لقاءات

الشيخ محمّد الطيّب: عيد الغدير استمراريّة للدّعوة الإسلاميّة المباركة

"اسم هذا اليوم في السّماء يوم العهد المعهود، واسمه في الأرض يوم الميثاق المأخوذ والجمع المشهود". عيد الغدير الأغر هو  خلاصة مسيرة النّور والهدى التي بدأها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، والتي مهّد لها كل الأنبياء والرُسل، وهو أيضًا مدرسة متعدّدة الاتجاهات. عيد الغدير تجسيد لمسؤولية صون الدّعوة الإسلامية المباركة واستمراريتها. حول أهمية عيد الله الأكبر وأبعاده، كان لنا هذا الحوار مع  إمام وخطيب مسجد الإمام زين العابدين عليه السّلام في القطيف، سماحة الشيخ محمّد الطيّب.

 

حاورته: نسرين نجم

 

نبارك لكم عيد الغدير الأغر، ونسألكم بما أنّه يعدّ استكمالًا للرسالة الإسلامية بعد رحيل النبي محمّد (ص)، فما الحكمة الإلهية من هذا العيد المبارك؟

(بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله ربّ العالمين والصلاة على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين وبعد.. نتقدم من جميع شيعة عليّ عليه السلام في العالم، بالتهنئة الحارّة بحلول عيد الله الأكبر، ونجدّد البيعة لعلي أمير المؤمنين، ونسأل الله أن نكون أهلًا لهذا الوصف العظيم (شيعة) بحقّ.

لا شك ولا ريب أن تنصيب أمير المؤمنين عليه السلام وليًّا على المؤمنين، من إكمال الدّين وتمام النعمة، بصريح القرآن الكريم، حيث قال عزّ من قائل: "يا أيها الرسول بلغّ من أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين" وهنا ما يلفت النّظر في ختام الآية الكريمة "إن الله لا يهدي القوم الكافرين" فالمنكر لحقّ عليّ وولايته، لا يمكن أن يكون من الدين في شيء.

والحكمة واضحة، وذلك أن وظيفة الأنبياء والرسل هي البلاغ، وأما الإمام فوظيفته البيان، ومن هنا كانت الإمامة الامتداد الطبيعي للنبوة).

 

ما هي دلالات هذا العيد وآثاره في غرس مكارم الأخلاق ومحامد الأعمال؟

(أجاب عن هذا التساؤل المهم الكاتب: عادل عبد الغفار من العراق، بإجابة مفصّلة جميلة، ومن جملة ما قال: إن يوم الغدير تجسيد لكفاح هابيل الصفوة، وإبراهيم الخليل، وموسى الكليم، وعيسى الكلمة، ومحمد الرحمة صلوات الله عليهم، تجسيد لكفاح العظماء والمصلحين الذين ساهموا في وضع أسس الفكر الإنسانيّ ومقوّمات الحضارة الاجتماعية، تجسيد لمسؤولية صيانة واستمرارية الدّعوة الإسلاميّة الخالدة، وإتمامٌ لمسيرة من قادوا الإنسانية نحو أهدافها وآمالها. يوم الغدير سيف صارم للقضاء على كل وسائل الهدم والانحراف والظلم والجور والفساد على مّر العصور والأزمان.

والاحتفال بهذا اليوم العظيم، تعظيمٌ لشعائر الله: "ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب"، وإحياء لشعيرة دينية أحياها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعه الصحابة).

 

لماذا قيل عنه بأنه عيد الله الأكبر وجرى ربطه بوفور النعمة؟

(عيد الغدير وهو عيد الله الأكبر، وعيد آل محمّد (عليهم السلام)، وهو أعظم الأعياد، إذ ما بعث الله تعالى نبيًّا إلّا وهو يعيّد هذا اليوم ويحفظ حرمته.

واسمُ هذا اليوم في السّماء يوم العهد المعهود، واسمه في الأرض يوم الميثاق المأخوذ والجمع المشهود، ورُوي أنّه سُئِل الصّادق (عليه السلام): هل للمسلمين عيدٌ غير يوم الجمعة والأضحى والفطر؟ قال: نعم أعظمها حُرمة، قال الراوي: وأيّ عيد هو؟ قال: اليوم الذي نصَّب فيه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أميرَ المؤمنين (عليه السلام) وقال: ومَنْ كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه، وهو يوم ثماني عشر من ذي الحجّة.

ولأهمّيته، أكّد اللهُ سبحانه وتعالى على رسوله الأكرم (صلّى الله عليه وآله) أن يبلّغ المسلمين في هذا المكان، ولم يُمهِلْه حتّى يصل إلى المدينة، فقال تعالى: "يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ".

وهو يومٌ عظيم قد ذكرت الأحاديثُ الشريفة جوانب من عَظَمته، كما يُعدّ ثاني أهمّ حدثٍ في الإسلام بعد البعثة النبويّة المباركة ونزول القرآن الكريم، ففي رواية الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) عن أبيه عن جدّه: "إِنَّ يَوْمَ الْغَدِيرِ فِي السَّمَاءِ أَشْهَرُ مِنْهُ‏ فِي‏ الْأَرْضِ".

وقد رُوي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عَنْ أَبِيهِ عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام) أنَّهُ قَالَ: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وآله: يَوْمُ غَدِيرِ خُمٍّ أَفْضَلُ‏ أَعْيَادِ أُمَّتِي‏، وَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي أَمَرَنِي اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِيهِ بِنَصْبِ أَخِي عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام، عَلَماً لِأُمَّتِي يَهْتَدُونَ بِهِ مِنْ بَعْدِي، وَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي أَكْمَلَ اللَّهُ فِيهِ الدِّينَ، وَأَتَمَّ عَلَى أُمَّتِي فِيهِ النِّعْمَةَ، وَرَضِيَ لَهُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً").

 

ما هي مبادئ مدرسة الغدير؟ وما هي مسؤوليتنا تجاه هذا العيد المبارك؟

(مبادئ مدرسة عيد الغدير كثيرة، ومسؤوليتنا تجاه هذه العيد المبارك عظيمة، نختصرها في أمرين:

أولًا: عدالة عليّ (ع) وهي صوتإانساني ينادي من ذلك العصر الذهبي الذي حكم فيه عليّ عليه السلام إلى يومنا هذا فهو القائل: "والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها في أن أعصي الله في نملة أسلبها جلبة شعيرة ما فعلت"، ولو كان هناك ما هو أتفه وأقل شأنًا لذكره الإمام مقارنة به.

ثانيًا: من خلال هذه المناسبة، على كل فرد منّا أن يحدد مسؤوليته، ويقوم بها خير قيام، أن يحدد له منهجًا علويًّا في حياته مقتديًا بإمامه، ألم يقل صلوات الله وسلامه عليه في كتابه لعثمان بن حنيف: "ألا وإنَّ لِكُلِّ مَأمومٍ إمامًا، يَقتَدي بِهِ ويَستَضيءُ بِنورِ عِلمِهِ".

فعليّ عليه السلام ثروة من الأخلاق والعلم والمعرفة لا تضاهى أبدًا، نسأل الله عز وجل أن نكون من شيعته الخلّص).

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد