مقالات

مفاتيح العيوب والذنوب

الشيخ محسن قراءتي

 

كما أن للشيخوخة والكبر دورًا في تهيئة الأرضية لهجوم الأمراض المختلفة على صاحبها، كذلك تكون العيوب مفتاحاً للذنوب.

1 ـ الحسد: يجبر الإنسان على ارتكاب أنواع الذنوب، مثل التخلف عن الأعمال والتهمة والكذب وسوء القصد و...

كما قال الإمام الصادق (عليه السلام):

«إنّ الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب».

وعليه يسعى الإنسان الحسود بأي طريقة إلى تحطيم رقيبه بأية وسيلة.

2 ـ البخل والحرص: يعدّ البخل أحد العيوب المؤدية إلى ارتكاب الذنب، إذ هو مانع عن إعطاء الحقوق الشرعية، مثل الزكاة، والخمس، وعدم الإنفاق في سبيل الله سبحانه، وغيرها من الذنوب، إضافة الى ذلك اشمئزاز الناس من البخيل مما يؤدي إلى سوء الظن به وسبّه.

قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام):

«البخل جامع لمساوىء العيوب وهو زمام يقاد به إلى كل سوءٍ».

وكذلك الحرص فهو باعث للذنوب، كنقص المكيال والاحتكار، والإجحاف في الأسعار، والرشوة والتملّق مما يؤدي إلى قلة التقوى وضعفها عند الحريص.

3 ـ الكذب: يبرر الإنسان الكاذب ذنوبه بأنواع التبررات والحجج وتحت غطاء الكذب يقوم باقتراف مئات الذنوب.

قال الإمام الحسن العسكري (عليه السلام):

«جعلت الخبائث كلها في بيتٍ وجعل مفتاحها الكذب».

4 ـ الغضب والأخلاق السيئة: الغضب عيب آخر للذنب يؤدي بصاحبه إلى الفحشاء والغيبة والمعاداة وأنواع السيئات.

قال الإمام الحسن العسكري (عليه السلام):

«الغضب مفتاح كل شرٍّ».

وهناك عيوب كثيرة تمهّد الأرضية إلى اقتراف الذنوب الأخرى، كسوء الظن، وشرب الخمر، والعداء، والتكبر، و ... ونكتفي بهذا المقدار لأجل الاختصار.

 

طريق آخر لمعرفة الذنوب:

ورد في القرآن الكريم أن هناك ثمانية عشر مجموعة اقترفوا ذنوباً مختلفة فأصبحوا عرضة للعن.

اللّعن: ومعناه الطرد والابتعاد من رحمة الله سبحانه. وهو مقرون بالغضب وبالرغم من أن رحمة الله الواسعة شملت كل شيء إلاّ أنّ أولئك الملعونين لا تشملهم الرحمة وجاء في الآية 152 من سورة الأعراف:

﴿ورحمتي وسعت كلّ شيءٍ﴾.

والإنسان بمحض إرادته قد تبوّأ مكاناً استحق به اللعن، فمثله كمثل الكرة المغلقة في وسط المحيط لا تصل إليها قطرة من بحر الرحمة الواسعة.

الملعونون في القرآن عبارة عن الكفار والمشركين، واليهود المعاندين والمصرّين على إنكار الحق ومساندتهم لأصحاب الأوثان، المرتدون، والمحتالون المعارضون للقوانين الإلهية ناقضو المواثيق الكاتمون للحق، وزعماء الكفر لإفسادهم في الأرض، والمنافقون المتملقون الذين آذوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، والظالمون، والقاتلون بغير حق، وإبليس، والقاذفون للمحصنات الطاهرات، والمخالفون للقادة الصالحين، والذين يفسدون في الأرض وأصحاب القلوب الخبيثة والكاذبون.

وجاء في الروايات الإسلامية أن اللّعن جعل للذين اتصفوا بالصفات التالية:

قال الإمام الصادق (عليه السلام) إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «خمسة لعنتهم وكلّ نبي مجاب: الزائد في كتاب الله والتارك لسنتي، والكذب بقدر الله، والمستحل من عترتي ما حرم الله، والمتسأثر بالفيء المستحل له»، ومن دعا إلى فعل الخير وهو تاركه أو من حذّر الآخرين من ارتكاب الذنوب وهو فاعله.

ولمعرفة الذنوب أكثر هناك حديث مشهور يشير إلى وجود جنود للعقل وللجهل وهو دليل جيد لمعرفة هذا الموضوع، ففي البداية نقول:

 

جنود العقل والجهل:

«عن سماعة بن مهران قال: كنا عند أبي عبد الله (عليه السلام) وعنده جماعة من مواليه فجرى ذكر العقل والجهل، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): اعرفوا العقل وجنده والجهل وجنده تهتدوا، قال سماعة: فقلت: جعلت فداك لا نعرف إلاّ ما عرّفتنا، فقال أبو عبدالله (عليه السلام): إن الله عزّ وجل خلق العقل وهو أول خلق من الروحانيين عن يمين العرش من نوره فقال له: أدبر فأدبر، ثم قال له: أقبل فأقبل؛ فقال الله تبارك وتعالى: خلقتك خلقاً عظيماً وكرّمتك على جميع خلقي، فقال: ثم خلق الجهل من البحر الأجاج ظلمانياً، فقال له: أدبر فادبر؛ ثم قال له: أقبل، فلم يقبل، فقال له: استكبرت فلعنه، ثم جعل للعقل خمسة وسبعين جنداً فلمّا رأى الجهل ما أكرم الله به العقل وما أعطاه أضمر له العداوة ، فقال الجهل: يا رب هذا خلق مثلي خلقته وكرّمته وقوّيته وأنا ضده ولا قوة لي به فأعطني من الجند مثل ما أعطيته فقال: نعم فإن عصيت بعد ذلك أخرجتك وجندك من رحمتي قال: قد رضيت فأعطاه خمسة وسبعين جنداً فكان مما أعطي العقل من الخمسة والسبعين الجند ... فلا تجتمع هذه الخصال كلها من أجناد العقل إلاّ في نبي أو وصي نبي أو مؤمن قد امتحن الله قلبه للإيمان ... ».

 

ناقوس الخطر:

بالإمكان معرفة الذنب من خلال تعابير مختلفة تشير إلى شدة وضعف خطر الذنب. فقد جاء في الإسلام النهي عن بعض الذنوب. مثل قوله تعالى:

﴿ولا تأكلوها إسرافاً﴾ (الآية 6 سورة النساء).

وفي بعض الموارد عبر بالابتعاد عن الذنب. كقوله تعالى:

﴿واجتنبوا الطّاغوت﴾ (الآية 36 من سورة النحل).

وجاء في البعض الآخر تعبير النهي عن التقرب إلى بعض الذنوب كقوله تعالى:

﴿ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن﴾ (الآية 151 من سورة الأنعام).

فالاجتناب وعدم التقرب يدلان على نوعين من الخطر فمثلاً: يقولون لا توصل الكبريت إلى النفط بينما في البنزين يقولون لا تقرب الكبريت إلى البنزين فالفرق كبير بين أن توصل وتقرب، فلو قربنا الكبريت إلى البنزين لحدثت كارثة.

فذنب الزنا وأكل مال اليتيم ودخول الكفار إلى المسجد الحرام في مكة فهذه الذنوب بمثابة البنزين، لذلك ورد في القرآن الكريم ﴿لا تقربوا﴾ وكذلك ﴿فلا يقربوا المسجد الحرام﴾.

إن هذه التعابير إنذار ينبىء عن خطورة التقرب لمثل هذه الذنوب كالزنا والفحشاء وأكل أموال اليتامى لأنها باعثة لوسوسة الشيطان ووقوع الإنسان في التهلكة.

وأيضاً توصي بضرورة الابتعاد عن العوامل والأرضية المهيأة للذنب، فالمحيط الفاسد والملوث والباعث للانحراف الشديد والسقوط في الذنب يجب الابتعاد عنه.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد