الخطبة: مبدأ النصيحة عند الإمام الحسن عليه السلام
الخطيب: الشيخ محمد علي الأحمد
المسجد: جامع الإمام الباقر (ع) بصفوى
التاريخ: الجمعة، 14 مارس 2025م - 13 رمضان 1446هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله المتفضل، فلا يبلغ مدحته الحامدون، المنعم، فلا يحصي نعمته العادون، الكريم، فلا يحصر مدي كرمه الحاصرون، الكامل في ذاته وصفاته، فلا يقدر على إدراكه المجتهدون، القديم، فلا أزلي سواه، الباقي، فكل شيء فانٍ عداه، القادر، فكل موجود منسوب إلى قدرته، العالم، فكل شيء مندرج تحت عنايته. نحمده، إلهي، على أفاضة أسداها إلينا، ونشكره على نوال تكرم به علينا، ونستزيده من نعمه الجسام، ونستغفره من عطاياه العظام.
والصلاة والسلام على أشرف النفوس الزكية، وأعظم الذوات القدسية، محمد المصطفى، وعترته الهادية المهديه، صلاة تامة إلى يوم الدين.
أوصيكم عباد الله ونفسي المقصره بتقوى الله تعالى واتباع أوامره، واجتناب معاصيه.
مكانة النصيحة في الإسلام
روي عن إمامنا الحسن المجتبى عليه السلام أنه قال: "فوالله إني لأرجو أن أكون قد أصبحت - بحمد الله عنه - وأنا أنصح خلق الله لخلقه". في أجواء ميلاد الإمام المجتبى عليه السلام، الإمام الناصح، نقف عند النصيحة.
يقوم بناء الشخصية الإسلامية على فلسفة تربوية قوامها أن الإنسان هو نبع نفعٍ، ينبع ذلك من عقله، وقلبه، وعمله، بل من كل كيانه. المقياس لإيمان الإنسان هو ما يتركه من بصمة حسنة، من بركة، وما يتركه من نفع للناس. وهذه وصية إمامنا أمير المؤمنين عليه السلام، الوصية الخالدة: "عاشر الناس معاشرةً إن غبتم حنوا إليكم".
فالنصيحة هي إرادة الخير، إرادة النفع للمنصوح له، وهذا يشمل القول والفعل والمعاملة.
وعندما نستعرض بعض الآيات القرآنية نجد أن الأنبياء (عليهم السلام) كانوا ناصحين لأقوامهم، كما قال الله تعالى على لسان نبيه هود (عليه السلام): ﴿أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ﴾ (الأعراف: 68). وكذلك قال تعالى عن نبي الله نوح (عليه السلام): ﴿وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ (الأعراف: 62).
فالنصيحة تكتسب قيمة عالية، ولهذا عندما يختصرون الدين، ماذا تقول الرواية؟ "الدين النصيحة". هذه الكلمة التي تعبرعن معنى إرادة الخير للإنسان الآخر، وسد الثلمة التي يريد الناصح في المنصوح.
النصيحة في روايات أهل البيت (عليهم السلام)
عندما تأتي على كلمات النبي وأهل بيت العصمة صلوات الله وسلامه عليهم وهم يتحدثون عن النصيحة، نجد كلامًا طويلًا وكثيرًا في النصيحة، وتأكيدًا على مسألة النصيحة. الراوي يقول: سمعت أبا عبد الله، عن سفيان بن عيينة يقول: "قال سمعت أبا عبد الله يقول الإمام الصادق عليه السلام: "عليكم بالنصح لله في خلقه، فلن تلقوه بعمل أفضل منه". رواية معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "يجب للمؤمن على المؤمن النصيحة له في المشهد والمغيب".
بل إن الروايات قسّمت النصيحة إلى أقسام:
النصيحة لله: تكون بالإخلاص في العبادة والتوحيد.
النصيحة للنبي: تعني الطاعة، والالتزام بأوامره، والتصديق برسالته.
النصيحة للكتاب: تعني الالتزام بأحكام القرآن وعدم تأويله وفق الأهواء الشخصية.
النصيحة للإمام: تعني الطاعة والاتباع.
النصيحة لعامة المسلمين: تكون بالإرشاد، والسعي إلى إصلاح المجتمع.
وهناك نصيحة للكتاب، وهل هناك عند المسلمين من كتاب ككتاب الله تعالى؟ فأكون خاضعًا لهذا الكتاب، لآياته، لا أجعل الدليل كما هو الحال عند البعض هو الخاضع لي، يستشهد بآيات الكتاب للدلالة على صدق حديثه فيلوي عنق الدليل أحيانًا ليكون إلى جانبه. النصيحة للكتاب خالصًا بالتصديق به والعمل بما فيه، هي المسألة ليست أنني أعلم ما في هذا الكتاب أو أعلم بعض المعلومات، المسألة ترتبط بالعمل بالتطبيق.
نصيحة لعامّة المسلمين أيضًا قسم من الأقسام خالص لهم. كون النصيحة مقومًا من مقومات المودة والمحبة، خالصًا لهم في إرشادهم، أسعى إلى إصلاح حالهم، تحقيق مصالحهم، دفع المفاسد عنهم. ورد في الحديث: "إن أعظم الناس منزلةً عند الله يوم القيامة من أمشاهم في أرضه بالنصيحة لخلقه". من يرى مشكلة في الوسط الاجتماعي بحاجة إلى حل، بحاجة إلى النصح، لا يبخل بالنصيحة. أحب عباد الله إليه الذين يسعون في الأرض بالنصيحة، والذين يمشون بين خلقه ويخافون عليهم يومًا تبدو فيه الفضائح. عدم النصيحة يكشف لنا عن ضعف الشخصية. الرواية تقول: "أمشاهم بالنصيحة لخلقه"، يعني يهتم بالإصلاح الاجتماعي.
البعض يقول: "أنا فقط أهتم بهذه النفس". نعم، الإنسان صحيح أن يبدأ بنفسه، ولكن لا تقف عملية النصيحة عند النفس. بل أداء نصيحة النفس مقدمة لإعداد المجتمع. أنصح الناس، أنصحهم لنفسه، وأطيعهم لربه، من نصح نفسه كان جديرًا بنصح غيره.
آداب تقديم النصيحة
هنا سؤال: كيف تقدم هذه النصيحة؟ وما موقفنا من النصيحة؟ وكيف نتعامل مع الناصح والنصيحة؟
النصيحة فن، وهذا الفن لا يتقنه الكثير من الناس. قد لا يوفق الإنسان في النصح، بدل أن يصلح يفسد، للنصح أساليب أيضًا منفرة تبعد الناس عنك. هناك ضوابط وشروط لابد من مراعاتها، وهناك علم بفن التأثير على الآخر، وهذه مسألة مهمة. البعض يعتقد أن النصيحة أن أصدر أوامر: افعل كذا، ولا تفعل كذا.
النصيحة تشكل ركنًا أساسيًّا للشخصية الإسلامية في بناء المجتمع، لهذا هناك ضوابط. أولها عدم التعالي. عندما أنصح إنسانًا، لا أحاول أن أشعره أنني أفهم أكثر منه، أو أنني متعالٍ عليه بالفكر أو الثقافة. هذا يطلق عليه (تعالٍ). أنت في مقام النصيحة، لست في مقام التعالي.
أيضًا من ضوابط النصيحة، لابد أن تقدم ممزوجة بالعاطفة، باللين. ليس بأسلوب الشدة، أفرض رأيي على الآخر. جاء عن أمير المؤمنين عليه السلام: "ليكن أحب الناس إليك المشفق الناصح". كن لينًا، ورد عن إمامنا زين العابدين عليه السلام: "حق المنتصح أن تؤدي إليه النصيحة، وليكن مذهبك الرحمة له والرفق به". لين في ذلك، أود أن يتفاعل هذا القلب مع الإنسان الآخر.
هذه سيرة الإمام الحسن المجتبى ونحن في أجواء ميلاده. في التعامل حتى مع من لم يعرف أهل البيت أو لم يعرفهم، ولكن حاول أن ينتقص من مقامهم. من المسائل المهمة أن يكون الناصح لينًا على مستوى اللفظ. وليكن مذهبك الرحمة له والرفق به.
من الضوابط أن تكون النصيحة سرية، ليست علنية. "من نصحك سرًا فقد زانك، ومن نصحك علانية فقد شانك". بدل أن تسهم في إصلاحه، أنت تفضحه أمام الناس. ينصح لو رأى خطأ، يريد أن يصحح الخطأ. البعض بنية سليمة، لكن يخطئ في الأسلوب. "من نصح أخاه سرًا فقد زانه، ومن نصحه علانية فقد شانه"، أحرجته. هذا ينطبق حتى على العائلة، حتى على الأبناء. إذا رأيت خطأ من الأخطاء، لا تنصح أمام الجميع.
من الضوابط عدم المبالغة في النصيحة. بعض الأمور لا تحتاج إلى الإطالة والمبالغة كما هو الحال عند البعض، فيغضب لكل صغيرة وكبيرة، فيتهم هذا الابن بمسألة العقوق. تحتاج إلى أن تعرف رأي الدين في ذلك.
لابد من ابتكار أساليب للنصيحة. أمر مطلوب للوصول إلى هدف النصيحة. من الضوابط الابتعاد عن التجريح في الإشارة إلى السلبيات. كيف يقبل مني الإنسان الآخر وأنا أعرض به؟ أسلوبي خاطئ.
كيف نستقبل النصيحة؟
كيف نتعامل مع النصيحة بعد أن تقدم هذه النصيحة؟ كيف نتعامل مع الناصح؟ لابد أن نقبل النصيحة، فهذا من أكبر التوفيق، كما عن أمير المؤمنين عليه السلام: "اسمعوا النصيحة ممن أهداها إليكم، ومن خالف النصح هلك". فالنصيحة إذًا هدية، وعدم الانزعاج منها، والإصغاء إليها، والإصغاء إلى الناصح. أما المشكلة، مشكلتنا أننا لا نمتلك فن الاستماع. لابد أن نتعامل مع الآخر بفن، لابد أن نتعامل مع الآخر بأسلوب حسن. أيضًا عدم اتهام الناصح إن لم يوفق في الكلام، وإن لم توافقني النصيحة. والتفكير بموضوعية. "اسمعوا النصيحة ممن أهداها إليكم، واعقلوها على أنفسكم"، يعني رتب أثرًا على هذه النصيحة.
أيضًا هناك موانع الاستماع للنصيحة. ما الذي يمنع الإنسان من قبول النصيحة؟ غلبة الهوى. غلبة الهوى تمنع الإنسان من أن يقبل النصيحة. "يسبقني إليك بعض غلبات الهوى". أمير المؤمنين في مقام وصيته للإمام الحسن المجتبى وفتن الدنيا قال: "فبادرتك بالآداب قبل أن يقسوا قلبك ويشتغل لبك". هناك مسابقة بين دعوة الحق ودعوة الباطل. إذا لم ألبِّ دعوة الحق، النتيجة تسبق دعوة الباطل. فلا بد من النصيحة، وبالذات للشاب والشابة. فالأرضية مهيأة للتلقي أمام دعوة الحق أو دعوة الباطل، وإلا قد يصل الإنسان لمرحلة يقسو فيها قلبه، يعني أنه لن يتقبل النصيحة بسهولة أبدًا.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من أولئك الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
بسم الله الرحمن الرحيم
قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد.
الحمد لله الذي لا يتكل على عفوه ورحمته إلا الراجون، ولا يحذر غضبه وسطوته إلا الخائفون. اللهم لك الحمد يا من شرف أولياءه بلقائه، واحتجب عن أبصار خلقه. وصلى الله على مظهرك التام، وجامع الكلم والحكم، والمنزل عليه ما يهدي به للتي هي أقوم. اللهم صل على محمد كما حمل وحياك وبلغ رسالاتك. اللهم صل على محمد كما أحل حلالك وحرم حرامك، وعلم وعمل بكتابك. وصلّ على محمد كما صدق بوعدك، واشفق من وعيدك. وصلى الله على محمد كما غفرت به الذنوب، وسترت به العيوب، وكشفت به الكروب، ودفعت به الشقاء، وأجبت به الدعاء، ونجيت به من البلاء.
اللهم صل على محمد وآل محمد وبارك على محمد وآل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد. وصل على إمام المتقين علي بن أبي طالب، أخي نبيك، ووصيه ووليه، وصفيه، ومستودع علمه، وحامل حكمته، الناطق بحجته، الداعي إلى شريعته.
وصل على الصديقة الطاهرة فاطمة، حبيبة حبيبك، وبنت نبيك، ووليك التي انتجبتها، وفضلتها على نساء العالمين.
وصل على سبطي الرحمة وسيدي شباب أهل الجنة، الحسن والحسين.
وصل على أئمة المسلمين: علي بن الحسين، ومحمد بن علي، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن بن علي.
وصل على ولي أمرك القائم المهدي، الحجة بن الحسن، الذين فرضت طاعتهم، وأوجبت حقهم على العالمين. حفّه إلهي بملائكتك المقربين، وأيده بروح القدس، يا رب العالمين.
اللهم اجعله الداعي إلى كتابك، والقائم بدينك. استخلفه في الأرض كما استخلفت الذين من قبله.
اللهم أبدله من بعد خوفه أمنًا، يعبدك لا يشرك بك شيئًا.
اللهم أعزه وأعزز به، وانصره وانتصر به، واجعل له من لدنك سلطانًا نصيرًا.
اللهم أظهر به دينك، وسنة نبيك، حتى لا يستخفي بشيء من الحق مخافة أحد من الخلق.
اللهم انصرك على المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات.
واجعل التقوى زادهم، والرحمة في قلوبهم، وأوزعهم أن يشكروا نعمتك التي أنعمت بها عليهم.
وأن يوفوا بعهدك الذي عاهدتهم عليه.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، تابع اللهم بيننا وبينهم بالخيرات.
إن الله يأمر بالعدل والإحسان، وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون.
والسلام عليكم ورحمة الله.
الشيخ مرتضى الباشا
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ باقر القرشي
السيد جعفر مرتضى
محمود حيدر
عدنان الحاجي
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ جعفر السبحاني
حسين حسن آل جامع
الشيخ علي الجشي
الشيخ عبد الحميد المرهون
ناجي حرابة
عبدالله طاهر المعيبد
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
ياسر آل غريب
أربعة لا يستجيب الله تعالى لهم
ما هي حقيقة الصوم؟
القرآن الكريم والصيام
سيرة الحسن الزكي وتشويه المستشرقين
هيبة الإمام الحسن (عليه السلام) ووقاره
الإمام الحسن (عليه السلام) وأسئلة الأعرابي
شموخ الإمام الحسن (عليه السلام) أمام غطرسة معاوية (1)
الشيخ محمد علي الأحمد: مبدأ النصيحة عند الإمام الحسن عليه السلام
(سمر مقفّى) أمسية شعريّة رمضانيّة للشّاعر السّيّد هاشم الشّخص
(شرود مؤجّل) أمسية شعريّة احتفائيّة بالشّاعر عبدالمجيد الموسوي