مقالات

التّأقلم مهارة تختصر طريقك للسعادة

الشيخ حسين المصطفى

 

من منّا لا يريد أن يعيش سعيدًا مع مَنْ حوله؟! جميعنا يريد ذلك، ولكن لماذا نرى الكثير منّا لا يشعر بالسعادة؟!

 

لسبب بسيط قد يفتقده الكثير منّا؛ وهو أننا لا نستطيع (التأقلم والتكيف) مع أفكارنا وسلوكنا المختلف في المجتمع!! فالذين يجاهرون بنقدهم ضد الجميع، يظنون أنّ لديهم مقدرة على تشخيص علل الآخرين إلا علل أنفسهم، وكأنّ الظروف والناس خُلقت من أجلهم فقط!!

 

هؤلاء يعتقدون أنّ النقص يأتي من غيرهم، وأنّ العيب في الآخرين وليس فيهم.. والمضحك المبكي أنهم يُطالبون الآخرين بالتغيير ومعالجة عيوبهم، ولا يتسألون إن كان التغيير والمعالجة مطلوبَين منهم أيضًا. إنهم ببساطة يريدون أن يتأقلم كلّ شيء من حولهم معهم ومع متطلباتهم.

 

إذا أردت الوصول إلى سعادة حقيقية فحاول أن تتأقلم مع طبائع الآخرين والبيئات المحيطة بالجميع. وأن تسعى للتأقلم مع الأحداث والمجريات التي يعيشها الجميع.

 

فـ(المفاهيم) بشكل عام ليست مجرد كلمات أو عبارات تحمل معنى معينًا كباقي الكلمات، بل هي على علاقة ماسة باللغة، إذ يُعبَّر عنها بالكلمات، وعلى علاقة وطيدة بالفكر لأنها تقودنا إلى فكرة ما؛ وعلى علاقة بالواقع لأنها تهدف إلى التأقلم في المجتمع.. يقول هوركهايمر: "الناس جميعًا منقادون لحفظ البقاء الذاتي؛ انطلاقًا من قدرتهم على التأقلم".

 

لقد كان الرسول الكريم محمد (ص) من أشد الناس تأقلمًا مع البيئة والمحيط، ولذا ترى تلك النصوص الرائعة تحث على هذا المعنى؛ يقول عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}(البقرة: 62)، فهل هؤلاء أخوة حقيقيون مع تعدد واختلاف العقائد، أم أنّ الإيمان محصور بمن يعتقد أنه مستكمل الإيمان بعقيدته دون الأخر الذي يعترف الله له بهذه الصفة.. إنه تكيف وتأقلم رائع.

 

من هنا .. لا بدَّ أن نصبر سنوات عدّة كي نرى تغيّرًا نحو الفضيلة والكمال، ويتأتى ذلك -بالطبع- عبر عمل دؤوب متواصل في حقل التربية والتعليم، وإصلاح التعامل الاجتماعي، وتربية الأفكار الإنسانية؛ والتأقلم المجتمعي في إطار منظّم ومتعاون.

 

ولا يعني هذا أنَّ عليك التخلي عن قيمك أو دينك أو وطنك لتتأقلم في مجتمعات غريبة أو غير إسلامية، بل يمكنك أن تتأقلم من خلال تعلم لغتهم والمعرفة أكثر عن مجتمعهم وتتعامل جيدًا معهم وتغض الطرف عن عيوبهم ومعتقداتهم وما لا تؤمن..

 

لا بد أن يتعلم الإنسان كيف يوازن بين الالتزام بالثوابت واستيعاب المتغيرات. فبعض التغييرات حتمية وضرورية حتى يستطيع الإنسان التأقلم مع المحيط الخارجي والبيئة.

 

من لا يحاول التأقلم -كما يجب- مع مَن حوله، يتعرض كثيرًا لإصدار الأحكام على الآخرين؛ لأنه لا يرى إلا نفسه.. وهذا ما نلمحه ونلاحظه في بعض من يدّعي الثقافة والعلم، ولكنه يصادر من خلال ما يفهمه من أفكار ملتقطة -هنا وهناك-، فيتبجح برأيه، ويتهم شريحة عريضة في مجتمعه في عقيدتها وشريعتها وسلوكها، ويطلق الاتهامات بكل ما أُوتي من استخفاف وتعالٍ، وليس لنا إلا أن ننسبه للجهل وقلة المعرفة، وبعده عن التخصص المناسب لهذا العلم..

 

يقول أمير المؤمنين علي (ع): "مَنْ كَثُرَ نِزَاعُهُ بِالْجَهْلِ دَامَ عَمَاهُ عَنِ اَلْحَقِّ، وَمَنْ زَاغَ سَاءَتْ عِنْدَهُ اَلْحَسَنَةُ وَحَسُنَتْ عِنْدَهُ اَلسَّيِّئَةُ، وَسَكِرَ سُكْرَ اَلضَّلاَلَةِ، وَمَنْ شَاقَّ وَعُرَتْ عَلَيْهِ طُرُقُهُ وَأَعْضَلَ عَلَيْهِ أَمْرُهُ وَضَاقَ عَلَيْهِ مَخْرَجُهُ. وَاَلشَّكُّ عَلَى أَرْبَعِ شُعَبٍ: عَلَى اَلتَّمَارِي، وَاَلْهَوْلِ، وَاَلتَّرَدُّدِ، وَاَلاِسْتِسْلاَمِ. فَمَنْ جَعَلَ اَلْمِرَاءَ دَيْدَنًا لَمْ يُصْبِحْ لَيْلُهُ، وَمَنْ هَالَهُ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ، وَمَنْ تَرَدَّدَ فِي اَلرَّيْبِ وَطِئَتْهُ سَنَابِكُ اَلشَّيَاطِينِ، وَمَنِ اِسْتَسْلَمَ لِهَلَكَةِ اَلدُّنْيَا وَاَلآْخِرَةِ هَلَكَ فِيهِمَا".

 

نعم، من عنده قدرة على التأقلم هو في الحقيقة:

 

1.   عنده قدرة عالية على التلقائية والليونة والاستجابة لأي طارئ جديد.

 

2.   ولديه قدرة عالية على التحمل مع الواقع كما هو.

 

ويضرب الدكتور إبراهيم فقي مثالاً رائعًا على أهمية التأقلم فيقول: "لم تستطع الديناصورات التأقلم مع تغيرات البيئة التي طرأت من حولها فانقرضت، على عكس وحيد القرن (الخرتيت) الذي تأقلم فعاش لليوم".

 

يقول الرسول الكريم محمد (ص) "المؤمن يأْلَف ويُؤْلَف، ولا خير فيمن لا يأْلَف ولا يُؤْلَف".

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد