مقالات

الإله الذي نعبد

الشيخ محمد جواد مغنية

 

رأيت عددًا غير قليل من الشباب ينكرون الخالق، لاعتقادهم بأنه وهم من الأوهام، وأسطورة من الأساطير، فهو في أذهانهم كما هو في خيال الإنسان البدائي، قوة سحرية تفسر بها مقتضيات الطبيعة، وكما هو في أذهان المنتفعين يخدم الاستعمار والإقطاع، وأرباب الجاه والمال، أو في أذهان العجائز يجمع بين العشاق والأحباب، أو كما هو في الإصحاح الأول من سفر يوحنا اللاهوتي، يحمل في فمه سيفًا ذا حدين، وفي يمينه سبعة كواكب «1»، وما إلى ذلك مما ابتدعه خيال الإنسان القديم والحديث. قال صاحب كتاب «اللّه والإنسان» صفحة مئة:

 

«إن اللّه عند جدي يداوي من الروماتيزم، ويقوي المفاصل، وهو عند أمي مأذون يجمع رؤوس بناتها على رؤوس عرسان أغنياء في الحلال، وهو عند الأطفال يشبه عروسة المولد، وعند آينشتين معادلة رياضية، وهو عند عاشق مثلي حب، وهو عند مشايخ الصوفية يوزع الكساوي والإعانات والمعاشات».

 

ونحن رجال الدين نلتقي مع الكاتب في أن هذا الرب الذي تصوره الأطفال وهؤلاء المتصوفون لا وجود له. وأظن أن الكاتب أيضًا يلتقي مع الراشدين من أهل الإيمان لو عرف اللّه كما عرفوه بأوصافه وأفعاله على حقيقتها، وعليه تكون المسألة بينه وبينهم مسألة التباس وسوء تفاهم:

 

ظن الكاتب أن الدين من صنع الإنسان، وأن الإله من وهم الخيال فجحد وفند، وهو على حق لو كان الأمر كذلك، ولكن أنى يكون؟! وهل يستطيع الإنسان ان يفرض تصوراته على الكائنات الموجودة؟ بل العكس هو الصحيح، لأن الكائن يوجد مستقلًّا عن كلإاحساس وتفكير.

 

وقد تصور كثير من الناس واعتقدوا أن الأرض مسطحة تقوم على قرن الثور، وأن الشمس تدور حول الأرض، وما زالوا حتى اليوم يقولون طلعت الشمس، وغربت الشمس؛ فهل لعاقل أن يتخذ من هذه الأوهام والأخطاء دليلًا على عدم وجود الأرض والشمس، لأن الناس رسموا لها في أذهانهم أشكالًا كاذبة؟!

 

ولا أدري كيف اعتمد مصطفى محمود وأمثاله لنفي الخالق على تخيلات العجائز والأطفال، وتجاهلوا أفكار الأقطاب الكبار الذين يعبدون إلـهًا لم تبتدعه الخواطر والظنون، بل تجلّى للعقول النيرة، والقلوب الصافية بقدرته، وأنه خلق كل شيء، وهو لا يفتقر إلى شيء، لا يظلم أحدًا، وينهى عن الظلم ويعاقب عليه، يحكم بالقسط ويأمر به، ويكافىء أهله بأضعاف ما يستحقون، يساوي بين الجميع دون تفاضل إلا بالتقوى وصالح العمل، لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، كريم رحيم لا ييأس أحد من رحمته، لأنها أوسع من غضبه ونقمته.

 

هذا جزء من صفاته القدسية التي لا تحيط بها الأفهام، وتجمعها كلمة واحدة، وهي أن كل ما يمكن نسبته إليه تعالى من الحق والخير والجمال فهو ثابت له بالضرورة، إذ لا فرق بالقياس إلى واجب الوجود بين القوة والفعل.

 

هذا هو الإله الذي نعبده وندعو إلى عبادته، وهو يغاير الإله الذي يعبده الانتهازي ويدعونا إلى عبادته. إن إلهنا إله الفضيلة والخيرات، لا إله الأساطير والخرافات، ولا حامي الأسطول السادس والشركات، ومن كفر بما ندين ونعبد فقد كفر بالحق والخير والجمال.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1). كتاب «بين الدين والعلم» لأندر وديكسون وايت، ترجمة إسماعيل مظهر س 60 طبعة 1930.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد