مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد مهدي الآصفي
عن الكاتب :
عالم ومفكر اسلامي كبير، واستاذ في الحوزة العلمية، توفي(٤/٦/٢٠١٥)

المعنى الشمولي للخطاب الحسيني

لا نجد مبرّراً للقول بأنّ خطاب الحسين عليه ‌السلام بالاستنصار كان مقتصراً على أولئك الذين عاصروا الحسين عليه ‌السلام، وشهدوا وقعة الطف.

وليس ثمّة دليل في خطاب الحسين عليه ‌السلام لحجْب هذا الخطاب عن الأجيال التي تعاقبت مِن بعده، ممّن لبّوا هذا الخطاب وأسرعوا في الاستجابة له... فقد كان المجتمع الإسلامي يومئذٍ يمرّ بفترة رهيبة من التاريخ، فقَدَ فيها الكثير من أخلاقيّته وقِيَمه وكفاءاته.

 

ولست أدري ماذا فعَل معاوية، خلال سِنيِّ حُكمه مِن إفساد وظلم، حتّى بلغ المجتمع الإسلامي في عصر ابنه يزيد هذا المبلغ من ضُعف الإرادة ونضوب القيَم، وفقدان الأخلاق، وليس أدلّ على ما نقول مِن أنّ ابن رسول الله صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله يدعوهم إلى الخروج على يزيد، وهم يعرفون الحسين عليه ‌السلام ويعرفون يزيد. ثمّ لا يستجيب له مِن كلّ أولئك الذين خاطبهم الحسين عليه ‌السلام، أو بلَغَهم خطابه، إلاّ اثنين وسبعين رجُلاً فقط.

 

وأصدق وصف لهذا العصر هو الوصف الذي يصفهم به الحسين عليه ‌السلام، كما يرويه الطبري في التاريخ، في أوّل خطبة له عليه‌ السلام بعد وصوله إلى كربلاء:

يقول عليه‌السلام: (إنّ الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت، وأدبر معروفها، ولم يبق منها إلاّ صبابة كصبابة الإناء، وخسيس عَيشٍ كالمرعى الوبيل. ألا ترَون إلى الحقّ لا يُعمل به، وإلى الباطل لا يُتناهى عنه؟).

وهو وصفٌ دقيق لذلك العصر، ولإثبات هذا الوصف يقول الإمام عليه ‌السلام: (ألا ترَون إلى الحقّ لا يُعمل به؟).

 

ومِن أجْل ذلك نعتقد أنّ خطاب الحسين عليه ‌السلام لا يقتصر على عصره، ليس مِن سبب لحجْب هذا الخطاب عن العصور التي تلي ذلك العصر.

ولسنا نريد أن ننفي مخاطبة الناس في ذلك العصر مِن جانب الحسين عليه ‌السلام، ولكنّا نريد أن نقول إنّ روح هذا الخطاب أوسع من ذلك العصر.

 

إنّ الصراع الذي خاضه عليه ‌السلام في سنة إحدى وستين هجرية حلقة متوسّطة مِن سلسلة طويلة من الصراع بين التوحيد والشِرك والهدى والضلال، يتّصل طرف منه بصراع الأنبياء عليهم ‌السلام مع أئمّة الكفر، والحسين عليه ‌السلام وارث هذه السلسلة المتّصلة مِن أئمّة التوحيد.

ويتّصل الطرف الآخَر منه بسلسلة طويلة من الصراع، في امتداد الطف يقوده أئمّة التوحيد، حتّى يتسلّم المهدي مِن آل محمّد صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله لواء التوحيد، ويطهّر الأرض من رجْس الشِرك والظلم.

 

وعاشوراء مِن المفاصل الأساسية في هذه السلسلة الممتدّة من الصراع بين التوحيد والشرك والهدى والضلال.

وخطاب الحسين عليه ‌السلام خطابٌ شامل لكلّ أولئك الذين بلَغهم هذا الخطاب، ومكّنهم الله تعالى مِن وراثة تراث عاشوراء، ورزقهم الله الوعي والبصيرة.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد