مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عن الكاتب :
أحد مراجع التقليد الشيعة في إيران

طول عمر الإمام المهدي (عج)

إنّ من الأسئلة المطروحة حول الإمام المهدي (ع)، طول عمره فی فترة غَیبته، فإنّه ولد عام 255 هـ، فهل یمكن في منطق العلم والعقل أن یعیش إنسان هذا العمر الطویل؟

 

والجواب من وجهین، نقضاً وحلّاً.

 

أمّا النقض: فقد دلّ الذکر الحكیم على أنّ شیخ الأنبیاء عاش قرابة ألف سنة، قال تعالى: «فَلَبِثَ فِیهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِینَ عاماً».

 

وقد تضمّنت التوراة أسماء جماعة کثیرة من المعمّرین، وذکرت أحوالهم فی سِفْر التكوین.

 

وقد قام المسلمون بتألیف کتب حول المعمّرین، کكتاب «المعمّرین» لأبی حاتم السجستاني، کما ذکر الصدوق أسماء عدّة منهم في کتاب «کمال الدین»، والعلّامة الکراجکي في رسالته الخاصّة، باسم «البرهان على صحة طول عمر الإمام صاحب الزمان»، والعلّامة المجلسي فی البحار، وغیرهم.

 

وأمّا الحلّ: فإنّ السؤال عن إمكان طول العمر، یعرب عن عدم التعرّف على سعة قدرة اللَّه سبحانه: «وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ»[6]، فإنّه إذا کانت حیاته وغیبته وسائر شؤونه، برعایة اللَّه سبحانه، فأي مشكلة في أن یمدّ اللَّه سبحانه في عمره ما شاء، ویدفع عنه عوادي المرض ویرزقه عیش الهناء.

 

وبعبارة أُخرى: إنّ الحیاة الطویلة إمّا ممكنة في حد ذاتها أو ممتنعة، والثاني لم یقل به أحد، فتعیّن الأوّل، فلا مانع من أن یقوم سبحانه بمدّ عمر ولیّه، لتحقیق غرض من أغراض التشریع.

 

أضف إلى ذلك ما ثبت في علم الحیاة، من إمكان طول عمر الإنسان إذا کان مراعیاً لقواعد حفظ الصحة، وأنّ موت الإنسان في فترة متدنیة، لیس لقصور الاقتضاء، بل لعوارض تمنع عن استمرار الحیاة، ولو أمكن تحصین الإنسان منها بالأدویة والمعالجات الخاصة لطال عمره ما شاء اللَّه.

 

وهناك کلمات ضافیة من مَهَرة علم الطب في إمكان إطالة العمر، وتمدید حیاة البشر، نشرت في الكتب والمجلات العلمیة المختلفة.

 

وبالجملة، اتّفقت کلمة الأطباء على أنّ رعایة أُصول حفظ الصحّة، توجب طول العمر، فكلّما کثرت العنایة برعایة تلك الأُصول، طال العمر، ولأجل ذلك نرى أنّ الوفیات في هذا الزمان، في بعض الممالك، أقلّ من السابق، والمعمّرین فیها أکثر من ذی قبل، وما هو إلّا لرعایة أُصول الصحّة، ومن هنا أُسّست شرکات تضمن حیاة الإنسان إلى‏ أمد معلوم تحت مقرّرات خاصة وحدود معیّنة، جاریة على قوانین حفظ الصحّة، فلو فرض في حیاة شخص اجتماع موجبات الصحّة من کلّ وجه، طال عمره إلى ما شاء اللَّه.

 

وإذا قرأت ما تُدَوِّنه أقلام الأطباء في هذا المجال، یتّضح لك معنى قوله سبحانه: «فَلَوْلا أَنَّهُ کانَ مِنَ الْمُسَبِّحِینَ* لَلَبِثَ فِی بَطْنِهِ إِلى‏ یَوْمِ یُبْعَثُونَ».

 

فإذا کان عیش الإنسان في بطون الحیتان، في أعماق المحیطات، ممکناً إلى یوم البعث، فکیف لا یعیش إنسان على الیابسة، في أجواء طبیعیة، تحت رعایة اللَّه وعنایته، إلى ما شاء اللَّه؟.

 

لو أغمضنا عن البحث السابق ونفرض أنّ للإنسان بطبعه الابتدائي حدّاً ثابتاً من العمر؛ مع ذلك فإنّه لا یمکن تعمیم هذا الموضوع على الأفراد كافة، وذلك لوجود الاستثناءات دائماً بین الکائنات الحیة والتي لا تنطبق على ‏الضوابط السائدة في العلوم الطبیعیة والتجریبیة، حتّى أنّ العلم لیعجز أحیاناً عن تفسیرها.

 

ولکن کما قلنا فإنّ مسألة طول العمر وبغض النظر عن العقائد الدینیة بشأن قدرة اللَّه وقضیة الإعجاز، فإنّها تنسجم تماماً ومنطق العلوم الطبیعیة الحدیثة، أمّا المشکلة الوحیدة فهي ضرورة تحریر أفکارنا وأنفسنا من بعض الأحکام المسبقة والتعصبات المقیتة والعادات التي ألفِناها، والتسلیم للدلیل والمنطق والبحث العلمي.

 

إننا حین نسمع برجل نمساوی عمَّر أکثر من 140 سنة ولم یمرض ولو لمرّة واحدة! أو رجل کولومبی بلغ 167 سنة من عمره وما زال فتى! أو رجل صینی أبیضَّ شعره بعد 253 سنة من عمره! نشعر بالدهشة؛ وذلك لأنّه یختلف عن العادة، ولکن لو کان هناك ترکیز إعلامی على هذا الخبر وورد بصورة قطعیة فإننا سنقر به کحقیقة واقعة.

 

ولکن ما أنّ نقرأ في الحدیث: "القائم هو الذي إذا خرج کان في سن الشیوخ ومنظر الشبان؛ قوي في بدن". حتّى یعتري البعض الحیرة والذهول. وهنا تتساءل الشیعة: لِمَ یعتقد البعض بطول عمر نوح والمسیح ویذکرون تلك الخصائص العجیبة لابن سینا، ولا یتسمون لمشاهدة انحناء الأجسام الفلزیة بنظرة من شاب ورؤیة الأشجار والأحیاء المعمرة، ولکن ما أن یرد الحدیث عن طول عمر المهدی علیه السلام حتّى یقطب البعض ویخطف لونه ویتساءل على نحو الإنکار عن إمکانیة ذلك.

 

زبدة الکلام إنّ مسألة طول العمر لیست من المسائل التي یمكن الإشكال علیها والتنكر لها على ضوء الأحكام المنطقیة والعقلیة.

.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد