لقاءات

أثير السادة: لا يمكن وصف المكان دون وصف الناس الذين يحيون فيه


 نسرين نجم ..

المكان هو الذي نستطيع فيه تحقيق عزلتنا عن الحلم، فما بين المكان والإنسان علاقة تأثيرية متبادلة لإن المكان نفسه يكتسب هويته من ثقافة ساكنيه قبل أن يكتسبها من تضاريسه، لذا ونظرًا إلى تعلقه بالمكان سعى إلى احتضانه بكل تكويناته الهندسية والجمالية عبر عدسته، فكان النتاج صورًا مليئة بالإبداع وبالذوق وبالحنين، ولكل صورة حكاية وما أجملها من حكايات مع المصور الأستاذ أثير السادة الذي أجرينا معه هذا الحوار:


* نحن لا نقرأ المكان بل نعيشه:

لم يبدأ أثير السادة بداية عادية في عالم الصورة فهو يقول : "لا أعلم إن كانت هنالك بداية واحدة أم بدايات متعددة، كنت قريبًا من الصورة في صباي، أجمع الكاميرا الصغيرة والرخيصة وأتسلى بنشوة الانتظار التي تهبنا إياها عملية التحميض، غامرت في مطلع الدراسة الجامعية بالدخول في دورة للتصوير عبر المراسلة، لكنها لم تستمر لعائق اللغة يومها…تلك بدايات، غير أن البداية الأهم هي وليدة عهد الديجتال، والورطة الصحافية التي جعلتني أقترب من عالم المسرح، وأنشغل بتصوير العروض والكتابة عنها…من لذة التصوير المسرحي ومن رغبة الهروب من تجربة النقد التي حملتنا إلى عوالم المسرح انطلقت تجربة منهمة بالضوء والحركة والألوان".


للمكان أهمية كبيرة في التصوير تحتاج إلى قارئ جيد مختص بأبجدية الطبيعة والصحارى، عن أهمية المكان قبل التقاط الصورة يقول: "نحن لا نقرأ المكان بل نعيشه، أنا أصر على مسألة المعايشة للمكان، معايشة بالأحاسيس لكي نتهجى مفرداته..الذين يعبرون من المكان دون أن يرهفوا السمع للأصوات والروائح والتضاريس، وكل شيء يبعث المعنى في المكان لن يقبضوا غالبًا إلا على صورة باهتة، فالصورة ليست سوى تأملاتنا، والتي هي بمثابة غرفة تحميض بديلة للغرف التي قضت وانتهت".


وعن سرّ مَن يتمعن بصوره فيجد انعكاسًا لظله الشخصي السياسي النفسي في كل زاوية يقول المصور أثير السادة: "لعله التكرار، هذا الاقتراب المتكرر من موضوعات شديدة الصلة بالناس، أشياء تتصل بيوماتهم، ذكرياتهم، بالمكان الذي يصوغ لهم هوياتهم، ثمة ثيمة مشتركة في معظم ما نلتقط من صور، تجعل من هذه الصور عزفًا على وتر واحد هو المكان، والمكان بالمكين، وهو الإنسان الذي يبتكر لهذه الأماكن معانيها".


* التصوير رحلة اكتشاف للذات:

 هناك بعض الأماكن أو المشاهد أو المواقف التي تجذب العدسة لالتقاطها، ولكل مصور ما يشده إلى اقتناص الصورة، عن هذه النقطة سألنا المصور الأستاذ أثير السادة عن ما يجذب عدسته، وهل يسعى من خلالها إلى إيصال رسائل معينة؟ فأجاب: "هي رحلة اكتشاف مستمرة لذواتنا، ولإمكانات الكاميرا التي تصاحبنا وتلتصق بأبداننا اليوم، أنا لست استثناءً إذا شئنا الإشارة إلى انجذاب الناس جميعًا للصورة وإنتاجها، ولا أدعى رسالة أو نبوة في هذا المجال، كل ما أبشر به لا يعدو التذكير بقدرتنا على التفكير بالكاميرا وفيها".


من الملفت في صور أثير السادة تصوير الناس في حركتهم اليومية، وعن أبعاد هذا الموضوع يقول: "الناس بالنسبة لي نص من نصوص المكان، وتصويرهم هو امتداد لانشغالي بمفردة المكان، لا يمكن وصف المكان دون وصف الناس الذين يحيون فيه، هم العنصر الأكثر اختلاطًا بتكوين المكان، وهم عنوان الحياة فيه..في يوميات الناس لحظات ضائعة في زحام الحركة والثرثرة، وحدها الكاميرا تنير الطريق إليها وهي تهبها السكون في الحركة، والحركة في امتداد الزمن حالما يحقنها الناس بالتآويل".
بالانتقال إلى موضوع آخر حول التحولات التي أصابت عالم التصوير ما بين الماضي والحاضر، فهل هي مقتصرة على التطور التكنولوجي أم أن الصورة أصبحت تلعب دورًا بتعزيز هوية المكان وتطوره وعلاقته بالوجود الجماعي؟ يجيب الأستاذ السادة: "التحولات كثيرة وقد أفردت لبعضها المساحة في إصداري “تحولات الصورة”، تحولات جذرية تطال ماهية الصورة ووظائفها، وسياق تداولها، وطبيعة مستخدميها، فضلًا عن مركزيتها في سياق التواصل الإنساني الذي يعيش اليوم غواية الصورة وشهوة إنتاجها".
يقال إن الصورة تعبير عن ألف كلمة، فما هي شروطها لتحقيق هذا الأمر؟ يجيب: "تستطيع الصورة أن تزور ألف كلمة، وأن تحجب ألف معنى، وأن تسترق النظر إلى آلالاف اللحظات، غير أنها لا تغني عن الكلمة ولا اللغة، مازالت الصورة بحاجة لأن تعبر عن وجودها باللغة، من دون اللغة تبدو صامتة، ومتى ما أنطقها الناس أصبحت حمالة أوجه".


البعض قد يعتبر بأن الصورة لها تاريخ انتهاء الصلاحية، وحول مدى صحة هذا الموضوع وكيف يمكن للمصور أن يجعلها حية دائمًا يقول الأستاذ أثير: "الطبيعة الاستهلاكية للصورة اليوم جعل لذتها سريعة الزوال، الدفق الغزير للصور أخرج الصورة من سياق الدهشة المستمرة، خاصة مع قابلية التكرار التي تتصل بجوهر الصورة، غير أن ذلك لا يحول دون وجود صور أيقونية، وأخرى فنية توقظ الحواس من سباتها، صور منهكمة في صقل المعنى وتحويل اللحظة الزمنية إلى ديمومة جمالية".

وعن مشاريعه الحالية والمستقبلية يقول: "هنالك إصدار صغير يتناول أخلاقيات الصورة بعنوان “وشاية الصورة” يفترض أن يصدر في القريب ضمن مشروع الكتاب المصاحب لمجلة الرافد، كما أن الطبعة الثانية لكتاب “تحولات الصورة” هي في طور الطباعة، حاليًّا ليست هنالك مشاريع محددة في مجال الممارسة، والغلبة الآن هي لصالح الانشغال في التفكير بالصورة وأسئلتها".

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد