مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد عباس نور الدين
عن الكاتب :
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران: الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه.

صراع على الحياة

من القضايا الكبرى التي تأجّج النّزاع حولها في العقود الأخيرة، وأصبحت جبهة خفيّة من جبهات الحروب الثقافيّة الممتدّة: قضيّة الحياة.

 

الصّراع الثقافيّ بين الإسلام والغرب لا يجري وفق قواعد التّفاعلات الثقافيّة الطّبيعيّة التي يعرض فيها الطّرفان كل ما يرتبط بالقيم التي يؤمنان بها، من أصولٍ تراثيّة وهويّةٍ قوميّة ومقدّساتٍ دينيّة (لأنّ ذلك يفرض التّعامل وفق قواعد احترام الآخر وتقدير لوازم تحوّله)، وإنّما يجري وسط استعلاءٍ غربيّ ممتزجٍ بالقوّة العنيفة والتّهديدات الجادّة باستخدام كل أشكال الضّغط (السياسيّ والأمنيّ والاقتصاديّ وحتى العسكريّ).

 

ومثل هذا التّهديد يستدعي من المفكّرين المسلمين ابتكار كل أشكال القوّة النّاعمة لأجل الهجوم على الطّرف الآخر وإظهار مدى هشاشته وسخافته وتسافل قيمه ومعتقداته.

 

وتحت عنوان الحريّة، يتم التّرويج لأبشع مظاهر الحياة الإنسانيّة، والتي لا يمكن أن نطلق عليها سوى عنوان البهيميّة، بل أضلّ سبيلًا. وفي اعتقادنا، إنّ هذا المظهر المتفاخر في شكله لهو نقيض الحياة وأحد أعدائها الكبار.

 

إنّ حريّة ممارسة الجنس دون ضوابط، وخصوصًا مع الطّرف المماثل، ليس سوى محاربة صريحة للحياة التي نؤمن بها باعتبارها ذات جوهرٍ معنويّ عظيم.

 

ولا يوجد ما يمكن أن يعبّر عن قيمة الحياة في الظاهر مثل الإنجاب وتكثير الأولاد. فاحترام وتقديس الحياة يتجلّى في تكثير مظاهرها في الواقع، ومن ثمّ الحفاظ على هذه المظاهر بواسطة الالتزام الصحّي وعيش حياة سليمة بعيدة عن الآفات. ولا يخفى على أحد أنّ الشذوذ الجنسيّ هو إعراض صريح عن الإنجاب، وترويج معلَن لقطع النّسل.

 

ولا يوجد ما يعبّر عن قيمة الحياة في الباطن والجوهر مثل سموّ الإنسان وارتقائه من عالم البهيميّة إلى عالم الرّوحانيّة السّامي بدرجاتها ومراتبها التي لا نهاية لها. ولا يخفى أنّ الشّذوذ الجنسيّ هو تشجيعٌ صريحٌ على الغوص في البهيميّة السافلة، وخصوصًا حين يعتبره أنصاره قضيّة ينبغي أن يناضلوا من أجلها. فما هي الرسالة التي يطلقها المدافعون عن حريّة الجنس سوى هذه!

 

إذًا نحن أمام قضيّة حسّاسة، والإشكال الأكبر فيها هو أنّه يجري تغليفها بقيمة سامية وهي الحريّة. وبالنسبة للغرب وأتباعه المغفّلين، إذا كنتَ ترفض الشذوذ، فأنت متغطرس وديكتاتور وقمعيّ وعدوّ للحريّة!

 

وهكذا تختفي القضيّة الأساس، ويعجز النّاس عن إدراك المعنى الجوهريّ الكامن في الحياة؛ الحياة التي نناضل من أجل تثبيتها في الأرض، لأنّها أساس بقاء كلّ القيم الأخرى، وإحدى أركان استمرار الإنسانية.

 

وفي المقابل، لا يمكن للإنسان أن يفهم جوهر الحياة إذا عجز عن فهم معنى الموت؛ لأنّ الموت يطرح عمق الحياة ويساعدنا على إدراك هذا العمق حين ينتقل بنا إلى الحياة الآخرة. وكذلك يدلّنا على مدى الطّاقة والقدرة المستودعة في هذه الحياة التي نؤمن بها من خلال استمرارها وعبورها لحاجزه الملتف بالغموض. وهذا هو المعنى اللطيف الكامن في قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}[1] حيث يأكل الإنسان من الموت ويستولي عليه، فينال بذلك الحياة الأقوى.

 

القضية الكبرى في عصرنا هذا هي قضية الحياة ومعناها وجوهرها. وهذه القضية باتت تتعرّض لحملات واسعة، تستهدف تشويهها وإفراغها من أجمل ما فيها. ولا بد أن نقف لأجل الذود عنها بإظهار أبعادها الرائعة التي تجلّت في الحياة الإسلاميّة، التي جاء رسول الله صلى الله عليه وآله لبثّها في كلّ أرجاء العالم، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}. [2]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] سورة آل عمران، الآية 185.

[2] سورة الأنفال، الآية 24.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد