مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ فوزي آل سيف
عن الكاتب :
من مواليد سنة «1379 هـ» في تاروت ـ القطيف، درس المرحلة الابتدائية في تاروت وهاجر للدراسة الدينية في الحوزة العلمية بالنجف ـ العراق سنة 1391 هـ. التحق في عام 1394 هـ، بمدرسة الرسول الأعظم ودرس فيها الأصول والفقه وتفسير القرآن والتاريخ الإسلامي والخطابة والأدب، في عام 1400 هـ هاجر إلى الجمهورية الإسلامية في إيران وشارك في إدارة حوزة القائم العلمية في طهران، ودرّس فيها الفقه والأصول والثقافة الإسلامية والتاريخ الإسلامي، وأكمل دراسة المنهج الحوزوي في الفقه والأصول. انتقل لمتابعة دراساته العالية إلى قم في بداية عام 1412 هـ ودرس البحث الخارج، عاد في نهاية عام 1418 هـ إلى وطنه القطيف. صدر له عدد من المؤلفات منها: "من قضايا النهضة الحسينية أسئلة وحوارات، نساء حول أهل البيت، الحياة الشخصية عند أهل البيت، طلب العلم فريضة، رؤى في قضايا الاستبداد والحرية، صفحات من التاريخ السياسي للشيعة" وغير ذلك..

مناقب الزهراء (ع) وتنكّر الاتجاه الأموي

ينكر البعض مقامات الأنبياء والمرسلين والأوصياء والمعصومين، ولكن بدرجات متفاوتة فقد يقبل منزلة للنبي ولكنه لا يقبلها في الوصي، وهكذا.

 

والنبي أو الوصي الذي يستكثر عليه هذه المرتبة أو تلك لا يتضرر بجهل الآخرين منزلته، وإنما المتضرر هو جاهل تلك المنزلة والغائب عن إدراكها، فإنه بمقدار ما (يعرف) الشخص النبي أو الوصي فإنه بنفس المقدار سيزداد اعتقاده به وإيمانه، وربما اقتداؤه وتأسيه به. تمامًا مثلما أنّ الشخص كلما ازداد معرفة بالله تعالى، ازداد خوفه منه ورجاؤه إيّاه، وتعظيمه في نفسه وطاعته. فقد ورد في الحديث عن الإمام الحسين عليه السلام: «إنّ الله عزّ وجلّ ما خلق العباد إلّا ليعرفوه، فإذا عرفوه عبدوه»[1] وفي حديث آخر يبين الجهة السلبية لعدم المعرفة، فقد قال قوم للإمام الصادق عليه السلام: ندعو فلا يُستجاب لنا؟ قال: لأنّكم تدعون من لا تعرفونه»[2] وبالطبع ليس المقصود هنا من لا تعرفونه أصلًا، وإنما من لا تعرفونه كما ينبغي.

 

ولهذا السبب كانت درجات العباد تتفاوت بأمور؛ منها بدرجة معرفتهم لله تعالى ثم للنبي وبعده للوصي! وإنكار المراتب العالية والمقامات السامية للذوات المقدسة تارة يتخذ شعار العقلنة، وأخرى التجديد في الثقافة، وتارة ثالثة الانعتاق من الموروث الديني.. وهكذا!

 

والأمر أوضح حين يتعلق بمراتب ومقامات الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام. فإننا رأينا التنكر من قبل أتباع النهج الأموي لهذه المقامات والفضائل بشكل واضح... حتى أن رواياتها ترمى بالغلو تارة وبالكذب والوضع أخرى! ويهمنا هنا أن نشير إلى بعض أسباب ذلك التنكر والرفض:

 

فمن الأسباب اختلاف مصادر المرجعية الدينية في المدرسة:

وذلك أن كل فئة لها مدرسة خاصة ومصادر فكرية ومرجعية دينية، تعتمدها فتثبت ما تثبته وترفض ما لا تثبته، فمثلًا عندما نتحدث عن عظمة النبي صلى الله عليه وآله وعصمته وأنه أول الخلائق منزلة وعظمة، وأن اصطفاءه واختياره للنبوة كان وآدم منجدل في طينته... فإن كل ذلك مما لا يتعقله المسيحي واليهودي، فإنهما حتى لو كانا - فرضًا -يعتقدان بأنه من رسل الله، إلا أنهما لا يعتقدان فيه هذه المراتب والدرجات!

 

وبنفس الصورة يكون غير الشيعي الذي مصادره لا تحتوي على منازل ومقامات المعصومين الأربعة عشر، إلا بالنحو اليسير، بل هو يتعامل معهم باعتبارهم أناسًا عاديين! وفي أحسن الفروض على أنهم علماء متقون ورواة صادقون! ولكنهم في باقي القضايا كسائر الناس لا يمتازون عنهم بشيء!

 

وقد التفت لهذه الجهة شيعة أهل البيت عليهم السلام، فحاولوا إثبات المقامات والفضائل للمعصومين وخصوصًا السيدة الزهراء من كتب خصومهم، ومن مصادر مدرسة الخلفاء.

 

وقد ظن بعض من لا دراية له، أن هذا دليل على أن الشيعة لا يعتقدون بكتب مدرستهم الخاصة، ولا يثقون بها وإنما يثقون بمصداقية كتب مدرسة الخلفاء ولذلك يستدلون بها! وهذا توهمٌ وقلة معرفة فإن من أصول النقاش المذهبي والجدل وقواعد الإلزام هو أن تستدل على الخصم بما يقبله هو، لا بما لا يقبله! ومن المعلوم أن أتباع مدرسة الخلفاء لا يقبلون أحاديث الأئمة كحجة شرعية. فكان المناسب أن يُحتج عليهم بما هو ثابت عندهم.

 

ومن الأسباب محدودية البشر في مقاييسهم:

فإنه لما كانت هذه المناقب والدرجات تنتمي إلى عالم الغيب، وكان الإنسان في هذه الحياة محدودًا بحدود الحواس الخمس وأقصى آفاقه لا تصل إلا إلى حاجاته عادة؛ حيث تم تزويده ليعيش في هذه الدنيا ضمن هذه الحواس وبمقدارها! فكانت آفاق الغيب وعوالمه بعيدة عن هذه المقاييس وأكبر منها.

 

بل إنه حتى في حدود دائرة الشهود والواقع الخارجي لم يعطَ من الإمكانات إلا بمقدار ما يحتاج إليه، فبصره لا يستطيع أن يكتشف ما كان على بعد عشرات الكيلومترات، وأذنه لا تستطيع أن تسمع دبيب النمل أو خطاب الحشرات فيما بينها ولا يسمع صوت الأرض وهي تتحرك أو الأجرام وهي تدور! هذا في الواقع الخارجي المشاهد والمعاين! فكيف يستطيع أن يتعامل مع قضايا الغيب والتي لا يمكن تناولها بهذه الحواس أصلا؟

 

نعم وضع الله سبحانه طريقًا للإيمان بذلك هو طريق السمع من الأنبياء والأوصياء الصادقين، وهو جزء من الإيمان به سبحانه وبهم. فإذا قال النبي محمد صلى الله عليه وآله: إن فاطمة سيدة نساء العالمين، أو أن نورها خلق قبل خلق السماوات والأرض أو أن مهرها هو خمس الأرض! فسواء كان هذا متوافقًا مع استيعاب البشر أو لم يكن، ينبغي تصديقه ما دام قد ورد بطرق معتبرة عن النبي محمد صلى الله عليه وآله، وعن أهل البيت فيما يعتقده الشيعة حيث لا يفرقون بين قولهم وقوله.

 

ومنها اختلاط الصحيح من المناقب بالسقيم:

فقد عمل الأعداء لتشويه صورة الدين ورموزه على وضع أخبار غير صحيحة فيما يرتبط بالمناقب، وسربوها إلى المصادر الحديثية في الطائفتين، وهذا أدى إلى اختلاطها بالصحيح من الروايات، على نحو يعسر فيه الفرز بينهما من قبل عامة الناس؛ فأثّر هذا على المناقب الصحيحة والروايات السليمة بحيث أصبح كل حديث يأتي فيه احتمال أن يكون موضوعًا أو كذبًا.

 

وهكذا فعل الغلاة في تاريخ المسلمين، فقد كان تيار الغلو موجودًا بل لا يزال كذلك. وقد قام هذا التيار بدور سيء في وضع الروايات الباطلة أو تفسير الروايات الصحيحة بنحو غير صحيح.

 

وقد أثر الفعل القبيح لهذين الفريقين في رد روايات المناقب والمراتب العالية لرموز الدين، وشخصياته العظيمة.

 

ومن الأسباب القياس على الذات:

قسم من الناس يعرفون الآخرين بمقاساتهم هم، ويظنون أن ما عند الآخرين لا يزيد عليهم، وأن ما يخضع له هؤلاء يخضع له الآخرون، ولأنه لا يرى فاصلة كبيرة بينه وبين الذوات المقدسة، لذلك لا يستطيع أن يتعقل مراتب تلك الذوات! فكيف يستطيع أن يتصور أن فاطمة قد خلقت من طعام الجنة؟ وأنها حوراء إنسية؟ وأنها معصومة من كل زلل؟ وأنها يشرق نورها كما تشرق الكواكب الدرية لأهل الأرض؟

 

وهي في الواقع نفس عقلية {مَا هَٰذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَٰذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ}[3]. فإذا كان الشخص يعرف نفسه، ويعرف خضوعه لهواه، ومعصيته ربه، وتقصيره وقصوره.. فإنه غالبًا لا يتوقع تصديقه بأن هذا المعصوم أو ذاك قد وهب الله من القدرة والولاية ما يحير العقول!

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الصدوق؛ محمد بن علي بن بابويه: علل الشرائع 1-47

(2) الصدوق: التوحيد 289

(3) المؤمنون: 24

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد