نسرين نجم ..
"الكاتب في مخاض أبدي، ولكن عليه الانتباه أن لا يعمد لقصر أو إجبار لروح النص، ليأتي حقيقيًّا وعميقًا وقادرًا على معانقة روح المتلقي" كلمات للكاتبة والشاعرة فاطمة الشيدي التي تعتبر بأن الكلمة ما لم تلمس شغاف القلب لا يمكن لها أن تؤثر بالقارئ أو أن تجذبه إليها، إشكاليات عديدة ناقشناها مع الشاعرة والكاتبة العُمانية فاطمة الشيدي في هذا الحوار:
* "الشعر روح متعالية ورفيعة":
في الكثير من الأحيان يلعب الوقت الدور البارز في نقل الفرد من مرحلة لمرحلة، وتصبح هذه المرحلة تشكل هويته العملية أو العلمية الجديدة إلا أن الشاعرة والكاتبة فاطمة الشيدي عندما تتحدث عن بدء رحلتها في عالم الكتابة والشعر تعتبر بأنه: "لا دخل للزمن في البدايات غالبًا، يحدث الأمر دفعة واحدة، وبالتدريج في نفس الوقت تولد بتلك الحساسية المفرطة تجاه الأشياء، تلك الحكة التي توجد في الوعي والضمير والقلب. كل شيء يوجعك من الكون حتى الإنسان، من العدم حتى الوجود، يرهقك الفرح المتقاطر من نفوس البعض حتى لا تكاد ترى لهم الحق فيه، ويشطرك الحزن والجوع الذي يشطر البقية.
أما الجمال الذي تراه في كل زاوية من الكون فهو إزميل نحت روحك ومخلب يتعلق بها، لذا يكون بدايات الرعب. كما يقول ريلكه وأمام كل هذا ليس لديك من أدوات سوى اللغة التي هي أكثر الأشكال تجريدًا. يحدث هذا لاحقًا، في زمن تكون فيه قادرًا فيه على استجماع كل ذلك في أصابعك تمامًا فتكتب."
هذا الوصف للمشاعر يجعلنا نتوقف عند حال الشعر اليوم وهل يا ترى الحداثة شيّأت الشعر؟ تجيب الشاعرة فاطمة الشيدي بالقول: "حال الشعر كما كان دائمًا، الشعر غالبًا نوعي، روح متعالية ورفيعة، قليل ونادر -خارج الشعر الذي يروم التكسب والظهور والسلطة- ولأنه عالٍ ورفيع فهو يحتاج متلقيًا خاصًّا وعميقًا يفهمه ويستشعر جمالياته. أما الشطر الثاني من السؤال فبالطبع لا، لأن الحداثة تهب كل شيء بعدًا جديدًا، من الماديات حتى الشعر. مفهوم الحداثة واسع جدًا، ومشكل كالشعر تمامًا، ولذا فالقبض عليه ليس سهلًا أبدًا، وبالتالي إصدار حكم فيما يخص علاقة الشعر بالحداثة أمر أكثر تعقيدًا من إجابة جاهزة. يتطلب الأمر بحثًا كبيرًا في مفهومي الشعر والحداثة. ثم علاقة كل منهما بالآخر."
وما بين الشعر القديم والشعر الحديث تجد الشاعرة الشيدي بأنها: "منحازة للجمال بصورته المربكة والمدهشة في كل زمان ومكان، فهناك الكثير من الشعر القديم ما زال يدهشني كل مرة، وهناك الكثير من الشعر الجديد يفعل ذلك أيضًا، وبالطبع هناك ما يمكن تجاوزه دائمًا." وهي ترفض تجنيس الشعر ما بين المرأة الشاعرة والرجل الشاعر انطلاقًا من قناعتها بأنه: "لا يمكننا تجنيس أحكامنا الجمالية، هذا قبح فادح، لا يمكن أن نحكم على شعر المرأة لجنسها الإنساني، ولا يمكن ولا ينبغي أن يحدث ذلك مع الرجل أيضًا، هناك شاعرات أضفن الكثير على الشعر، وهناك من عبرن بلا إضافة، وكذلك الرجال. الشعر كتابة الداخل بوجعه وجماله وقوة الشعور به، ودرجة تجسد ذلك في المعنى هي التي تحكم سواء كان من المرأة أو الرجل."
لذا هي تقرأ الشعر النسوي: "كما أقرأ شعر الرجل، هناك تباين بين كل تجربة وأخرى، ثمة القليل من الشعر، والكثير من الكلام الباهت الذي ليس له حظ من الشاعرية سوى قناعة كاتبه بأنه شعر. وهذا لا يضير كثيرًا متى ما وجدت المعايير الجمالية للحكم، وتنقية الشعر العظيم من الرديء. وهذا شأن الزمن وشأن المتلقي المتزوّد بالمعايير الجمالية.
العالم يا سيدتي يضج بالقبح خارج الشعر ولن يكون الشعر القبيح أكثر عبئًا على الروح الإنسانية من القتل والدمار والقمع الذي نحياه رجالًا ونساء في عالمنا المريض هذا. ومع هذا علينا تتبع الجمال والإشادة به لتوطين روحه بين الشعراء، وعلينا الدفع بالحالة في كل اتجاهاتها للأمام لتجاوز القبح، لمستقبل جميل شعريًّا وإنسانيًّا."
* " الشعر كتابة لمشاعر عميقة داخلية":
البعض يكتب الشعر ليوجه رسالة إلى غائب أو إلى مجموعة ويستخدمون الكتابة وسيلة في ظل غيابهم عن المواجهة أما بالنسبة للكاتبة والشاعرة فاطمة الشيدي تقول: "لا أكتب لأحد. على الأقل في لحظات الدفق الأولى. بالطبع يتكوّن النص داخلي (شعريًّا وسرديًّا) وفق حالة ما تدفعني للكتابة كحاجة قبل كل شيء. وإلا فلم نكتب والعالم مليء بالنصوص الجميلة والقبيحة أيضًا؟ نحن نكتب كما ننجب الأبناء (العالم أيضًا مليء بالأطفال والكائنات التي تحتاج للرعاية والعناية) لنشعر بقيمة ما، بشعور يشبه الفرح ناتج عن الإحساس بالحاجة، ثم بالإنجاز وبالذات وبأشياء متداخلة وعصية على الفهم تدفعنا لنكتب، لنعيش يومًا آخر ربما.".
ولأن الشعر ينتج عن الإحساس بالحاجة سألناها إن كانت تؤمن بأن الشعر يولد من الأحزان ومن الآلام وإذا كان غير ذلك فهل هو ترف؟ فتجيب: "لا طبعًا، فالشعر كتابة لمشاعر عميقة داخلية، غير مجنّسة باتجاه الفرح أو الحزن وهناك نصوص عظيمة ليست حزينة عن الحب والشغف والجمال والآباء والأمهات وغيرها. ولكن أيضًا لا بدّ أن نعترف أن الحزن أكثر استفزازًا للكتابة، واستدعاء لها، لأننا لا نجد وسائل كثيرة (غير البكاء والغضب أحيانًا) لنعبّر عن الحزن الذي نكون فيه فرادى ومعزولين غالبًا.
بينما هناك ألف طريقة للتعبير عن الفرح (الذي ننطلق فيه خارجنا للآخر والكون) أجمل من الكتابة كالصراخ والاحتضان والقبل وغيرها، فلا تعود هناك طاقة للكتابة، فهي تتبدد في أفعال أخرى، بينما تظل حبيسة أرواحنا في الحزن فتكون مادة عظيمة للكتابة غالبًا.
ولذا فأكثر الشعر به لوثة حزن، وكما يقول المجنون (لا أكتب الأشعار إلا تداويًا...)".
لدى الكاتبة والشاعرة فاطمة الشيدي مجموعة شعرية تحت عنوان: "على الماء أكتب" وتذكر بأنها على الماء كتبت فماذا كتبت؟: "المجموعة تذهب باتجاه فكرة المحو والتماهي والعدم ضد الخلود الذي تفترضه الكتابة. فهذه هي فكرة هذه المجموعة، وعنوانها: الكتابة على الماء محو فعلي، ومضمر وأصيل فلا يمكن قراءة النص بعد ذلك. وهذا ما كنت أريد أن أعبر عنه، أو تحديدًا ما أسعى إليه، كما فعل الكثير من الشعراء."
وأيضًا لها مجموعة شعرية أخرى "كنت في البدء شجرة" أرادت إيصال رسالة من خلال هذه المجموعة بأن: "الإنسان جزء من الكون، والشعر كذلك، والشجرة امرأة وقصيدة، وحياتنا قبل وبعد هي ضمن هذا البعد الكوني. هذا ما أريد أن أؤكد عليه كفلسفة وجودية أعيش وأكتب ضمنها. أخوّة الكون لا تختص بالإنسانية فقط، بل بكل شيء في الوجود، ولذا تلبست روح الشجرة الأكثر عطاءً وصمتًا، المانحة للخير والحب والجمال بصمت تام. أما نسويًّا (وهذا بعد فكري أهتم له كثيرًا في كتاباتي) أعتقد أن كل امرأة شجرة في عطائها اللامحدود، والصامت غالبًا ظلًّا وثمرًا. الشجرة تمثل المرأة في حياتها الصامتة والمعطاءة وفي موتها الواقف بعنفوان وبلا ضجيج. وهكذا أظن أن كل كتاباتي ومجموعاتي الشعرية (تحديدًا) تنطلق من فكرة الانتماء للكون؛ الأرض والبحر والشجرة والماء. اللونية في البدايات كانت غامضة في المعني (الاخضرار والزرقة والحلكة) ثم أفصحت عن نفسها في الكتابة على الماء، وروح الشجرة التي كنتها. وما زلت أكتب وأحيا في هذا الاتجاه الفلسفي الكوني الصوفي بروحانية عالية ووعي متصاعد."
لقب الشاعر بشكل عام لا يطلق على أي إنسان بل على من يمتلك معايير ومواصفات معينة إلا أن الشاعرة فاطمة الشيدي تعتبر بأنه: "لا معايير لدي، فعليًّا أؤمن بالفعل الشعري أكثر من كتابته. التأمل والفلسفة والصمت والقراءة والمشي، والانتماء للكون والجمال والطبيعة، هي روح الشعر، والتشكيل والموسيقى والمسرح والسينما تضمر معنى الشعر وتستقي منه نسغها، ويستقي منها روحه المتعددة.
أن تكون شاعرًا يعني أن تتمدد في الزمن وتتلاشى في الأمكنة، أن تحب الوجود لتكتبه، وتحب الإنسان لترسمه، الحب هو الشعر والشعر عشق مكتوب. الشعر حالة وليست نصًّا ولذا نحتاج أن نستشعر الوجود ثم نكتب الشعر.
كبار الشعراء كتبوا الروح والوعي والوجود ولذا أصبحوا خالدين، أما الكتابة الحروفية فهي كتابة ميتة لا روح فيها ولا حياة. فإذن الأمر لا يحتاج معايير وشروط بقدر ما يحتاج انسجامًا مع روح الكون وروح اللغة عبر التأمل والسفر والقراءة والمحبة."
وهي تعتبر بأن الثقافة في عالم الشعر: "مهمة جدًّا، وربما أكثر من الشعر. أي لا تصبح الكتابة شعرًا إلا بها أو عبرها، الشاعر الحقيقي هو كائن كوني، واسع وعميق ونبيل وجميل، قارئ نهم، وذاهب مع كل فكرة وروح وذاكرة إنسانية عظيمة. فلا يستطيع من لا يقرأ أن يصبح شاعرًا حقيقيًّا، فلن يكون شاعرًا قبل أن يكوّن ذاكرة إنسانية رحبة متعددة المشارب والاتجاهات والثقافات والنزعات.
الشاعر الحقيقي نحلة يمتص رحيق الكون فيأتي برحيقه الخاص في نص، وبالتالي فذلك النص عليه أن يمر بكل ما يمر به العسل من مراحل الامتصاص والاعتمال الداخلي ليتدفق عسلًا مصفى."
أما بالنسبة لمشاريعها الحالية والمستقبلية تقول: "المستقبل يأتي بلا تخطيط وربما بلا إرادة أيضًا، والكتابة كذلك. وعلينا أن لا نحمّلهما أكثر مما يطيقان. هذا لا يعني التخبط والبوهيمية بالطبع، بل السعي. وترك الأشياء تأتي على مهل ونضج كما تريد الروح المتحدة مع روح الكون.
فالكاتب في مخاض أبدي، ولكن عليه الانتباه أن لا يعمد لقصر أو إجبار لروح النص، ليأتي حقيقيًّا وعميقًا وقادرًا على معانقة روح المتلقي. يأتي في وقت يكون فيه في جاهزية ناضجة، واستعداد تام للمثول والحياة بين يدي وأعين القراء الأكثر وعمقًا وإيغالًا لروحه أيضًا.
ولذا فأنا أقرأ وأكتب. وأمضي في حياة مليئة بالمنغصات وبالمباهج، ولست أريد منها أكثر من ذلك. النهم الحتمي للقراءة، وتصاعد تلك الحكة في الروح والأصابع للكتابة. مع الذهاب الدائم لأعمق نقطة في الروح، وأخذها لتلتحم مع الوجود عبر التأمل والمحبة.
المشروع القادم متوقف على جاهزية نص ما (شعرًا أو سردًا أو نقدًا ليكون ماثلًا بين يدي القارئ) فيندفع من رحم الكتابة للكون الفسيح، كطفل يولد مكتملًا، فيبحث له أبواه عن اسم فقط. وهكذا أنا مشروع نص سيظهر إذا اكتمل وشاء له النضج الامتثال للحضور والحياة والقراءة بلا تعجل ولا استباق."
محمود حيدر
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان