الاعتقاد بوجود المنجّي الموعود
لا شكّ في أنّ الأرض مستنيرة بنور مصباح الهداية وضياء الإمام المعصوم عليه السلام، وأنّ الخلائق في ضيافة مائدة الرحمة وواسطة الفيض؛ أعني: الإنسان الكامل بلا انقطاع. وقد أشارت جملةٌ من الروايات إلى هذا المعنى الأصيل كما عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ اللّه أجلّ وأعظم من أن يترك الأرض بغير إمامٍ عادلٍ"(1). لقد كان الوجود المستمرّ للإمام المعصوم والخليفة الإلهيّ مورد تأكيد في أحاديث أهل بيت العصمة عليهم السلام حتّى جاء عنهم عليهم السلام: "لو بقيت الأرض بغير إمامٍ لساخت"(2)، وعنهم أيضاً: "لم تخلُ الأرض منذ خلق اللّه آدم من حجّةٍ لله فيها: ظاهرٍ مشهورٍ أو غائبٍ مستورٍ. ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجّةٍ لله فيها. ولولا ذلك لم يُعبَد الله"(3).
وعلى هذا الأساس، يرتكز الاعتقاد الراسخ لأتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام على هذا المبنى الحاكم؛ أعني: أنّ الأرض لا تخلو من حجّةٍ، وأنّه في كلّ عصرٍ يوجد إمامٌ معصومٌ يعيش بين عباد الله، ويكون خليفةً لله وحجّةً له على عباده. ولذا، تشكّل ولادة الحجّة الغائب المهديّ الموعود عجل الله تعالى فرجه الشريف ووجوده عقيدةً راسخةً وعميقةً عندهم. كما أنّ وجه الاختلاف بين أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام وبين غيرهم من المؤمنين بظهور المنجّي الموعود في أصل وجود الموعود، وإلّا فإنّ من عداهم يعتقد أيضاً بالمنجّي الموعود.
تفادي ميتة الجاهليّة
بعد الاعتقاد بوجود الموعود، يلزم معرفته وعرض الإنسان روحه ونفسه عليه وعلى خدمته؛ لغرض تعميق حقيقة الانتظار، وإليه الإشارة فيما أفاده رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم من أنّ حياة وموت مَن لا يعرف إمام زمانه حياةٌ وميتةٌ جاهليّةٌ: "مَن مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهليّةً"(4). والسرّ فيه: أنّ الموت عصارة الحياة، وكلّ فرد يموت وفق ما حيي عليه، ومن مات ميتةً جاهليّة يكون قد عاش كذلك؛ إذ لا يمكن لمن يعيش حياةً عقليّةً أن يموت ميتةً جاهليّةً. وتشير الآيات القرآنيّة إلى جملة من التعاليم التي تؤكّد ضرورة أن يعيش المسلم حياةً عقليّةً، فاطِماً نفسه عن الحياة والموت الجاهليّين.
لقد أوصى الأنبياء عليهم السلام الناس جميعاً بالموت على الإسلام، كما ورد في القرآن الكريم على لسان إبراهيم الخليل ويعقوب عليهما السلام. قال تعالى: ﴿وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ (5). كما يوصي اللّه المؤمنين بأن لا يموتوا إلّا مسلمين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ (6). فمن لم يعش في ظلمات الجاهليّة، بل عاش حياةً "طوبى" عقليّة، فقد عرف إمام زمانه معرفة صحيحة، وأدرك أنّه مظهرٌ لقوله تعالى: ﴿أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ...﴾ (7)، فيكون زمام تمام الأمور بيده بإذن اللّه. وفي ظلّ هذه المعرفة ينجو من الحياة والموت الجاهليّين، وينال حياةً عقليّةً، كما ينال الموتَ على الإسلام، فيكون في حياته منتظراً حقيقيّاً لإمام زمانه.
معرفة الإمام وولايته
ليس المراد بمعرفة الخليفة الإلهيّ وإمام كلّ عصر مجرّد المعرفة الأوّليّة القائمة على أساس معرفة حَسَبه ونسبه إلى جانب المعرفة التاريخيّة له، فيكون المرء على معرفة باسم الإمام ونسبه وتاريخه، فيتوهّم أنّه نال المعرفة الباعثة على الحياة والإحياء المنجيّة من الموت الجاهليّ، بل الحياة العقليّة ثمرةٌ لمعرفة الإمام والاعتقاد بالولاية ومعرفة الشخصيّة الحقيقيّة للإمام مع طاعته.
"الأمل رحمةٌ لأمّتي"
لحقيقة الانتظار، التي هي من أعظم العبادات، انسجام مع الأمل وافتراق عن الرجاء المذموم المحض. وقد صرّح القرآن الكريم بأنّ الأمنيّة من الخرافات: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ...﴾ (8). والأمنيّة هي ذلك الرجاء الذي لا يرافقه عملٌ وسعي دؤوب. وأمّا الرجاء، فهو ثمرة قابلة للنموّ منسجمة مع المقدّمات، من قبيل رجاء أُمّ في نموّ ابنها ورشده، ورجاء غارس شجرةٍ في ازدهار زرعه؛ فإنّ مَن انعقد لها هذا الرجاء لم تقصّر في إرضاع ابنها ومدّه بوسائل النموّ اللازمة، أو تعهّد هذه النبتة الطريّة بما يساعد على اشتداد عودها على النموّ والرسوخ، ومدّها بجميع ما تحتاج إليه من سماد وماء وعناية. عن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: "الأمل رحمةٌ لأمّتي، ولولا الأمل ما رضّعت والدة ولدها، ولا غرس غارسٌ شجراً"(9).
قيمة الـمُنتظر
ترتبط قيمة الانتظار بقيمة المنتظر، وحرمة الترقّب بمقدار تأثير المترقّب، مع أنّ لصاحب العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف تأثيراً أعمّ من معارف الوجود والعدم، كما أنّ المسائل الباحثة عمّا ينبغي وما لا ينبغي وما يتوسّط بينهما أعمّ من الإنسان وغيره، ونِصاب قدرته هو تغيير الظلم والجور الذي لوّث العالم بالعدل والقسط، واستحالة جهنّم الحارقة بنار القوى -التي كانت سبباً في امتلاء حياة البشر بغبار الظلم ودخان الطغيان بيد الانتقام الإلهيّ- إلى نار هامدة؛ لتُبنى على أنقاضها جنّة مشفوعة بالمساواة والعدل والأُخوّة والإنصاف. ومعه تكون ساحة انتظار المنتظرين شاملة لدائرة البشريّة جمعاء؛ وذلك أنّ جميع البشر يعيشون على شعاع أمل بزوغ شمس العدل والحريّة، وقد عال صبرهم لمشاهدة هذا الطلوع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. الكافي، الكليني، ج1، ص178، باب لأنّ الأرض لا تخلو من حجّة.
2. (م.ن)، ج1، ص179.
3. كمال الدين وتمام النعمة، الصدوق، ص207، باب 21: العلّة التي من أجلها يُحتاج إلى الإمام عليه السلام.
4. الكافي، (م.س)، ج2، ص21.
5. القرآن الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 132، الصفحة: 20.
6. القرآن الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 102، الصفحة: 63.
7. القرآن الكريم: سورة الرعد (13)، الآية: 33، الصفحة: 253.
8. القرآن الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 123، الصفحة: 98.
9. بحار الأنوار، المجلسيّ، ج74، ص173.
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ محمد هادي معرفة
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
الإسلام وميول الإنسان
شروط البحث
الزهراء للإمام عليّ: اشتملت شملة الجنين (1)
التمثيل بالمحقَّرات في القرآن
الشّيخ صالح آل إبراهيم: ميثاقنا الزّوجي
اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا
المادة على ضوء الفيزياء
المعرض الفنّيّ التّشكيليّ (أبيض وأسود) بنسخته الثّالثة
القرآن وجاذبيّته العامة
القرآن الكريم وأمراض الوراثة