مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد جواد مغنية
عن الكاتب :
الشيخ محمد جواد مغنية، ولد عام 1322ﻫ في قرية طير دبّا، إحدى قرى جبل عامل في لبنان، درس أوّلاً في مسقط رأسه ثمّ غادر إلى النجف الأشرف لإكمال دراسته الحوزوية، وحين عاد إلى وطنه، عُيّن قاضيًا شرعيًّا في بيروت، ثمّ مستشارًا للمحكمة الشرعيّة العليا، فرئيسًا لها بالوكالة. من مؤلّفاته: التفسير الكاشف، فقه الإمام الصادق(ع)، في ظلال نهج البلاغة، الفقه على المذاهب الخمسة، علم أصول الفقه في ثوبه الجديد، الإسلام والعقل، معالم الفلسفة الإسلامية، صفحات لوقت الفراغ، في ظلال الصحيفة السجادية، وسوى ذلك الكثير. تُوفّي في التاسع عشر من المحرّم 1400ﻫ في بيروت، ثمّ نُقل إلى النجف الأشرف، وصلّى على جثمانه المرجع الديني السيّد أبو القاسم الخوئي، ودُفن في حجرة 17 بالصحن الحيدري.

الصّحيفة السجادية تدل بذاتها على ذاتها

من تتبع سيرة الأئمة من آل الرّسول المختار صلّى اللّه عليه وآله، يجد الصّورة الكاملة لهدي القرآن الكريم، وصراطه القويم في علومهم، وأخلاقهم، وأقوالهم، وأفعالهم، وقد أعلن النّبي صلّى اللّه عليه وآله هذه الحقيقة في العديد من الأحاديث، منها - على سبيل المثال - أهل بيتي أمان لأمّتي «1»... عليّ مع الحقّ، والحقّ مع عليّ... وحديث الثّقلين الّذي جعلهم عدلًا للقرآن، وحثّ على التّمسك به، وبهم «2»... إلى سائر الأحاديث المدونة في كتب السّنة، وقد جمعها السّيد الفيروزآبادي «3» في كتاب فضائل الخمسة من الصّحاح السّتة بأجزائة الثّلاثة.

 

وليست أحاديث هذا الباب، وآياته إنشاء، وجعلًا نزل من السّماء كوجوب الصّوم، والصّلاة، وإنّما هي صورة تعبيرية عن واقع عياني محسوس ينطق بكلّ وضوح أنّ أهل البيت مع الحقّ، والحقّ معهم بصرف النّظر عن كلّ آية، ورواية تمامًا كما ينطق شعر المتنبي بشاعريته «4»، ومسرحيات شكسبير بعبقريته «5»، ومخترعات آديسون بنبوغه، وتفوقه «6»، وعليه فلا سبب موجب للبحث عن سند روايات الولاية، والفضائل ما دام متنها، ومدلولها ثابتًا بالحس، والعيان، يقتنع به كلّ عاقل، ويؤمن إذا نظر إليه نظرة محايدة.

 

وكلّ ما في الصّحيفة السّجاديّة تعظيم وتقديس لجلاله تعالى وكماله، وحمد وشكر لفضله وكرمه، وطلب لتوفيقه وهدايته، والنّجاة من غضبه وعذابه، والتّعوذ من الشّيطان وإغوائه، إلى كلّ ما يدخل في موضوع الدّعاء والرّجاء.

 

فهل شيء من ذلك يقبل الجدل والنّقاش حتّى يستدل عليه بآية محكمة، أو رواية معنعنة؟. وقد يقال: أجل، المتن والمدلول في الصّحيفة حقّ كما قلت! ولكن الشّك في النّسبة إلى شخص معين. الجواب: كلّ ما في الصّحيفة السّجاديّة يدل بذاته على أنّها لزين العباد «7»، والإمام السّجاد عليه السّلام لفظًا «8»، ومعنى؛ لأنّ كلماتها تحمل أنفاسه الزّكية، وتعكس روحه الصّافية الطّاهرة النّقية، ولو نسبت إلى سواه لكانت النّسبة محل الكلام، والاستفهام.

 

ثانيًا: المهم القول، وليس القائل، وكلّ الحكم، والمواعظ الخالدة تتلقاها الأجيال كمسلمات أولية، وفي طليعة هذه الحكم الحكمة القائلة: «خذ الحكمة أنّى كانت» «9»، لأنّها كالضالة يأخذها صاحبها حيث وجدها عند تقي، أو شقي.

 

وفي كتاب قيم أخلاقية في فقه الإمام جعفر الصّادق عليه السّلام قلت: إنّ أي حكم، ومبدأ لا تناله يدّ الجعل، والتّشريع وضعًا ورفعًا - يعمل به إطلاقًا، سواء أسكت عنه الشّارع أم نصّ عليه من باب الإقرار، والنّصيحة، والإرشاد، ومثله لا يبحث عند سنده؛ لأنّه تمامًا كالأمر بتقوى اللّه، وطاعته، ومن هذا الباب: إقرار العقلاء على أنفسهم جائز «10»... على اليد ما أخذت حتّى تؤدي «11»... من غشنا فليس منا «12»... لا ضرر ولا ضرار «13» وإذا امتنع في حقّ الشّارع أن يضع حكمًا ضرريًّا. يمتنع أيضًا في حقّه أن يرفعه. فيتعين حمله على مجرد الإرشاد كما أشرنا. وهكذا كلّ حكم لا تتمّ الحياة إلا به، ويختل نظامها بدونه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) انظر، المطالب العالية بزوائد المسانيد الثّمانية: 4 / 347، المعجم الكبير للطبراني: 7 / 25، - نوادر الأصول للترمذي: 263، ذخائر العقبى: 17، تذكرة الخواص: 182، فضائل الصّحابة لأحمد بن حنبل: 2 / 671 ح 1145، الفردوس بمأثور الخطاب: 4 / 311 ح 6913، ينابيع المودّة: 1 / 71، أمالي الطّوسي: 379 ح 812.

(2) انظر، حديث الثّقلين في صحيح مسلم: 4 / فضائل عليّ ح 36 و 37، وسنن التّرمذي: 5 / باب 32، وسنن الدّارمي: 2 / فضائل القرآن، وخصائص النّسائي: 50، وذخائر العقبى للمحبّ الطّبري: 16، وتذكرة الخواصّ: الباب 12، وأسد الغابة: 2 / 12، وتأريخ اليعقوبي: 2 / 102.

(3) هو السّيد مرتضى الحسيني الفيروزآبادي (ت 1410 ه). انظر، ترجمته في مقدمة كتابه الفضائل الخمسة.

(4) هو أبو الطّيب، أحمد بن الحسين بن الحسن، الجعفي، الكندي، الكوفي، الشّهير بالمتنبي، ولد بالكوفة سنة (303 ه). انظر ترجمته في مقدمة شرح ديوانه للأستاذ عبد الرّحمن البرقوقي، وفي الأعلام.

(5) انظر، ترجمة حياة «وليم شكسبير» في كتاب مساعد مسرحيات شكسبير لمصطفى كمال عبد الحميد الهنداوي، وكاظم الدّباغ، مطبعة الآداب 1961.

(6) انظر، ترجمة (آديسون) في مقالة مكولي لجرجس بياضي، معرب بمصر سنة 1910 م.

(7) انظر ينابيع المودّة: 3 / 105 طبعة أسوة، الصّواعق المحرقة لابن حجر: 200، تهذيب التّهذيب للعسقلاني: 7 / 306، شذرات الذّهب لابن العماد: 1 / 104 بلفظ «...سمّي زين العابدين لفرط عبادته» وتأريخ أهل البيت عليهم السّلام: 130، الغيبة للطوسي: 101...

(8) انظر نور الأبصار: 14 طبعة النّجف سنة 1956 م، علل الشّرايع: 88، وسائل الشّيعة: 4 / 977، وتأريخ أهل البيت عليهم السّلام: 131، معاني الأخبار: 24، المناقب لابن شهرآشوب: 3 / 304، البحار: 46 / 6 ح 10 و 11.

(9) انظر، نهج البلاغة: 4 / 18 حكمة 79، شرح أصول الكافي: 12 / 196، عيون الحكم والمواعظ: 243، دستور معالم الحكم: 128

(10) انظر، السّرائر: 2 / 354 و: 3 / 46، مختلف الشّيعة: 5 / 236، الخلاف للطوسي: 3 / 367 مسألة 12، كشف اللّثام: 2 / 14، وسائل الشّيعة: 16 / 116.

(11) انظر، الانتصار: 317، سنن ابن ماجة: 2 / 802 ح 2400، سنن البيهقي: 6 / 90، سنن أبي داود: 3 / 296، سنن الدّارمي: 2 / 264، مسند أحمد: 5 / 8 و 12، سنن التّرمذي: 3 / 566، سنن البيهقي: 6 / 95.

(12) انظر، صحيح مسلم: 1 / 99 ح 164، سنن الدّارمي: 2 / 248، مسند أحمد: 2 / 50، المعجم الكبير: 10 / 169، و: 11 / 221 ح 11553، الجامع الأحكام القرآن: 3 / 252، مجمع الزّوائد: 4 / 78.

(13) انظر، المقنع للصدوق: 537، من لا يحضره الفقيه: 3 / 45 ح 2، رسائل المرتضى: 1 / 178، موطأ مالك: 2 / 805، الدّار قطني: 4 / 227، فيض القدير: 6 / 431، غنية النّزوع: 223، سنن البيهقي: 6 / 69، كنز العمال: 3 / 919.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد