نسرين نجم ..

تعتبر الكتابة صورة من صور النهضة والرقيّ والإبداع في حياة الشعوب، سيما إذا كانت مضامينها غنية بالعلم والمعرفة والثقافة فتصبح صوتًا صامتًا يدخل العقل ويستوطن القلب فينعكس إيجابًا على سلوكيات الفرد المعرفية والاجتماعية..
الكتابة رسالة وقضية هكذا ينظر إليها الأديب أحمد العيثان الذي يملك في رصيده الأدبي حوالى العشر كتب متنوعة ما بين المجموعات القصصية والروايات والكثير الكثير من المقالات التي تناولت قضايا اجتماعية وإنسانية مختلفة، عن حال الكتابة وأوضاعها كان لنا هذا الحوار مع الكاتب والأديب أحمد العيثان:

الحزن محفز على الكتابة:
عوامل كثيرة تؤدي دورًا في تعزيز موهبة الكتابة عند الفرد منها سعيه للتزود بالمعرفة ومحبته لهذا العالم وتشجيع المحيط له وتوارث حب الكتابة، كلها تولد لديه الإبداع وهكذا كانت هي المحفزات للكاتب أحمد العيثان: "كانت البداية عفوية.. وبطريقة لا إرادية.. وهذا الأمر تتداخل فيه عوامل كثيرة منها الموقف.. البيئة.. الأسرة.. الوراثة أيضًا.. ولهذا وجدت نفسي قد مسكت القلم في المرحلة المتوسطة.. وكتبت بعض الحروف التي تعبر عن تلك المرحلة وما يخالجها من تقلبات في النفسية.. وحسب ما أذكر أن الخاطرة التي كتبتها كان عنوانها (شمعة تحترق) وهي موجودة في كتابي المطبوع (همسات على الطريق) وهو أول كتاب طبع لي.

ولم يتوقف هذا القلم عن صداقة الحروف.. بل استمر يبث ما يعتريه في تلك المرحلة.. وكانت كتابة الخاطرة هي البداية حتى تطور الأمر بعد ذلك. أما بالنسبة لاختيار هذا المجال.. فهذا أمر لا يستطيع الإنسان أن يحدده أحيانًا، بل هي الرغبة والموهبة والملكة التي في باطن الكاتب تدفعه دفعًا حثيثًا إلى ما يحبه ويعشقه.. حتى يتمكن بعد ذلك من تنمية وصقل هذه الموهبة."
موهبة الكتابة التي تولد مع الإنسان والتي يتم صقلها وتنميتها، هل هي أنجح وأصدق من الكتابة التي يسعى المرء إلى تعلّمها؟ يجيبنا الأديب العيثان عن هذا السؤال  بالقول: "ليس بالضرورة ذلك.. فقد يكون العكس تمامًا.. ولكن المقياس الحقيقي هنا والنجاح الملموس هو مدى فاعلية هذه الكتابة وخدمتها للبشرية جمعاء.. ومدى استمراريتها في تغذية المجتمعات والنفس على مدى قرون قادمة."
ولكي تنجح الكتابة وتلمس قلوب القراء لابدّ من أن تنطلق من حقائق من المجتمع ولربما هي وليدة الأحزان حول النقطة الأخيرة يعلق: "هذا الطرح فيه جزء من الصحة.. لأن هذا العامل لديه القدرة الفائقة في تفجير كوامن الإبداع لدى الإنسان.. وهذا ما نلاحظه في العديد من الأقلام السابقة.. ومدى قراءتنا لسيرة حياتهم.. وكيف كانوا يحلقون بالروح والمشاعر في سماء الإبداع، حيث كان الحزن محفزًا قويًّا لهم ودافعًا مهمًّا في الانطلاق نحو أفق بعيد.. بل هو المحرك الرئيسي في استنطاق لغة الروح وبالتالي تخرج الحروف والكلمات من بطن هذه الأحزان المتراكمة بصورة زاهية وخلابة وآسرة". ويرى بأن: "الكتابة يجب أن تكون للإنسان وما يحمله بالدرجة الأولى.. لأنه هو المحرك الأساسي لهذه الحياة.. فهو يملك الروح والعقل والنفس والجسد.. وكل هؤلاء يجب أن يتم تسخيرها في خدمة البشرية..". وحول ما إذا كان يؤمن بأن الكتابة هي أداة ترميم داخلي يقول: "قد تكون الكتابة أداة لترميم بعض خلجات النفس ومحاولة رتقها لكيلا تتصدع وتنهار في أي لحظة.. فقد يسعى القلم أحيانًا إلى محاولة الترميم لكي يبقى القائد للسفينة وإن تعرضت هذه السفينة للاختراق أو للاحتراق.."
وعن المعايير التي يعتمدها في اختيار مضامين كتاباته وإلى أي حدٍّ يعكس قلمه أوجاع وقضايا الناس يقول: "هناك معايير مختلفة ولكن يبقى هدفها واحدًا.. فكتابة البحث التربوي والاجتماعي يختلف عن كتابة القصة وعن كتابة الرواية والبحث التاريخي .... الخ فكل بحث أو كتاب له اتجاه معين ولكن يصب في بئر واحد.. ومن ضمن المعايير المهمة هو الحديث عن أوجاع الناس بشكل خاص والمجتمع بشكل عام.. وهذا ما حاولت تسليط الضوء عليه في مجموعة من المقالات التي نشرت في الصحافة المحلية أو في مواقع التواصل الاجتماعي.. بالإضافة إلى بعض الكتب التي طبع بعضها والبعض الآخر ينتظر دوره في الطباعة.. وهي مسؤولية جسيمة في هذا الأمر."

* الكاتب والتحدي في إثبات الهوية:
بالانتقال إلى موضوع يشغل بال الكثير من المهتمين والمتابعين في مجال الكتابة العربية ألا وهو واقع التأليف والكتابة في عالمنا العربي والإسلامي يقول الأستاذ أحمد العيثان: "خطا عالمنا العربي والإسلامي خطوات رائعة وجبارة في مجال التأليف والكتابة في الزمن الغابر، ولا يزال إلى الآن يقدم لنا الكثير من المراجع والمصنفات وكتب التاريخ والسير وغيرها من صنوف الأدب والعلم.. وإن كنا نطمح إلى المزيد والمزيد، ولكن ما هو موجود في الوقت الحالي جميل.. ويستحق الإشادة.. "

وهذه النقطة تدفعنا للسؤال حول ما إذا استطاع الكاتب العربي في عصرنا الحالي أن يحدد هوية كتاباته بعيدًا عن التأثر بالغرب؟ يجيب: "هذا الأمر نسبي.. فالبعض انجرف بهويته إلى اتجاه آخر تاركًا خلفه كل قيمه ومبادئه ومنغمسًا في الثقافة الغربية بحذافيرها.. والعكس تمامًا.. وأتصور أن الأمر هنا بين أمرين.. فالبعض من الكتّاب تمكن بما يملك من خزانة فكرية وتراثية وعلمية أن يجدد ويصقل هويته العربية ويحاول أن يبعث فيها الروح دون أن تمس بأي عراقيل خارجية.. وأتصور أن هناك إمكانية في الاستفادة من الهوية الغربية في بعض الجوانب الإيجابية.. وبالتالي يتم تطوير العقل والهوية العربية بشكل يتناسب مع تطورات العصر."
أما الكاتب بنظر الأديب أحمد العيثان فهو: "الإنسان الذي يعرف كيف يمسك بزمام القلم.. وينطلق به نحو أفق واسع ويغوص معه أجواء الحياة بأجنحة شاهقة.. الكاتب الحقيقي هو من يسخّر إمكاناته ومهاراته في خدمة الإنسانية.. لأنه يملك سلاحًا فتاكًا إن استخدمه في غير محله أصبح وبالًا عليه وعلى غيره.. ولهذا ما أكثر الكتاب حين تعدهم؟؟ ولكنهم في المواقف الصعبة لا تجد منهم أحدًا يذكر إلا النزر اليسير.. الكاتب هو من يعكس آلام البشر ويحاول أن يجد لها حلولًا ناجعة.. ويحرك في باطنها النزعة الثقافية والعلمية والفكرية."
بعض الكتّاب استفادوا من مواقع التواصل الاجتماعي لينشروا كتاباتهم وحتى أنهم حفزوا الشباب على المطالعة وعلى الكتاب وهذا ما يؤكده الأستاذ أحمد العيثان: "بالفعل مواقع التواصل الاجتماعي أعطت بعض الشباب دفعة رائعة كانت من خلالها توطد العلاقة بينهم وبين الكتاب.. بشكل جيد.. فأصبحت لغة التخاطب سهلة جدًّا ويسيرة وأيضًا أصبح الكتاب في متناول الجميع في أي لحظة كانت.. وبهذه السرعة أصبح الشباب في شغف كبير للبحث عن أنواع الكتب في شتى المجالات بعد أن كان ذلك الأمر صعب المنال.. وهذا بالطبع تحفيز كبير لهم لمواصلة القراءة والاستمتاع بالبحث عن الكتب في مختلف المواقع الاجتماعية."

رغم كل ما قدمه الأديب أحمد العيثان في مجال إلا أنه: "حتى هذه اللحظة لم أحقق ما أصبو اليه.. ولهذا اعتبر نفسي في بداية الطريق.. وإن تحقق شيء يذكر فهو بفضل الله سبحانه وتعالى أولًا وأخيرًا".
العلاقة ما بين الكاتب والكتابة هي أخذ وعطاء تبادل وشراكة فماذا أخذت الكتابة من أحمد العيثان وماذا أعطته يقول: "أخذت منا الكتابة الشيء الكثير الكثير.. من الجهد والوقت والمادة وغير ذلك.. هذا من جهة.. أما الأمر الآخر فعلاقة الكاتب بالأفكار التي يطرحها خصوصًا بعض الأفكار الجريئة التي قد تسبب التصادم المباشر مع المجتمع وما يترتب على ذلك من آثار وعقبات صعبة..
وفي المقابل أعطتنا الكتابة الكثير الكثير من التواجد في الساحة.. والشهرة.. والاطلاع على الكثير من الكتب والأفكار.. ومحاولة التعبير عما يختلج في النفس من مشاعر وأحاسيس.. لأنها البلسم الذي يفتح لنا طريق الآمال.. "
وعن  مشاريعه الحالية والمستقبلية يقول: "حاليًّا هناك إعداد قوي للطبعة الثانية من كتابنا (ماضي القارة وحاضرها) حيث قطعنا فيه شوطًا كبيرًا أتمنى أن يطبع قريبًا.. بالإضافة الى وجود العديد من الكتب المخطوطة تصل إلى 7 كتب وهي جاهزة للطباعة آمل أن أتمكن من طباعتها قريبًا.. من ضمنها كتاب بعنوان (الامامة وخلافة الإمام علي عليه السلام).. أيضًا هناك توجه كبير بل تم الإعداد حاليًّا لطباعة ما يوجد عندي من تراث عائلتي وهي عائلة العيثان.. وقريبًا سوف نقوم بطباعة أول ديوان شعر للشاعر / حسن العيثان، بالإضافة إلى الكتب الأخرى التي تنتظر الإعداد والطبع من قبلنا".
ونختم الحوار بنصائح من الكاتب العيثان للشباب الذين يرغبون بدخول هذا المجال: "أتصور أن الدخول إلى عالم الكتابة هو رغبة يتمناها الكثير من أبناء المجتمع.. فهي لغة التخاطب الرائعة.. وهي السلاح الذي نستطيع أن ندافع به عن مجتمعاتنا وعن البشرية بشكل عام.. ولهذا أنصح إخواني الشباب باستغلال الفرصة.. ومحاولة تنمية هذه الموهبة وصقلها لكي تخرج لنا ثمارًا طيبة (أصلها ثابت وفرعها في السماء) وأتصور أن هذا العصر هو العصر المناسب في ذلك حيث تتوفر جميع الأدوات التي تساعد الشاب في الولوج إلى هذا العالم، بل وتمكنه من الإبداع والتقدم من أجل تحقيق طموحات كبيرة للبشرية جمعاء."