مقالات

الحياة الدنيا ستارٌ مُلقىً على عيوبنا

الإمام الخميني "قدّس سرّه"

 

البرزخ عالَمٌ يتوسّط عالَم الدنيا وعالَم القيامة.

 

ولا بدّ أن تعرف أنّ «عالَم برزخِ» كلِّ شخص، نموذجٌ عن نشأته يومَ القيامة، وأنّ كوّةً من الجنّة أو النار تنفتح على عالَم البرزخ.

 

في الحديث النبويّ المعروف: «القَبْرُ إمّا رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ أوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النِّيران».

 

يشاهدُ الإنسان لدى سكَرات الموت والاحتضار صورَ أعماله وآثارها، ويسمع من ملَك الموت بشارة الجنّة أو الوعيدَ بالنار.

 

وكما أنّ هذه الأمور تنكشف له قليلاً، كذلك تنكشف له الآثار التي تركتْها أعماله وأفعاله في قلبه، من النورانية وشرح الصّدر ورحابته، أو أضدادها –أيضاً- من الظّلام والكدُورة والضّغط وضِيق الصّدر.

 

فإنْ كان من أهل الإيمان والسّعادة، يستعدّ قلبُه عند معاينه البرزخ لمشاهدة النّفَحَات اللّطيفة اللُّطفيّة... وتظهر فيه آثارُ تجلّياتِ اللّطف والجمال، فيأخذ القلبُ في حبّ لقاء الله، وتشتعل فيه جذوة الاشتياق إلى جمال المحبوب... ولا يعلم أحدٌ إلا الله تعالى، مقدارَ اللّذات والكرامات الموجودة في هذا التجلّي والاشتياق!

 

وكذلك، إنْ كان من أهل الإيمانِ والعمل الصالح، أُغدِقت عليه من كرامات الحقّ المتعال بقدر إيمانه وأعماله، ويراها لدى الاحتضار، فيتوق إلى الموت ولقاء كرامات الحقّ، ويرتحل عن هذا العالَم بالبهجة والسرور والرَّوح والريّحان، ولا تطيق الأعين الـمُلْكية والذائقة المادية رؤيةَ هذه الكرامات ومشاهدة هذه البهجة والفرح.

 

وإنْ كان من أهل الشقاء والجحود والكفر والنفاق والأعمال القبيحة والأفعال السيّئة، انكشف له -بقدر نصيبه من دار الدّنيا وما وفّره واكتَسبه لنفسه منها- من آثار السّخَط الإلهيّ والقهر، ونموذجٌ من دار الأشقياء، فيدخل الذّعرُ والهلَع نفْسَه بدرجةٍ لا يكون شيءٌ عنده أبغضَ من التجلّيات الجلالية والقاهرة للحقّ المتعال، وتستولي عليه من جرّاء هذا البغض والعداوة الشديدَين، الضغوظُ والظلام والصّعابُ والعذاب.

 

إنّ الحياة الدّنيا كانت ستاراً ملقىً على عيوبنا، وحجاباً على وجه أهل المعارف، وعندما يُزاح هذا الستار، ويُخترَق هذا الحجاب، يرى الإنسان نموذجاً ممّا أعدّه لنفسه وكان فيه.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد