قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عن الكاتب :
أحد مراجع التقليد الشيعة في إيران

اللَّه مالك الملك

 

الشيخ ناصر مكارم الشيرازي .. 
قال تعالى : {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلكِ تُؤْتِى المُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ المُلكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيرُ إِنَّكَ عَلى‏ كُلِّ شَي‏ءٍ قَدِيرٌ} (آل عمران/ 26).
قال المفسّرون : إنّ الآية نزلت بعد فتح مكّة ، أو حينما كان النبي الكريم صلى الله عليه وآله مشغولًا بحفر الخندق قبيل معركة الأحزاب حيث بشّر المسلمين بفتح بلاد فارس والروم، وقد اعتبر المنافقون ذلك تخيّلات وتكهّنات وتشبّثاً بالمحالات‏ «1».
وفي هذه الأثناء نزلت الآية المذكورة وأنذرت الجهلاء بأنّ اللَّه مالك كلّ البلدان حيث قالت : {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلكِ تُؤْتِى المُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ المُلكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ} وليس الحكومات فقط وليس العزّة والذلّة بل : {بِيَدِكَ الخَيرُ إِنَّكَ عَلى‏ كُلِّ شَي‏ءٍ قَدِيرٌ} «2».
وقدرة اللَّه عزّوجلّ على كلّ شي‏ء هي- في الحقيقة- دليل حاكميته على الأرض والسماء.
ومن الواضح أنّ لمالكية اللَّه بُعداً عامّاً وحقيقيّاً ، في حين ما جاء في المورد الآخر في جملة: «تؤتي الملك من تشاء» يكون له بعد جزئي ومجازي.
ولا دليل على تحديد مفهوم الآية بفتوحات الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله أو عزّة المؤمنين وذلّة اليهود وما شاكل- كما يعتقد بعض المفسّرين- بأنَّ للآية مفهوماً واسعاً يشمل كلّ الحكومات وكلّ عزّة وذلّة، وما قالوه فهو من مصاديقها الواضحة، والجملة الأخيرة: {إِنَّكَ عَلى‏ كُلِّ شَي‏ءٍ قَديرٌ} هي في الواقع بمثابة الدليل على هذه المالكية الإلهيّة العامّة والمطلقة.
وواضح أنّ المشيئة والإرادة الإلهيّة التي استند إليها في هذه الآيات لا تعني أنّ اللَّه يعزّ أو يذلّ أو يعطي الحكومة ويسلبها بدون حساب، بل إنّه وضع في عالم الأسباب مجموعة من عوامل النصر والهزيمة وهي مظاهر مشيئته وإرادته.
فحينما يوفَّقُ المسلمون يوماً لفتح الأندلس وهي بوابة أوربا، أو يخرجون من تلك الديار المعمورة يوماً آخر، فإنّ ذلك حديث وفق تلك الأسباب التي هي مظاهر لمشئيته الإلهيّة.
وعندما يتسلّط أمثال يزيد وجنگيزخان على الناس، فلعلّه نتيجةً لأعمال الناس أنفسهم، حيث إنهم يستحقون مثل هذه الحكومات فقد ورد : «كيفما تكونوا يولّى‏ عليكم».
من هنا يتّضح الجواب على الأسئلة التي تطرح حول آية البحث وليست بحاجة إلى توضيح أكثر.
______________________
(1) تفسير مجمع البيان ، ج 2 ، ص 427؛ وتفسير الكبير ، ج 8 ، ص 4.
(2) قال بعض اللغويين : الخير والإختيار لهما مادّة واحدة ، والحسنات خير لأنّ كلّ إنسان يختارها (التحقيق ، المفردات ، تفسير الميزان في ذيل آية البحث).

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد