مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد جعفر مرتضى
عن الكاتب :
عالم ومؤرخ شيعي .. مدير المركز الإسلامي للدراسات

المرأة المسلمة في مواجهة الطاغوت (3)

أمن العدل يا ابن الطلقاء، تخديرك حرائرك وإماءك، وسوقك بنات رسول الله سبايا؟ قد هتكت ستورهن، وأبديت وجوههن، تحدوا بهن الأعداء من بلد إلى بلد، ويستشرفهن أهل المناهل والمعاقل، ويتصفح وجوههن القريب والبعيد، والدني والشريف، ليس معهن من حماتهن حمي، ولا من رجالهن ولي.

وكيف يرتجى مراقبة من لفظ فوه أكباد الأزكياء، ونبت لحمه من دماء الشهداء؟!  وكيف يستبطأ في بغضنا أهل البيت من نظر إلينا بالشنف والشنآن والإحن، والأضغان؟ ثم تقول غير متأثم، ولا مستعظم: لأهلوا و استهلوا فرحاً، ثم قالوا: يا يزيد لا تشل، منحنياً على ثنايا أبي عبد الله، سيد شباب أهل الجنة، تنكتها بمخصرتك، وكيف لا تقول ذلك، وقد نكأت القرحة، واستأصلت الشأفة، بإراقتك دماء ذرية محمد صلى الله عليه وآله، ونجوم الأرض من آل عبد المطلب؟.

 

وتهتف بأشياخك، زعمت أنك تناديهم، فلتردن وشيكاً موردهم، ولتودن أنك شللت وبكمت، ولم تكن قلت ما قلت، وفعلت ما فعلت. اللهم، خذ لنا بحقنا، وانتقم ممن ظلمنا، وأحل غضبك بمن سفك دماءنا، وقتل حماتنا. فوالله، ما فريت إلا جلدك، ولا حززت إلا لحم ، ولتردن على رسول الله صلى الله عليه وآله بما تحملت من سفك دماء ذريته، وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته، حيث يجمع الله شملهم، ويلم شعثهم، ويأخذ بحقهم: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾.

وحسبك بالله حاكماً، وبمحمد صلى الله عليه وآله خصيماً، وبجبرائيل ظهيراً، وسيعلم من سول لك، ومكنك من رقاب المسلمين، بئس للظالمين بدلاً، وأيكم شر مكاناً، وأضعف جنداً. ولئن جرت علي الدواهي مخاطبتك، إني لأستصغر قدرك، وأستعظم تقريعك، وأستكثر توبيخك، لكن العيون عبرى، والصدور حرى.

 

ألا فالعجب كل العجب! لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء، فهذه الأيادي تنطف من دمائنا، والأفواه تتحلب من لحومنا، وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل، وتعفرها أمهات الفراعل. ولئن اتخذتنا مغنماً لتجدنا وشيكاً مغرماً، حيث لا تجد إلا ما قدمت يداك، وما ربك بظلام للعبيد، وإلى الله المشتكى، وعليه المعول.

فكيد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله، لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا يرحض عنك عارها. وهل رأيك إلا فند، وأيامك إلا عدد، وجمعك إلا بدد، يوم ينادي المنادي: ألا لعنة الله على الظالمين. والحمد لله رب العالمين الذي ختم لأولنا بالسعادة والمغفرة، ولآخرنا بالشهادة والرحمة. ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب، ويوجب لهم المزيد، ويحسن علينا الخلافة، إنه رحيم ودود، وحسبنا الله و نعم الوكيل.  

فلم يجد يزيد ـ الذي صعق لهول الصدمة، وارتبك، ودهش ـ لم يجد في جوابها إلا أن يقول: يا صيحة تحمد من صوائح، ما أهون النوح على النوائح، ومن موقفها هنا وموقفها مع الطاغية ابن زياد، وأيضاً حينما مشت بقدم ثابتة إلى مصرع أخيها الحسين حيث وضعت يديها تحت جثته واستقبلت السماء لتقول: اللهم تقبل من هذا القربان.

 

من كل ذلك نعرف: أن سر قول الحسين عليه السلام وهو يتوجه إلى كربلاء حينما سئل عن حمله النساء والأطفال معه وهو يعلم أنه يقتل، يقول: شاء الله أن يراهن سبايا.

هذه هي المرأة المسلمة التي عاشت الإسلام عقيدة وسلوكاً وهدفاً، وتفاعلت معه، وذاب وجودها فيه، قوية حازمة في موقع الحزم و القوة، صابرة محتسبة في موضع الصبر والاحتساب، وهي أيضاً تفيض رقة وحناناً، حينما يكون ثمة حاجة إلى الحنان والرقة.

هذه هي المرأة المسلمة التي تمثل المستوى الأعلى للوعي الرسالي، سياسياً  واجتماعياً وأخلاقياً وتربوياً، إنها مثال الإنسان الكامل الذي يسخر بكل الرجال المنحرفين وبالطغاة والمتجبرين، ويسحق وجودهم وجبروتهم، والذي يتفاعل مع الأحداث، ويشارك في صنع مستقبل الأمة بإخلاص ووعي وجدية.

 

ونحن الآن بأمس الحاجة إلى هذه المرأة المسلمة، التي تستهدي بهدى الإسلام، وتتأثر خطى زينب، وتقف مواقف فاطمة، وتضحي تضحيات خديجة. ونحن في غنى عن هذه المرأة الحاقدة المعقدة التي تمثل الميوعة والسخف بأجلى مظاهرهما، ولا تعتز إلا بأنوثتها، ولا تهتم إلا بمظاهر فتنتها.

نعم لا نريد المرأة التي لا تعرف إلا البلاجات والبارات والمسارح ودور الأزياء، نحن في غنى عن هذه المرأة، ولسنا بحاجة إليها، إنها ضرر ودمار على المجتمع والأمة، وهي أكبر وأخطر من كل سلاح فتاك يتهدد وجود ومستقبل المجتمعات البشرية جمعاء.

إننا نريد المرأة التي تعتز بدينها وعقيدتها، وبوعيها وبأخلاقها الرضية وسجاياها الكريمة، وتضحي بكل ما تملك حتى بوجودها في سبيل أهدافها العليا، وقيمها النبيلة، نريد المرأة التي تتأثر بخطى زينب بنت علي عليه السلام، وتسير على منهاجها وتؤمن برسالتها.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد