حفظ هذا الدم الزاكي، ليكون هو الحافظ لهذا الدين، فأراد له أن يبقى مصوناً صافياً نقيّاً، إلى درجة ملفتة وظاهرة، ويتجلّى هذا اللطف الإلهيّ والعناية الربانيّة حين تُفاجِئُنا الحقيقة المذهلة، وهي أنّه حتّى تلك الموارد النادرة جدّاً التي يدّعيها هذا البعض، لم تدخل في تاريخ كربلاء؛ لأنّها قد جاءت مفضوحة إلى درجة أنّها تُضحك الثكلى وتدعو إلى الاشمئزاز والقرف، وذلك من قبيل قولهم ـ كما سيأتي ـ : إنّ عدد جيش يزيد في عاشوراء كان مليوناً وستمئة ألف مقاتل وإنّ الإمام الحسين (عليه السّلام) قد قتل منهم بيده ثلاث مئة ألف، وإنّ طول رمح سنان بن أنس الذي يُقال: إنّه احتزّ رأس الحسين (عليه السّلام)، كان ستين ذراعاً، وإنّ الله قد بعثه إليه من الجنة، وكذلك الحال بالنسبة لعرس القاسم، وظهر بذلك مصداق قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في الحسين (عليه السّلام) إنّه: مصباح هدى وسفينة نجاة، فصدق الله وصدق رسوله وصدق أولياؤه الأبرار الطاهرون والأئمّة المعصومون
ويا ليت هذا الجهد الذي يصرفه ذلك البعض في سياق تشكيك الناس بالمنبر الحسيني قد صرفه ويصرفه باتّجاه توطيد ثقة الناس بهذا المنبر ومضاعفة إقبالهم عليه! ويا ليته يهتمّ أو يُسهم ولو لمرّة واحدة بعمل تحقيقي علمي يستند إلى الأرقام والدلائل والبراهين، ويكفّ عن ممارسة النقد العشوائي والتجريح والقمع! ويا ليته أيضاً ولو لمرّة واحدة مارس عمليّاً، تطوير أساليب المنبر الحسيني، وعمل على رفع مستوى العطاء فيه، وأسهم في تحاشيهم الوقوع في بعض السلبيات أو الأخطاء التي لم يزل يشنّع بها على جميع أهل هذا المنبر، والتي ربما تصدر عن قلّةٍ من خطبائه، ممّن لم تتوفّر فيهم شروطه، ولا بلغوا مستويات العطاء فيه.
وإنّ من أبده البديهيات أنّ المجرم هو الذي يُعاقب، ولا يؤخذ غيره بجرمه، فلو افترضنا أنّ أحداً من الخطباء قد أساء إلى هذا المنبر، وارتكب من الأخطاء ما يفرض موقفاً بعينه، فإنّ المسؤولية الشرعيّة والإنسانيّة، تقضي بحصر الأمر بخصوص ذلك الذي ارتكب هذا الأمر، ولا يجوز بأيّ حال من الأحوال إطلاق الكلام بنحو يثير أيّة علامة استفهام على مَنْ عداه، فإن كان ثمّة مَنْ كَذَبَ وزوّر، فليُذكَر لنا اسمه، وإن كان ثمّة مَنْ اجترح الأساطير والخرافات فليُحدَّد للناس شخصه.
محمود حيدر
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان