المواقف الصعبة
وردت أقوال كثيرة عن أسئلة المواقف، كما لم تبين كل المواقف في الروايات. لكن الواضح وجود ثلاث مواقف عظيمة إن اجتازها الإنسان بسلام تمكن من اجتياز باقي المواقف.
وهذه المواقف هي
موقف أهل البيت (ع)
وهو أصعب المواقف، حيث يسأل الإنسان عن حبه لأهل البيت (ع) وولائه لهم. فإن أجاب عن الأسئلة نجح في الامتحان الأول.
لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه؟ وشبابه فيما أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه؟ وعن حبنا أهل البيت [1].
وقد نقل عن الزمخشري، وفخر الرازي وهما من كبار علماء أهل السنة في ذيل آية (المودة) في سورة الشورى هذه الأحاديث: ألا ومن مات على بغض آل محمد (ص) مات كافراً [2]. ألا ومن مات على بغض آل محمد (ص) لا يشم فيه رائحة الجنة [3]. ألا ومن مات على حب آل محمد (ص) مات شهيداً. ألا ومن مات على حب آل محمد (ص) مات تائباً. ألا ومن مات على حب آل محمد (ص) بشّره ملك الموت بالجنة [4].
موقف الصلاة
جاء في الحديث الشريف: أول ما يحاسب به العبد الصلاة، إن قبلت قبل ما سواها وإن رُدَّت رُدَّ ما سواها [5]. لما حضرت الوفاة للإمام الصادق (ع) دعا جميع أهله وحدثهم بأمر مهم قائلاً: لا ينال شفاعتي من استخف بصلاته، ولا يرد علي الحوض لا والله [6].
موقف حق الناس
ولعله الموقف الأكثر تعقيداً من الموقفين السابقين حيث يسأل فيه المرء عن «حق الناس». فقد فسر العلامة المجلسي (رض) في المجلد الثامن من (بحار الأنوار) الآية الشريفة (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالمِرْصَادِ) [7] كما يلي: المرصاد بمعنى الصراط وأن الله تعالى بالمرصاد يسأل عن حق الناس، ويقسم بعزته وجلاله أنه لو عفى عن كل شيء فلا يعفو عن حق الناس.
في جميع المواقف الأخرى تكون الملائكة هي التي تسأل، أما في هذا الموقف فإن الله القهار هو الذي يسأل عن حق الناس، وسيكون الحساب عسيراً جداً بحيث تُعوض أربعين صلاة مقبولة بدرهم واحد!!
المطلب الثالث: حوض الكوثر
حوض الكوثر من مسلّمات بحث المعاد والذي يعترف به جميع المسلمين شيعة وسنّة على حد سواء. وحسب الظاهر فإن سورة الكوثر تتحدث عن (حوض الكوثر) رغم أنها مؤولة للزهراء (ع)، حيث ذكرت لها معان أخرى.
رواية الثقلين: كان رسول الله (ص) يروي حديث الثقلين في المواقع المهمة والحساسة ومنها وقت ارتحاله (ص) إلى الرفيق الأعلى. وقد نقل المرحوم مير حامد صاحب کتاب «العبقات» هذه الرواية بأكثر من (٥٠٢) سند عن السنة والشيعة: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض [8].
تشير جملة حتى يردا علي الحوض إلى وجود نهر في المحشر باسم الكوثر، وهذا المعنى أشارت إليه روايات أئمة الدين (ع). و«الكوثر» صيغة مبالغة بمعنى الخير الكثير، فيكون المعنى حوضاً كثير الخير والبركة. ولهذا أطلق الكوثر على فاطمة الزهراء (ع)، فكلها خير وبركة.
يفهم من الرواية المذكورة أن رسول الله (ص) يصل الكوثر قبل الجميع لأنه يقول: حتى يردا علي الحوض، أي أن كتاب الله تعالى وعترتي يأتياني عند الحوض. ومن روايات أهل البيت (ع)[9] نفهم أن الناس بعد أن يقوموا في نفخة الصور الثانية يتوجهون إلى المحشر بجماعات مختلفة.
(يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ) [10]. في ذلك اليوم يرد أمير المؤمنين (ع) وأتباعه الحقيقيون صف المحشر يظللهم لواء يُسمى (لواء الحمد) فيردون على النبي محمد المصطفى (ص). وتفيد الروايات أنه النبي (ص) والأئمة الأطهار (ع) وشيعتهم ومحبيهم سيقفون على مكان مرتفع يشرف على صف المحشر يُسمى (الأعراف) [11] يرون منه من حشر.
وإن الشيعة يسقيهم الإمام علي بن أبي طالب (ع) (ساقي الكوثر) بيده المباركة من ماء ذلك الحوض، الذي يعيد الشيخ شاباً ويزيل الصفات غير الإلهية [12]. ويقفون على مكان عال جداً، تل من المسك، يملأ المحشر عبيراً، لا يمسهم فيه جوع ولا عطش ولا نصب، ولا يحسون بطول الزمن فكأن الخمسون ألف سنة يوماً واحداً.
الرسول الأكرم (ص) والإمام علي (ع) عند حوض الكوثر: يقول صعصعة، كنت عند أمير المؤمنين (ع ) في آخر لحظات عمره الشريف، وطلبت منه النصيحة، فذكر لي ساعة رحيل الرسول (ص) حين وضع يده بيده مشيراً (ص) إلى منبر النور الذي سيوضع يوم القيامة وسط المحشر بالقرب من حوض الكوثر، والذي أقف أنا في أعلى درجاته وأنت يا علي بعدي، فيعطيني خازن الجنة مفاتيحها وكذلك يفعل خازن جهنم، بعدها أعطيك يا علي أمر الجنة والنار، فمن شئت أدخله الجنة ومن شئت أدخله النار.
قسيم الجنة والنار: تذكر الروايات أن من يكون مع أمير المؤمنين (ع) عند حوض الكوثر سوف لن يحاسب ولن يمر على الصراط ولن… فهؤلاء لا يشعرون بالانتقال من نشأة الدنيا إلى عالم الآخرة.
الإمام علي (ع) ساقي الكوثر: نقرأ في بعض الروايات أن بعض الأفراد يسقون وقت احتضارهم ماء الكوثر من يد مولى الموحدين علي (ع). وهؤلاء ممن تحدثنا عنهم للتو. ولعل كلام علي الأكبر (ع)، حين شهادته يشير إلى هذا المعنى. حيث طلب من أبيه (ع) أن لا يحزن على عطشه فقد ارتوى من يد جده الذي هيأ لأبيه (ع) الكأس الآخر.
هناك فئة ثانية حين تطلب الماء وقت احتضارها يأتيها الشيطان بوعاء فيه ماء بارد يعرض مبادلته بإيمانها، فتستجيب له، فيسلب إيمانها ثم يسكب الماء على الأرض أمام أعينها.
يوم المحشر، يوم عسير جداً على الكافرين والظالمين والفاسقين والمنافقين. أما شيعة علي (ع ) المتمسكون بولايته فهؤلاء يشربون ماء الحياة من يد ساقي الكوثر أمير الولاية. والمقصود بالشيعة هم الموالون الحقيقيون لعلي (ع)، والمقتدون به والسائرون على نهجه.
كل فرد يحشر مع إمامه: في يوم القيامة يحشر كل فرد مع الذين من جنسه ويسير خلف إمامه. فبعد نفخة الصور الثانية، يجد كل شخص أبناء جنسه. فالفاسق يلقى الفاسقين، ويجذب الكافر إلى الكافرين. ويلتحق الظالم المتفرعن بالظلمة المتفرعنين، وبصورة عامة تجد كل أمة إمامها فتحشر معه.
السائرون على خط علي (ع) سيكون هو إمامهم، والمذنبون الشيعة وكما جاء في الروايات – الذين لم يقتدوا بإمامهم، لا يردوا حوض الكوثر إنما يحاسبوا، فمن كان أهلاً لشفاعة أهل البيت (ع) نال شفاعتهم، ودخل الجنة ومن لم يكن أهلاً لها، ذهب إلى جهنم ليتطهر ثم يكون محلا للشفاعة.
من هنا لو أردنا السير تحت (لواء الحمد) وخلف أمير المؤمنين (ع) حتى ندخل الجنة، علينا القيام بتهذيب نفوسنا في الدنيا، وأن نتخلى عن الصفات غير الإلهية ونلتزم بالأحكام والآداب الشرعية المقدسة. حتى تنصقل قلوبنا فلا نحتاج لإزالة صدأها إلى النار.
فالشيعي المذنب الذي لم يهذب نفسه، ويزكيها في الدنيا سيحرق في النار آلاف السنين ليتهذب ويتأهل لدخول الجنة. فعلينا سلوك طريق أئمة أهل الهدى بشكل لا تنحرف عنه في الدنيا والآخرة. فأتباع نهج علي (ع) في الدنيا سيؤدي إلى السير خلفه في الآخرة وعندها تبتعد عن أهوال القيامة وصحراء المحشر ونار جهنم. لكن لو انحرفنا عن خط علي والأئمة (ع) في الدنيا، فلا مجال لتوقع الأمان من مصائب القبر والبرزخ والقيامة العظيمة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] الصدوق، الخصال.
[2] الفخر الرازي، التفسير الكبير، ج٢٧، ص١٦٦.
[3] الفخر الرازي، التفسير الكبير، ج٢٧، ص١٦٦.
[4] الفخر الرازي، التفسير الكبير، ج٢٧، ص١٦٦.
[5] المجلسي، بحار الأنوار، ج٨٣، ص٢٥.
[6] المجلسي، بحار الأنوار، ج٨٤، ص٢٤١، ح٢٧.
[7] الفجر، ١٤.
[8] نقل هذا الحديث عن الشيعة والسنة بطرق مختلفة، وهو محل قبول الفريقين وقد قام الشيخ محمد قوام الدين بتحقيقات رائعة جداً حول هذا الحديث حيث طبعت في جامعة الأزهر بمصر تحت عنوان (حديث الثقلين).
[9] جمع العلامة المجلسي هذه الروايات في المجلدين ٦ – ٧ من كتاب بحار الأنوار.
[10] الإسراء، ۷۱.
[11] الأعراف جمع عرفة، يطلق على المكان المرتفع.
[12] وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ، الأعراف، ٤٣.
عدنان الحاجي
الشيخ محمد جواد مغنية
السيد جعفر مرتضى
الشيخ محمد صنقور
محمود حيدر
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ جعفر السبحاني
حيدر حب الله
السيد محمد حسين الطهراني
حبيب المعاتيق
حسين حسن آل جامع
شفيق معتوق العبادي
جاسم بن محمد بن عساكر
عبدالله طاهر المعيبد
رائد أنيس الجشي
ناجي حرابة
الشيخ علي الجشي
السيد رضا الهندي
عبد الوهّاب أبو زيد
كيف تؤثّر أذواقنا الشّخصيّة في إبداعنا؟
الاثنا عشريّة وأهل البيت عليهم السلام (1)
العوامل المساعدة على انتصار الإسلام وانتشاره (1)
دور صلاة الجماعة في البناء الاجتماعي
بالإيحاء.. كان الوجود كلّه (3)
سرّ القنوت والتّشهّد والتّسليم في الصّلاة (3)
بحث عن عالم البرزخ والنّفخ في الصّور والكوثر (3)
الإمام الهادي (ع) الشّخصيّة المؤثّرة، جديد الشّيخ عبدالله اليوسف
المعاهدات في الإسلام (3)
بحث عن عالم البرزخ والنّفخ في الصّور والكوثر (2)