مقالات

الاستقامة والارتقاء الروحي

الإمام الخامنئي "دام ظلّه"

 

إن المعنويات الكامنة في وجود الإنسان تمثل مصدرًا للهدفية، وتضفي معنى على حياته وتوجهها، مثلما تقوم المبادئ المعنوية والأخلاقية بتوجيه حياة المجتمع والبلد والأمة، فتضفي على جهدها وكفاحها معنى وتهب الإنسان هويته، فإذا ما أفرغ شعب أو بلد من مبادئه الأخلاقية والمعنوية، ضيع هويته الحقيقية وغدا كالعهن المنفوش، يتأرجح تارة بهذا الاتجاه وأخرى بذاك الاتجاه، ومرة تتلاقفه يد هذا وأخرى يد ذاك....

 

إننا نتعرض للصدأ والتلف، فقلوبنا وأرواحنا يعتريها الصدأ بشكل مستمر أثناء مواجهتنا لوقائع الحياة اليومية، ولا بد من وضع هذا الصدأ في الحسبان وتلافيه بالطرق الصحيحة، وإلّا لتعرض الإنسان للفناء، فلربما يكون الإنسان قويًّا شديدًا من الناحية المادية والظاهرية، لكنه سيفنى معنويًّا إن لم يضع التعويض عن هذا التلف في الحسبان. يقول تعالى في كتابه العزيز الكريم: (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ) «1»، فقولهم (رَبُّنَا اللَّهُ) يعني الإقرار بالعبودية لله والتسليم له.

 

وهذا أمر في غاية العظمة لكنه ليس كافيًا، فحينما نقول (ربّنا اللّه) إنما ذلك حسن جدًّا لذلك الأوان الذي نطلقها فيه، لكننا إذا نسيناها فإن (ربّنا اللّه) الذي أطلقنا اليوم لن تجدينا نفعًا في الغد، لذلك فهو يقول (ثُمَّ اسْتَقامُوا)، أي يستقيمون ويثبتون ويمضون على هذا الطريق.

 

وهذا مما يؤدي إلى أن (تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ) وإلّا لا تتنزل عليهم ملائكة اللّه إن غطّوا في سبات لحظة أو آنًا واحدًا، ولا يدرك الإنسان نور الهداية ولا تمتد نحوه يد العون الإلهي، ولا يبلغ الإنسان مقام العباد الصالحين.

 

فلا بد من مواصلة هذا الدرب والمضي في (ثُمَّ اسْتَقامُوا) وإذا ما أردتم أن تتحقق هذه الاستقامة فعليكم الحذر دائمًا من أن يهبط ميزان المعنوية هذا عن مستواه المطلوب.....

 

إن الآمال الكبرى لا تتحقق إلّا في ظل الصبر والاستقامة والجد والتوكل على اللّه والتوجه إليه والتقوى والتزكي والتطهير من الخبائث والأرجاس.

 

إنكم لو حققتم في شتى مظاهر التقدم أو التخلف في بقاع العالم كافة، لوجدتم أن الحقيقة لا تخرج عن هذا؛ فحيثما عقد شعب أو جماعة العزم على تحقيق الآمال الكبرى، فلا بد من الجد والمثابرة والاستقامة والإصرار والتشمير عن سواعد الهمة والتحلي بالفضائل في الحياة اليومية الخاصة والعامة، بينما إذا تضاءلت الآمال وتقاعست العزائم فإن كل شيء سيؤول إلى الزوال في خضم الحياة المتلاطم «2».

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1). سورة فصّلت : 30.

(2). من كلمة ألقاها في : 2 ذي القعدة 1420 ه - طهران .

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد